بين علمانية الأدب وعقلنة الدين، في تنمية المجتمع ومساهمتهما في تطوير المفاهيم الجمعية، تتأسس ثقافة تحمل النظم الديمقراطية بروح المعاصرة الحديثة.

حول المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد مع المجتمع من حيث التشارك والتفاعل والتواصل بيّن الأديب "عادل رزق" لموقع eSyria قائلاً: «لا يستطيع الفرد إلا أن يكون جزءاً من مجتمع، "فالإنسان حيوان اجتماعي" كما تؤكد بعض التعاريف، تشاركه في هذا الحيوانات التي كثيراً ما تعيش على شكل عائلات، إلا أن المجتمع البشري هذا يتجاوز الغرائز التي تسيطر على تجمعات الحيوان، فيرقى ويتطور عبر امتلاك الوعي الذي ينهض به الأفراد، أو أصحاب الرسالات ومن ثم تنتقل أخيراً بالتواصل إلى هذا المجتمع، وإذا كانت المجتمعات البشرية بتقاليدها المتوارثة تسعى دائماً إلى ترسيخ هذه التقاليد، والحفاظ عليها إلى حد الاندماج فيها، فإن المتنورين من الأفراد في المجتمع، وعبر رسالة الوعي التي يمتلكونها، ومن خلال وعي هذا الانصهار، وسبل الخروج منه، وانطلاقاً من ضرورات التجاوز التي يستدعيها تغير الواقع المستمر، فإن هؤلاء يعملون على رصد حالات الانغماس المجتمعي، وأشكال التأخر فيه، وغياب الوعي المطابق لحاجاته، والدعوة إلى تعرية هذه الحالات، وضرورات التجاوز، وتقديم الحلول البديلة لها، والعمل على النهوض بها على سلم الارتقاء البشري، وعلى هذا النحو تتجلى العلاقة الأرقى بين الفرد والمجتمع التي هي علاقة تداخل وتخارج، أي علاقة وعي للواقع، ومن ثم إعادة صياغته على النحو الذي يخدم المجتمع، ويرقى به عبر مؤسساته وأجواء الحرية السائدة فيه، فالفرد هنا لا يخرج من المجتمع، ولكنه دائماً يخرج منه، وعلى هذا النحو تصبح العلاقة بين الفرد والمجتمع علاقة تشارك، وتفاعل، وتواصل، وأضيف إليها علاقة تغيير، وتجديد مستمرين فالإنسان لا يستحم في النهر مرتين"».

هناك من لا يرى في العولمة أي جديد، وهناك من يراها ظاهرة إنسانية جديدة تماما لم تعهد البشرية مثيلاً لها من قبل، فهي بذلك تكوّن إيديولوجية، تطرح حدوداً أخرى غير مرئية، ترسمها الشبكات العالمية بقصد الهيمنة على السوق، والأذواق، والفكر، والسلوك، أطلق عليها أنها رأسمالية تكنولوجية معلوماتية، تتيح العولمة المعلوماتية للأفراد والتواصل دون أي عوائق بينهم، ما يسمح بالتداول الحر للمعلومات، ومن هنا تبدأ الأهمية الحقيقية للعولمة المعلوماتية. ولذا يمكن القول، إن العولمة المعلوماتية، هي ذلك الشكل من أشكال التواصل الإنساني، عن طريق توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إلغاء حدود الزمان والمكان

ولدى سؤال الأديب "رزق" عن أهمية القاسم المشترك الجمعي الذي يؤسس لثقافة جمعية بين بالقول: «حين يرقى المجتمع بفعل عوامل الارتقاء الداخلية، والخارجية، والطبيعية فيه، فإنه لمتابعة سلم الارتقاء، يعمل على إبراز القواسم المشتركة بين أفراده، وتشكيلاته البشرية، ومؤسساته المختلفة، وينظمها بالقوانين التي تحفظ حقوق هؤلاء الأفراد، وتلك التشكيلات لتعمل بدورها على النهوض بهذا المجتمع عبر أجواء الحريات التي ترعاها القوانين وتطلقها، وهذا يعني أنه كلما ارتقى المجتمع، بشرط الحرية فيه، وتطور وعيه الفكري، وتنامى بعده الإنساني، فإن مكوناته الاجتماعية ترى أن مصلحتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتحقق في إبراز القواسم المشتركة الجمعية، والعمل من خلالها، والتنازل عن المصالح الضيقة المعوقة لمصلحة هذه القواسم، فيرعى بذلك الإنسان فيه، ويعمل بدوره على تأمين أهم المتطلبات المشتركة لهذه المكونات، كما حدث في الاتحاد الأوروبي اليوم بعيداً عن نظرية التفتيت المرافقة لمجتمعات التأخر البشري التي ما زالت لغياب وعي واقعها تجهل سبل البحث عن هذه القواسم التي باستحضارها والتعامل بها تتنامى ثقافة جمعية جديدة تقف حاجزاً في مواجهة التفتيت والتشظي القابع في ظل غياب القواسم المشتركة، ومن هنا تبرز أهمية العمل على اكتشافها، وتشكيل الحاضنة الثقافية لها».

