لعل التقاء الفكر الديني والأدبي في نقطة المركز، تجمع بين أطراف التواصل وتحدد مسار التلاقي بين الفرد والمجتمع لتأسيس ثقافة جمعية.

حول المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد والمجتمع أوضح الأب "جان حنا" رئيس دير القديس "توما" البطريركي- رئيس مركز اللقاء والحوار- رئيس لجنة الحوار المسيحي- الإسلامي- عضو مجلس إدارة ومؤسس في لجنة حماية الوطن، لموقع eSyria قائلاً: «الفرد هو نواة المجتمع وأساسه، يكوّن مع بعض الأفراد وحدة حياتيه أصغر ألا وهي الأسرة، والأسرة هي ركيزة المجتمع، وحلقة الوصل بين الفرد ومجتمعه، بل هي المدرسة الأولى التي يتعلم الإنسان فيها مبادئ الحياة والتعايش مع الآخرين.

وهم الأشخاص ذوي الشخصيات الضعيفة الذين لا يستطيعون اتخاذ قرار مهم في مجتمعاتهم وربما في حياتهم الخاصة، ولكنهم يتبعون من يسيطر عليهم فكريا ونفسيا، والشخص المنتمي لهذه الفئة هو من نطلق عليه لفظة "إمعة" فإن أحسن الناس أحسن وإن أساؤوا أساء، ينبغي أن نشير هنا إلى أنه في كثير من الأحيان تكون حالة انعدام الفعل أفضل بكثير من الفعل السلبي، لهذا فإننا نجد في المجتمع الفاعل أحيانا انعِداماً للفعل أو نجده يدعو إلى انعدام الفعل إذا لم يحقق هدفه من الدعوة إلى الفعل الإيجابي، كما أن الشخص غير الإيجابي يصبح في عداد السلبيين سواء أكان سلبياً أم تابعاً

العلاقة بين الفرد والمجتمع، هي علاقة احتواء وتكامل، أي إن علاقة المجتمع بأفراده ليست علاقة بين فردين متمايزين وإنما هما وجهان لعملة واحدة. وفردية الإنسان وشرطه الاجتماعي ليسا في الواقع سوى وظيفتين مختلفتين للناس في علاقاتهم، بحيث لا يمكن للواحد منهما أن يوجد من دون الآخر، فليس المجتمع شيئا من دون أفراده، فهو ليس موضوعا منعزلا يواجه أفراداً منعزلين بل هو ما يتضمن في قول كل واحد منا عندما يصرح بضمير نحن، للمجتمع دور مهم في عملية تنشئة الفرد، وذلك من خلال الأسرة أولاً، ومن خلال التنشئة الاجتماعية العامة ثانياً. باعتبارها عملية تكوينية تدريجية يتدخل من خلالها الفرد جملة من أنماط التفكير والسلوك والإحساس المكونة للشخصية الأساسية لمجتمع ما، إلا أن هذا لا يعني أن التنشئة الاجتماعية بمثابة برمجة ثقافية يكون فيها الفرد مجرد موضوع سلبي يكتفي بتلقي مؤثرات مجتمعية، بل إنه ذو نشاط وفعالية ووعي بالذات، الأمر الذي قد يمكنه من تحويل وتطوير مكتسباته، والتأثير بها على محيطه المجتمعي، وإن كانت للتنشئة الاجتماعية مراحل أساسية تتمثل في مرحلتي الرضاعة والطفولة وتلك التي تستمر إلى البلوغ "التنشئة الأسرية"، فإن هذا لا يعني أن التنشئة الاجتماعية هي عملية محدودة . بل إنها مفتوحة وتستمر مدى حياة الفرد».

االأديب غسان كامل ونوس أثناء الحوار

وتابع الأب "جان" عن علاقة الفرد بالمجتمع بقوله: «يتبين أن علاقة الفرد بالمجتمع هي علاقة تأثير وتأثر بحيث إنه إذا كان المجتمع يمارس مفعوله في تكوين شخصية الفرد فإن ذلك لا يعني سلب فعالية الفرد الذي من شأنه أن يكون فاعلا وليس مجرد عضو منفعل، ينقسم الأفراد في المجتمع بين "فرد منعدم فعل" و"فرد فاعل"، فمنعدمو الفعل يتلقون الأفعال والعادات كما هي ولا يكونون آراءً شخصيه أو يحاولون التغيير سواءً للأسوأ أو للأفضل بل هم مقتنعون تماماً بما توارثوه فيأخذونه على علاته وحسناته، أما الفاعلون فينقسمون إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول هم الإيجابيون الذين يتمتعون بعقلية سوية تمكنهم من التوصل إلى جوهر المواقف والربط بين العلاقات المختلفة والمواقف المتعددة بحيث لا يتعدى على حقوق الآخرين ولا يخل بواجباته حتى في أحلك المواقف، وأفراد هذا القسم يتسمون بنظرة متفائلة وكيان باحث عن الأفضل لمجتمعه ولنفسه، فيتجهون إلى معالجة الذات أولا ثم معالجة الأفراد في النطاق الأصغر وهو نطاق الأسرة ثم يوجهون دعوات عامة للإصلاح وبناء مجتمع أفضل بعيداً عن السلبيات، والقسم الثاني هم السلبيون وهم الأشخاص الذين تتسم عقليتهم بالإحباط والتشاؤم والتي تجعلهم يسخطون على مجتمعهم معتقدين أنه السبب الأوحد فيما هم فيه، ورغم أنهم على صواب بعض الشيء إلا أنهم يَغفَلونَ عن مصدر تفاعل وتفاؤل القسم الأول ألا وهو الثقة في النفس والنظرة المتعقلة التي تؤمن بأن الإنسان يتأثر ببيئته ومجتمعه ولكنه في ذات الوقت يمتلك عقلا منفردا ومبتكرا يمكنه من التحليل السليم وتوزيع الواجبات والحقوق بشكل سليم ويقوده للبحث عن الأصلح أيا كان من حوله، فكما أن المجتمع يؤثر على الشخص فينتج الصالح والفاسد، فإن صلاح المجتمع وفساده يرجع في أساسه إلى الفرد الذي يؤثر في من حوله سواء بالخير أو الشر وبهذا يتضح أن الفرد أقوى من المجتمع، أو بصورة أكثر دقة، شخص عاقل واحد أقوى من مجتمع يفتقد الهوية والفعل والنظام».

