لعل تباين الآراء بعلاقة الفرد والمجتمع وآليات التواصل المعلوماتي، بين جيلين كل منهما يحمل ثقافة جمعية خاصة به، يعطي نتيجة ثالثة للطرف الآخر.

حول المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد مع المجتمع من حيث التواصل والتفاعل والتشارك أوضح الباحث والكاتب "جمال أبو جهجاه" عضو اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria قائلاً: «علينا أنْ ندرك نحن كمجتمع، أنّ الفرد مكون اجتماعي، لابدّ من التواصل معه والاستماع إليه وفهم رأيه، وعدم التقليل من أهمية ما يطرحه من أفكار تبني المجتمع، وقد نكتشف منه أفكاراً جديدة وأصيلة كمجتمع، نعمل بها أو نتحاشاها. فهي في الحالين نافعة، فالتواصل الفكري في المجتمع الواحد أو بين أفراده، يؤدي إلى تفاعل أو تنشيط أو تنمية أفكار غائبة عن ساحة المجتمع الفكرية. لذا نقول دائما في المشاركة نبني وفي إهمال الآخر نهدم، أو في العمل التشاركي الجماعي سواء أكان هذا العمل ماديا، أم فكريا فإنه يوحد ولا يفرق، لذا التواصل الفكري مع الفرد مفيد».

حين نعزز الحرية الفكرية للفرد في التعبير عن رأيه بصراحة تامة وجرأة بنّاءة، دون أن يعقبها مساءلة، وحين نسمح له بالنقد البناء وطرح ما يراه سلبياً، أو عائقاً نتحاشاه، فإنّ ذلك يؤسس لثقافة فكرية متنورة بناءة للفرد قبل المجتمع، وتصبح شخصية الفرد أكثر قوة كي تعزز دوره في بناء المجتمع الذي ينتمي إليه

وعن أهمية القاسم المشترك المجتمعي الذي يؤسس لثقافة جمعية استقلالية، بمعنى الفرد وبناء شخصيته البنيوية المنفردة والمستقلة بين الباحث "أبو جهجاه" بالقول: «حين نعزز الحرية الفكرية للفرد في التعبير عن رأيه بصراحة تامة وجرأة بنّاءة، دون أن يعقبها مساءلة، وحين نسمح له بالنقد البناء وطرح ما يراه سلبياً، أو عائقاً نتحاشاه، فإنّ ذلك يؤسس لثقافة فكرية متنورة بناءة للفرد قبل المجتمع، وتصبح شخصية الفرد أكثر قوة كي تعزز دوره في بناء المجتمع الذي ينتمي إليه».

الشاب إياس الخطيب

وحول ما أفرزته ثورة المعلومات من نظم جديدة ترتبط بتغيير آلية التواصل وتقنياتها، وانعكاسها على الفرد والمجتمع بين الأستاذ "أبو جهجاه" بالقول: «حقا، إنّ حركة المعلومات قد أحدثت ثورة للتعبير المباح وغير المباح، لأنها ساعدت على أن ينشر الفرد أفكاراً كان لا يستطيع البوح بها، فرأى أنّ التواصل التقني قد أعطاه شيئا من الحرية في التعبير والتفكير، لكنّ انعكاسها على الفرد والمجتمع يُعدّ سلبياً هداماً وليس بنّاء، وذلك لأنّ هذه الثورة المعلوماتية الفكرية، غير مسيطر عليها في الفرد وفي المجتمع أو الدولة، أو غير منظمة ومبرمجة فهي في بعض الأحيان إذا لم نقل في معظمها، تتغذى بأفكار صهيونية ليست ظاهرة للعيان، وعلينا أن ندرك ونعي أنّ الصهيونية العالمية، لها القدرة في التسلل إلى هذه الثورة التي تغزو الفكر الذي يخدمها أكثر من أية مؤسسة أو دولة عالمية لأنها تخطط إلى أبعد ما نراه أمامنا، ومثال ذلك أنّ أحد البرامج التلفزيونية الذي كان ينتشر عبر التقنيات الحديثة في إحدى المحطات الفضائية العربية والذي كان المجتمع العربي ينتظره بفارغ الصبر أسبوعيا، هو في رأيي، السبب في الحراك الشعبي الفوضوي العربي على ساحات المدن العربية لأنه خدم الدولة العبرية، وفكك الدول العربية والتعاون العربي والتفاعل العربي وفتت المجتمع العربي، وقد وصل ذلك إلى عجز الأمة العربية عن عقد لقاء عربي حتى على مستوى دولتين أو رئيسين أو أكثر فأين المجتمع العربي من تلك الثورة؟ وأين الفرد العربي الآن؟».