الأب جان حنا

وعن مقومات المنظومة الديمقراطية، ووجود الحرية فيها أشار الأديب "عادل رزق" بالقول: «هذا السؤال الكبير في الحياة المعاصرة يجب أن تتعدد الإجابات حوله فهو جوهر هذه الحياة، والشعوب الأكثر حظاً في هذه الحياة هي التي استطاعت أن تجيب عن أسئلتها، وأنا أختصر وأقول: الديمقراطية التي تتداولها الأنظمة إلى درجة الاستهلاك، وهي منظومة سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، لا يمكن اختزالها على النحو الذي يتم فيه التداول لها، كما لا يمكن أن تؤدي أغراضها الإنسانية، والإبداعية في غياب، أو تغييب مفاهيم الحريات الفردية، والمجتمعية، فثورات الشعوب التاريخية قامت على إطلاق هذه الحريات حيث تحولت هذه الديمقراطيات في ظل انتهاك الحريات إلى دكتاتوريات محدثة تخدم مصالح أصحابها على حساب مجتمعاتها، وهنا ومن جانب آخر نتساءل: إلى أي مدى يمكن أن نتعاطى هذه الحرية في هذه المنظومة المتكاملة؟

إذا كانت هذه المنظومة تتجلى بممارسة حقوق الأفراد والجماعات في ربيع انطلاق عقال الحرية، فإن هذه الحرية يجب أن تبقى تحت سقف القوانين الناظمة لها، فالديمقراطية لا تعني الانفلات من القوانين، أو الخروج عليها، إنما تعني الالتزام المسؤول بها، والملبي لحاجات مجتمعها، وبهذا تصبح الديمقراطية تعني الحرية المسؤولة فحسب، إلا أنه وحتى تصبح القوانين الناظمة للحريات قيوداً تعطل الحريات الشخصية، والمجتمعية، ومن خلالها يتم الانقضاض على الديمقراطية، كما حدث، وكما يمكن أن يحدث، فإنه يجب أن تكون القوانين قابلة للتغيير الديمقراطي، ومواكبة لعملية التطور البشري، وحاجات المجتمعات المتجددة، وعلى هذا النحو تصبح الديمقراطية هي الجسد، وتغدو الحرية هي الروح فيه، والمؤطرة بحدوده، وبغياب هذه الروح يتحول الجسد إلى جيفة وعلى طلاب الحرية التخلص منها».

الأديب عادل رزق

وحول دور المعلوماتية في قضايا التواصل الفكري بيّن الأب "جان حنا" رئيس دير القديس "توما" البطريركي- رئيس مركز اللقاء والحوار- رئيس لجنة الحوار المسيحي- الإسلامي- عضو مجلس إدارة ومؤسس في لجنة حماية الوطن، بالقول: «هناك من لا يرى في العولمة أي جديد، وهناك من يراها ظاهرة إنسانية جديدة تماما لم تعهد البشرية مثيلاً لها من قبل، فهي بذلك تكوّن إيديولوجية، تطرح حدوداً أخرى غير مرئية، ترسمها الشبكات العالمية بقصد الهيمنة على السوق، والأذواق، والفكر، والسلوك، أطلق عليها أنها رأسمالية تكنولوجية معلوماتية، تتيح العولمة المعلوماتية للأفراد والتواصل دون أي عوائق بينهم، ما يسمح بالتداول الحر للمعلومات، ومن هنا تبدأ الأهمية الحقيقية للعولمة المعلوماتية. ولذا يمكن القول، إن العولمة المعلوماتية، هي ذلك الشكل من أشكال التواصل الإنساني، عن طريق توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إلغاء حدود الزمان والمكان».

وعن مفهوم مجتمع المعلومات أشار الأب "جان حنا" بالقول: «لأن المجتمعات ظلت على مدار الزمن في حركية دائمة، تسعى من خلالها إلى التطوير والتحسين من مستوى الحياة والرقي إلى الأفضل، فقد تمكنت وبفضل ما قدمته من تضحيات وأبحاث على مستويات عالية من التحليل، أن تصل إلى تحسينات جديدة، كانت أهمها على الإطلاق "مجتمع المعلومات"، ولأنها لا تزال حديثة على تطبيقات الفكر الإنساني، فهي تطرح أسئلة كثيرة عن ماهيتها وكيفية تطورها وخصائصها، التي أهلتها لأن تصبح الهدف المنشود، الذي تسعى إلى تحقيقه، كل دول العالم على اختلاف توجهاتها، والتي كثيراً ما تثار الأسئلة حول مقوماتها وأهدافها، ويعتبر مجتمع المعلومات، مفهوماً جديداً، لم تتبلور معالمه بعد في المفهوم العالمي للباحثين، وذلك ليس غريباً، لأن ملامحه غير واضحة بالقدر الكافي، حتى بالنسبة للمواطنين العاديين الذين يتعاملون معه في حياتهم اليومية، من خلال بعض مظاهره كشبكة الإنترنت مثلاً، من دون أي إدراك للأبعاد النظرية له وللنتائج العلمية والسياسية والثقافية، عرف مجتمع المعلومات مسميات عديدة كالمجتمع ما بعد الصناعي، ومجتمع ما بعد الحداثة، والمجتمع الرقمي، والمجتمع الشبكي، والمجتمع اللاسلكي، والمجتمع الكوني، والمجتمع المعلوماتي، ومجتمع المؤسسات، يقوم مجتمع المعلومات أساساً، على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي، من الاقتصاد، والمجتمع المدني، والسياسة، والحياة الخاصة، وصولاً للارتقاء بالحالة الإنسانية. فهو مجتمع جامع ومنصف، قوامه الإنسان، يتاح فيه لكل فرد، حرية إنشاء المعلومات والمعرفة والنفاذ إليهما، والاستفادة منهما، وتقاسمهما، ونشرهما، لتمكين الأفراد، والمجتمعات، والشعوب، من تحسين نوعية الحياة وتحقيق ذواتهم الكاملة، وهي مجتمعات، تؤسس على مبادئ العدالة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، وعلى المشاركة الكاملة للشعوب، ورغم تعدد المسميات التي أطلقت على هذا المجتمع الحديث، إلا أن الأساس الذي تنطلق منه واحد، والذي يرتكز على حرية تداول المعلومات دونما قيد أو شرط وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة عن طريق الإتاحة المباشرة لها».

