أضحت فكرة التواصل لغة الساعة بين المثقفين والأدباء، ولهذا فإن وجود آلية خلق ثقافة جمعية لعلاقة الفرد بالمجتمع، هو مهمة الحاضر والمستقبل.

حول التواصل الاجتماعي وتطور المفهوم الجمعي بيّن الأديب "باسم عبدو" عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria قائلاً: «لم تعد دموع الأم تسوح على خديها وهي تودع ابنها المهاجر.. كان هذا في النصف الأول من القرن العشرين أو قبله. وكانت الرسائل هي الوسيلة الوحيدة للتواصل. وأعرف ذلك في قريتي في جنوب سورية، إذ كان في القرية عدد محدود جداً ممن يعرف القراءة والكتابة.. وتستغرق الرحلة مثلاً إلى أمريكا الجنوبية أياماً طويلة.. أما اليوم وفي القرن الحادي والعشرين، وفي ظل ثورة الاتصالات "الثورة الثالثة"، فأصبح العالم قرية صغيرة.. وفي لحظات أو دقائق يتم الاتصال ويتحدث الطرفان الأحاديث الطويلة، وهما يتقابلان وتظهر صورتهما وهما يبتسمان بشوق وفرح. لقد تواصلت الشعوب والدول والممالك في القرون الماضية، عن طريق التجارة والرحلات بوسائط النقل القديمة "الحيوانات، الحمام الزاجل، السفن، القطارات، ثم الأقمار الصنعية"، وفي هذا القرن، قرن الثورة الثالثة"، اقترب العالم بقاراته الخمس من بعضه، وغدا الإنترنت الذي يتطور كل يوم الوسيلة المتقدمة للتواصل بين البشر، وينمي العلاقة المباشرة بين الناس، وهذه العلاقة هي بالدرجة الأولى، يجب أن تكون علاقة إنسانية، تربطها علاقة عاطفية أولاً، وعلاقات مادية ثانياً، وعلاقات معرفية ثالثاً. ويعني التواصل أيضاً "ربط الشيء بالشيء". ويدل على مجموع الوسائل التقنية، والتقنيات الموظفة في نقل المعلومات رابعاً».

المجتمع كلمة تدل على اجتماع عدد من الأفراد، تربط بينهم روابط مشتركة كاللغة والتاريخ والجغرافية، وعند ما يرتكز الفرد في وجوده على هذه المقوِّمات فهو ناهض بها، وموجود عبرها، وكينونته متأصلة في ذات جمعية هو جزء منها، وفي لحظة التبلور يتماهى الفرد مع هذه الذات الجمعية ليكاد يتوحد معها في انتصاراتها وإخفاقاتها، ويندفع للمساهمة في كل ما يعلي شأنها وبهذا يكون تلقائياً هو الناطق الفرد باسم هذه الجماعة، فالعلاقة منذ الأزل ليست جدلية بقدر ما هي تبحث عن اندماج لا يتشظى إلا في لحظات ذات هدم أو اختراق ما، لذا ترى في معظم المجتمعات أن حرمان الفرد من ركوب سفينة المجتمع يعرضه لضمور مجتمعي مؤثر في النفس وواجد للندوب التي قليلاً ما تتعافى

وعن المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد بالمجتمع لتأسيس ثقافة جمعية بيّن الأديب "باسم عبدو" بالقول: «تعني كلمة التواصل في"لسان العرب" اتصال الشيء بالشيء، دون أن ينقطع، والتواصل ضد التقاطع. وهو الإبلاغ والاطلاع والإخبار. أي نقل خبر من شخص إلى شخص آخر، وإقامة علاقة بينهما. ولا يتمُّ التواصل من فراغ، بل بوساطة رسول أو وسيلة تنقل الرسالة أو الخبر أو الموضوع. ويؤكد الباحثون والمختصون في التواصل وطرائق الاتصال، أن "الدوال" تدل وتتواصل بطريقة مباشرة وغير مباشرة، عن طريق اللغة، العلامات، الخطابات، الأنساق، الإنسان والكائنات الموجودة في الطبيعة. ويدل هذا على أن كل شيء في عالمنا يحمل دلالة ووظيفة، إما ذات خبرة فردية أو ذات خبرة جماعية، طبيعتها مادية أو معنوية. وتعدّ اللغة من أهم آليات التواصل بين البشر، وكذلك استخدام التقنيات الحديثة، وأكد العلماء أن التطور في العالم في العقد التاسع من القرن الماضي، يوازي التطور بل وأكثر من التطور الحاصل في جميع العقود في ذاك القرن».