أما عن مقومات المنظومة الديمقراطية وموقع الحرية منها، أشار الباحث "جمال أبو جهجاه" قائلاً: «في مجتمعنا العربي أو على ساحة الوطن العربي، لا يوجد أية مقومات لشيء اسمه ديمقراطية، وذلك لأنّ الأنظمة في البلاد العربية جميعها دكتاتورية، فأسس الديمقراطية تبدأ من رأس السلطة ثم تتوزع على أفراد الشعب في قواعده أو تعمل بها في أوساط قواعد المجتمع، ومقومات الديمقراطية تبدأ دائما من الأعلى إلى الأسفل، أو من القمة في المجتمع أو الدولة ثم تنتشر عبر القواعد فذلك لم يحدث في أي بلد عربي، ولم يحدث طالما أنّ مقومات الديمقراطية لم تبدأ من منبعها. فهي مصادرة وملغاة ممّن يجب أن يقوم بها. فهو لا يريدها لأنها تفقده ما يمتلكه فكيف يمارسها وهو الحاكم الآمر الناهي الطاعن الكاسي لدرجة أنه ينسى نفسه أنه إنسان وذلك من خلال التعظيم والتبجيل والتفخيم والتهويل والخدم وكأنه في عالم آخر».

الأستاذ جمال أبو جهجاه

ولأن التغييرات الجديدة في مفاهيم الحياة فرضت على الحالة الأخلاقية ضغوطات كبيرة، فقد تم محاورة الكاتب "أبو جهجاه" حول قدرة النموذج الأخلاقي الحفاظ على وجوده، وأهمية هذا النموذج في تكوين الشخصية، فأوضح بالقول: «يقول "أفلاطون" الحكيم: "التأمل في الطبيعة وفي آيات الكون يصل بالمرء إلى الحكمة والحقيقة"، إنّ أفكار "أفلاطون" هذه لم تكن مستوحاة من دين في ذلك التاريخ ولا من سلطان الكنيسة، إنما يرى أنّ العقل في الإنسان هو القوة الوحيدة التي تقوّم سلوكه وأخلاقه، وقال عالم اللسانيات الأمريكي "نعوم تشومسكي": "إنّ في الإنسان جهازاً فطرياً يساعده على النطق ومن النطق يساعده في الوصول إلى الحقيقة"، إنّ كل تلك الأقوال للعلماء والفلاسفة مأخوذة أو هي تعود إلى مرجعها الإلهي في تكوين النفس البشرية التي ألهمها الخالق العظيم فجورها وتقواها بالفطرة أو الخلقة السليمة التي تبعث فينا السلوك القويم، وأقول: إنّ التغييرات الجديدة لم تفرض على الإنسان حالة أخلاقية، فالإنسان هو أمام متغيرات الحياة بعقله وفطرته ولا يزال قادراً على أن يفرض على نفسه السلوك الأخلاقي الحسن إنْ هو وقف متأملا بعقله كما قال أفلاطون، فما نراه من متغيرات الآن، لم ينبع من العقل النير في الإنسان، إنما نبع من فجور النفس وضلالها وكبريائها وانفعالاتها وغرورها، وإننا لو تأدبنا بين يدي الله فإننا نعمل بعلوم الله في قلوبنا النقية وعقولنا النيرة، وما هذه الانفعالات والأفعال التي نراها إلا شرور أنفسنا وسوء أخلاقنا».

وعن الطرف الآخر في التواصل، وإمكانية دراسته وتحديد احتياجاته وآليات التواصل معه، أشار الأستاذ "جمال أبو جهجاه" قائلاً: «إنّ الحوار الهادئ البناء والواسع في قواعد المجتمع، واحترام الرأي الآخر للفرد والاستماع إليه، شرط ألا نفرز المجتمع أو نميز فلان عن فلان، فالوطن لجميع أبنائه من أصغر وأفقر مواطن إلى أنبل وأغنى مواطن، لذا لابدّ للحوار أن يبدأ في الحارة أو الحي ثم القرية وصولاً إلى المدينة، فالحوار البنّاء يبدأ من القواعد وليس العكس، وعلينا ألا نهمل أحداً إذا كنا نريد الآخر ونتواصل معه ونبنيه».

إياس الخطيب

ومن جيل الشباب الذين لهم آراء قد تتوافق ولا تتطابق مع جيل يكبرهم الشاب "أياس الخطيب" الذي حمل رؤية حول علاقة الفرد مع المجتمع من حيث التواصل والتفاعل والتشارك قائلاً: «إن المجتمع بطبيعة الحال هو عبارة عن أسر يحركها أفراد، فلا مجتمع بلا أفراد، فالعلاقة تشاركية تفاعلية، والمجتمع هو نسيج من شرائح متنوعة، مختلفة التفكير والاتجاهات ونمط المعيشة والظروف المحيطة، لكن هناك ثوابت يجب على الجميع الوقوف عندها واحترامها، فهي بمثابة الخطوط الحمر التي لا يجوز تجاوزها، فكلما ارتقى الأفراد بإنسانيتهم وعمق صدقهم واحترامهم لموروثهم وعاداتهم، كلما ارتقى المجتمع واتجه نحو الأفضل، والعكس بالعكس.. وهذا ما يؤكد ارتباط المجتمع بأفراده وبالمنحى الذي يتخذونه، وكلما تكرست العملية التشاركية بين الأفراد وازداد قربهم من بعضهم بعضاً كلما توصلنا على نقاط مشتركة يمكن الوقوف عندها، وبالتالي سيصبح المجتمع عندها قرية صغيرة، وهذا ما نلاحظه من خلال تطوُّر وسائل الاتصال وتعددها، لا شك بأنَّ ما توصل إليه المجتمع من تقنيات وآليات تواصل حديثة لهو نتاج عمل طويل، كان لا بد من أن يترجم إلى وقائع ملموسة ها نحن نعيشها اليوم، ولا شك بأن هذه التقنيات وبالأخص ثورة المعلومات قد جعلت العالم يبدو وكأنه بيتٌ صغير يقطنه أفراده، وأصبح التواصل بين الجميع في كل زمان ومكان ممكن وبقدر كبير من السهولة والمرونة، ولهذا الأمر انعكاساته سواءً الإيجابية أم السلبية، فبقدر ما توفر هذه التكنولوجيا من سهولة في التواصل بقدر ما تكشف أسراراً، وتفتح آفاقاً وأبواباً ربما إذا لم يحسن التعامل معها لأودت بنا إلى أماكن أكثر خطورة، بل ربما تكن من الأماكن المحظورة».