الأب جان حنا في مكتبه

أما عن منظومة الديمقراطية ووجود الحرية منها أوضح الأب "جان حنا" بالقول: «يختلف مفهوم الحرية مع التطور السياسي والاقتصادي العالمي، وظهور الهيئات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة من أجل حق تقرير المصير، وحق التخلص من الاستعمار، والحريات الشخصية في التفكير، وحرية المعتقد، وحرية التعبير، والقدرة على الاختيار والتمييز، ترتبط الحرية ارتباطاً وثيقاً بالمسؤولية، وهذا ما يؤكده "سارتر" فهو يؤكد الرابط بين الحرية والمسؤولية، فكل قرار أنت حر فيه تكون مسؤولاً عن النتائج المترتبة عليه. وذلك على كل المستويات: من مسؤولية الطالب عن نجاحه أو فشله الدراسي، إلى مسؤولية الطبيب عن الدواء الذي وصفه لمريض، إلى مسؤولية الكاتب عما عرضه في الجريدة، مسؤولية السائق عن حادثة سيارة، إلى مسؤولية رئيس الدولة عما يتخذه من قرارات تدخل في نطاق سلطته وتؤثر على المجتمع، إن أهم حدود للحرية هي احترام حقوق الإنسان الآخر، "تنتهي حريتي، عندما تبدأ حرية الآخرين"، للحرية قوانين تضبطها وتنظم عملية عيشها في المجتمع. كما أنها تنظم طريقة التعامل بين أفراد المجتمع كافة، بما يضمن حصول كل فرد من أفراد المجتمع على كافة حقوقه، وعدم التعدي على حقوق الآخرين، وبالتالي القيام بواجباته تجاه الآخر، وتجاه المجتمع ككل. هذه القوانين تشمل كل مناحي الحياة، وتنظم علاقة أفراد المجتمع فيما بينهم، وتضمن وجود مجتمع سليم مبني على احترام الآخرين. من هنا نرى أن ما يحصل في المجتمع اليوم من تعدي على الآخرين وما يقوم به البعض من أعمال تخريب، والتعدي على أفراد المجتمع، وعلى الممتلكات العامة والخاصة باسم الحرية، لا يمت للحرية بأي صلة، لأنه بعيد كل البعد عن القانون، الذي يفرض احترام الآخر، وعدم التعدي عليه، وصون ممتلكاته وممتلكات المجتمع كافة».

وتابع الأب "حنا" عن حرية واحترام التقاليد بالقول: «لكل مجتمع عاداته وتقاليده الخاصة به التي تميزه من باقي المجتمعات الأخرى، والخروج عنها يجعل الإنسان مرفوضاً أو موضع سخرية، ويجب على كل فرد من أفراد المجتمع، أن يتقيد بهذه العادات والتقاليد، وعدم الخروج عنها في سد جميع احتياجاته المعيشية، وسلوكه الاجتماعي. فلا أستطيع أن أعيش في مجتمع ما، وأتصرف كما يتصرفون في المجتمعات الأخرى. مثلاً لا أستطيع أن أعيش في دمشق، وأتصرف كما لو أني أعيش في اليابان، فللمجتمع الدمشقي عاداته وتقاليده، تختلف كل الاختلاف عن عادات وتقاليد المجتمع الياباني، من خلال ما تقدم، نعود لنؤكد أن العلاقة بين الفرد والمجتمع، هي علاقة احتواء وتكامل، فالفرد والمجتمع كلاهما وجه لعملة واحدة. وبقدر ما يؤثر الفرد في المجتمع، يؤثر المجتمع بالفرد، أي إنها علاقة تأثير وتأثر، يكتسب من خلالها الفرد مجموعة من التعاليم الموجودة في المجتمع والتي تكون شخصيته، وبالتالي يكسب المجتمع خبرة الفرد الشخصية المكونة للمجتمع».