الأديب فرحان الخطيب

وعن دور المعلوماتية في قضايا التواصل الفكري والاجتماعي بيّن الأديب "باسم عبدو" بالقول: «لم يكن التواصل القديم والحديث دائماً على ما يرام، ويسير مستقيماً مثل سكة القطار، بل هو في صعود وهبوط، إيجابياً مرة وسلبياً مرات. وقد يبنى على الاتفاق، وسرعان ما يتحول إلى النقيض والمغايرة، والخلاف والاختلاف، والحوار ورفض الحوار والمعارضة.. ويمكن في لحظة ما، وفي حالة هيجان أحد الأطراف، أن ينقطع التواصل. ويتمترس طرفا الاتصال وراء مساند أكياس الرمل "خلف النصوص" ويتحول إلى شكل من أشكال ترديد النصوص والشواهد، وعدم زحزحة الأفكار من الرؤوس الحامية، وانطلق "رومان جاكبسون" في عام 1964، من مسلمة جوهرية، وهي أن التواصل هو الوظيفة الأساسية للغة، ورأى أن للغة ستة عناصر، ولكل عنصر وظيفة أولها المرسل له وظيفة انفعالية تعبيرية، وثانيها الرسالة لها وظيفة جمالية من خلال إسقاط محور الاستبدال، على محور التركيب، وثالثها المرسل إليه له وظيفة تأثيرية وانتباهية، ورابعها القناة لها وظيفة حفاظية، وخامسها المرجع يحمل وظيفة مرجعية "موضوعية"، وأخيراً اللغة لها وظيفة لغوية أو وصفية».

وتابع الأديب "عبدو" بالقول: «إن التواصل في الإعلام يتعلق بالخبر ونقله ومرافقة الصورة له. فالمتلقي يقرأ الخبر أولاً، ويمكن أن يسمعه من عدة فضائيات ذات توجهات سياسية وفكرية مختلفة. والمتلقي الواعي يجري مقارنة بين هذه الأخبار ومصادرها وأغراضها وأهدافها، ليصل إلى نتيجة تشكل قناعة أولية له، غير ثابتة لشدة التناقض بين المصادر. ولكن الصورة تكشف مدى صحة وعدم صحة الخبر، وعليه أن يدرك دور التقنيات المعلوماتية المتطورة في تركيب الصورة وتغييرها ودبلجتها بشكل عدائي، كما يجري حالياً في فضائيات الجزيرة والعربية والبي بي سي والـ 24 الفرنسية، والفضائيات المرتبطة بالمخابرات المركزية، الممولة من دولارات النفط الخليجي وغير ذلك، يشكل التواصل أساس وعي الناس بشكل عام، وأساس بناء الوعي الجماهيري. أما التفاعل والمشاركة فهما يحملان مهمة بناء هذا الوعي. والحصول على المعلومات واكتساب المعارف وتلقف الأخبار من أقصى نقطة على سطح الكرة الأرضية».