لعل الشباب يحملون رؤية نحو الديمقراطية والحرية بمفهوم له شأن معاصر، حيث أوضح الشاب "الخطيب" بالقول: «الديمقراطية والحرية شيئان متلازمان، ولكن هل ندرك نحن وهنا أخص المجتمع العربي ماذا تعني كلمة حرية أولاً؟!.

أولاً: الحرية هي الإبداع، بل الإبداع أحد أهم شروط وعناصر الحرية، وما يناقض كلمة الإبداع هي كلمة التقليد والجمود، والمجتمع العربي إلى الآن ينظر إلى الحرية من خلال عملية التقليد، فنحن ننتظر الآخرين كي يصنعوا ثم نقلد بعد حين ما يصنعونه، ثم نتوقف بانتظار أن يقوموا بصناعة أشياءٍ جديدة كي نقلدهم من جديد، وهكذا، والأمر الأخطر من ذلك بأننا كثيرا ما نقلد الأمور الساذجة والسلبية وترك الأمور الجوهرية، وهذا ما يؤدي بالمجتمع إلى التخلف أكثر والتراجع المستمر، لذلك فالديمقراطية تكون بزيادة الأنشطة الثقافية وانكباب الأفراد على المطالعة والمثابرة على ذلك، وصنع أدمغة عربية وتوفير الإمكانات المناسبة لها من أجل تشجيعها على البقاء في الأراضي والمجتمعات العربية وعدم هجرتها للخارج، وهذا بحاجة إلى منظومة عمل كي تعمل وتعيد المجتمع العربي إلى الواجهة من خلال تكريس عملية الديمقراطية، ديمقراطية العلم، الصناعة، الفن، الفكر، السياسة الواعية كي ننهض بالمجتمع الديمقراطي الذي يؤمن بالحرية وبأن الحرية أساسها الإبداع الذي يقودُنا للفكر والنتاج المثمر، وليست الحرية الغربية التقليدية».

وعن التغييرات الجديدة في مفاهيم الحياة التي فرضت على الحالة الأخلاقية ضغوطات وقدرة النموذج الأخلاقي الحفاظ على وجوده، بين الشاب "إياس الخطيب" بالقول: «لكل مجتمع ظروفه وأخلاقياته وعاداته، ولكل زمن كذلك أخلاقياته، فنحن في مجتمع متحرك متطور تختلف فيه النماذج الأخلاقية بين الفينة والأخرى، هناك ثوابت بالمجتمع لا يستطيع التخلص منها، وهناك أشياء بحاجة فقط إلى التطوير مع المحافظة على أساساتها، وبالمقابل هناك أشياء في تغير مستمر ويجب نسفها من وقت لآخر، والانتقال بعدها إلى نظم أكثر تطوراً.. فالمجتمع مزيج من العادات والتقاليد والنظم والأخلاقيات والتطورات التي تفرض على المجتمع اتباع طرق وأساليب جديدة، وكل ذلك يؤثر على الفرد والمجتمع بآن، من خلال التأثر والتأثير، فإذا ما أحسنا قيادة المجتمع والإمساك بزمام الأمور والتفكير بعقلانية سرنا بالشكل الصحيح، وإذا ما أخطأنا القيادة فالانحراف هو المصير. إن ظروف المجتمع ومتغيراته هي من تفرض على الفرد متغيرات واحتياجات جديدة، ربما لم يكن يفكر بها من قبل، لذلك يجب التعامل مع الفرد مع الأخذ بعين الاعتبار الزمن الذي يعيش فيه، ليس استناداً إلى أفكار ولت بفعل ما يدخل على المجتمع من أفكار جديدة، لذلك فالظروف تفرض نفسها وتحدد للفرد احتياجاته، وعلى الفرد التعامل معها بحنكة وروية وحسن اختيار أدواته، وأن نتعامل معه على هذه الأسس للوصول إلى بر الأمان».