الأديب باسم عبدو

أما الشاعر والأديب "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب العرب فربما حمل مفارقة برؤيته حول علاقة الفرد بالمجتمع إذ عبر قائلاً: «المجتمع كلمة تدل على اجتماع عدد من الأفراد، تربط بينهم روابط مشتركة كاللغة والتاريخ والجغرافية، وعند ما يرتكز الفرد في وجوده على هذه المقوِّمات فهو ناهض بها، وموجود عبرها، وكينونته متأصلة في ذات جمعية هو جزء منها، وفي لحظة التبلور يتماهى الفرد مع هذه الذات الجمعية ليكاد يتوحد معها في انتصاراتها وإخفاقاتها، ويندفع للمساهمة في كل ما يعلي شأنها وبهذا يكون تلقائياً هو الناطق الفرد باسم هذه الجماعة، فالعلاقة منذ الأزل ليست جدلية بقدر ما هي تبحث عن اندماج لا يتشظى إلا في لحظات ذات هدم أو اختراق ما، لذا ترى في معظم المجتمعات أن حرمان الفرد من ركوب سفينة المجتمع يعرضه لضمور مجتمعي مؤثر في النفس وواجد للندوب التي قليلاً ما تتعافى».

أما حول ما عكسته ثورة المعلوماتية وما أفرزته من نظم أثرت على الفرد والمجتمع فأوضح الأديب "فرحان الخطيب" بالقول: «من حيث ثورة المعلومات فالفرد الخلاق أوجدها لخدمة المجموعة فأصبحت ملكاً للجميع وبهذا ازداد المجتمع اقتراباً من نفسه ومع نفسه، ثم إنه اتسعت الدائرة المجتمعية بوساطة هذه التقنية الحديثة، حيث يذهب الفرد بنفسه إلى تعميق ذاته الفردية بالذات الجمعية بعد أن اكتسب مزيداً من الحرية عبر مقاربته للآخرين والاتصال بهم، وبهذا بدت واضحة لقرب المسافات الكونية نظرية الأواني المستطرقة الاجتماعية إذا صحت التسمية فأصبح الفرد في مكان ما يستعير منظومة الحرية من مكان بقدر ما تسمح الظروف، فاستوطنت الديمقراطية في النفوس لتكشف المخبوء، وتفجر ماء الديمقراطية لتساوي الذوات الفردية في نسق واحد، فتتشكل بهذه الذات الجمعية الخلاقة والمبدعة لأن سبل الوصول والمشاركة مهيأة للجميع».

الشاعر فرحان الخطيب

أما عن التغيرات الجديدة في مفاهيم الحياة التي فرضت على الحالة الأخلاقية ضغوطات كبيرة ومدى قدرة النموذج الأخلاقي على الحفاظ على وجوده بين الشاعر "فرحان الخطيب" قائلاً: «بالعودة إلى الفرد والجماعة لا أرى أنَّ الحالة الأخلاقية تمر بضغوطات، بل تمر بمراحل ما كان يناسب الفرد قبل خمسين عاماً لا يناسبه الآن بحكم انشغال أفراد الجماعة في تدبير أمورهم يختلف باختلاف المعطيات الجاهزة فالجرار الزراعي لا يعمل في زمن لا يوجد فيه جرار زراعي وما يتفق عليه القوم هو على الأعم الأصح للقوانين الأخلاقية الوصفية، وإذا ما اتفق على التعديل حسب صيغ جديدة ناتجة عن تطورات جديدة فيصبح هذا الماثل أمامنا ومن صنع أيدينا هو الأخلاق الصحيحة وشخصية الفرد الإنسان هي تحمل ازدهارها بقدر ما تبرعم من ذاتها اخضراراً آخر للحياة، ولا يفيدها الجمود لأنه الاصفرار والشحوب، وإلا كيف لنا أن نفسر هذا الذي نعيش أخلاقياً الآن..؟ وكم هو بعيد عن عصر ما، ولنقل العصر الجاهلي مثلاً؟ أصل من كل هذا إلى أنني أستطيع أن أرى الآخر بقدر ما أوكل لنفسي مهمة أن أكون أنا الآخر.. بذلك نصل إلى نقطة الأنا الواحدة في الدمج المتفهم لكلينا أنا والآخر والآخر وأنا».