أما عن القسم الثالث الذي أطلق عليهم الأب "جان حنا" "التبعيون" فقد أوضح رأيه بهم قائلاً: «وهم الأشخاص ذوي الشخصيات الضعيفة الذين لا يستطيعون اتخاذ قرار مهم في مجتمعاتهم وربما في حياتهم الخاصة، ولكنهم يتبعون من يسيطر عليهم فكريا ونفسيا، والشخص المنتمي لهذه الفئة هو من نطلق عليه لفظة "إمعة" فإن أحسن الناس أحسن وإن أساؤوا أساء، ينبغي أن نشير هنا إلى أنه في كثير من الأحيان تكون حالة انعدام الفعل أفضل بكثير من الفعل السلبي، لهذا فإننا نجد في المجتمع الفاعل أحيانا انعِداماً للفعل أو نجده يدعو إلى انعدام الفعل إذا لم يحقق هدفه من الدعوة إلى الفعل الإيجابي، كما أن الشخص غير الإيجابي يصبح في عداد السلبيين سواء أكان سلبياً أم تابعاً».

الأب جان حنا

وعن مفهوم الحرية أبعادها وحدودها أشار الأب "جان حنا" بقوله: «يختلف مفهوم الحرية مع التطور السياسي والاقتصادي العالمي، وظهور الهيئات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة من أجل حق تقرير المصير، وحق التخلص من الاستعمار، والحريات الشخصية في التفكير، وحرية المعتقد، وحرية التعبير، والقدرة على الاختيار والتمييز، ترتبط الحرية ارتباطاً وثيقاً بالمسؤولية، وهذا ما يؤكده "سارتر" فهو يؤكد الرابط بين الحرية والمسؤولية، فكل قرار أنت حر فيه تكون مسؤولاً عن النتائج المترتبة عليه. وذلك على كل المستويات: من مسؤولية الطالب عن نجاحه أو فشله الدراسي، إلى مسؤولية الطبيب عن الدواء الذي وصفه لمريض، إلى مسؤولية الكاتب عما عرضه في الجريدة، إلى مسؤولية السائق عن حادثة سيارة، إلى مسؤولية رئيس الدولة عما يتخذه من قرارات تدخل في نطاق سلطته وتؤثر على المجتمع، إن أهم حدود للحرية هي احترام حقوق الإنسان الآخر، "تنتهي حريتي، عندما تبدأ حرية الآخرين"، فمثلاً استخدام الراديو بحيث لا يزعج صوته الجار، وكذلك التليفزيون والتليفون. بل إنه يوجد عقوبات في بعض المناطق على استخدام "زمور" السيارة لأنه يزعج الآخرين».

لعل لغة الأدب تختلف في مبناها ومعناها عن المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد بالمجتمع من حيث التواصل والتشارك والتفاعل، إذ أوضح الأديب "غسان كامل ونوس" عضو المكتب التنفيذي باتحاد الكتاب العرب قائلاً: «فرض العصر الحديث سماته وخصائصه المستجدة، ومنها إيقاعه المتسارع، على نواح كثيرة، تتعلق بممارسة الحياة مظاهرَ وبنياناً وعلاقاتٍ وتبعات، ولاسيما في موضوع التواصل بأشكاله المختلفة، تنقلاً أسرع وأوسع، وحركة أكثر حيوية وجدوى، أو نقلاً أكثر أمناً وسرعة لشحنات تبالغ في الكبر، أو تمعن في الصغر حتى تَدُقّ، وصولاً إلى أكثر الوثائق الشخصية أهمية وخصوصية، وتهاطلت الرسائل في البريد الإلكتروني من أصدقاء حقيقيين أو معارف افتراضيين يتزايدون باطّراد، ومتابعين ومعلِنين ومروِّجين، حتى صار مجرد استعراضها وفرزها والتخلص من أغلبيتها عبئاً يومياً، قد يؤدي إلى الاكتئاب "كما بينت دراسة بريطانية حول ذلك في قطاع الشباب، منذ سنين"، وتضاعف التواصل عبر المواقع والصفحات، وتزاحمت التعليقات والآراء التي تتطلب مراجعتها وقتاً وجهداً، وإنهاكاً، لأن فيها الكثير من الغثّ، والقليل من السمين، كحال أيّ فضاء مفتوح لكل من هبّ ودبّ بلا رقيب ولا حسيب، ولا شروط شهادة أو كفاءة أو خبرة في المجال المطروح».

الأديب غسان كامل ونوس

وتابع الأديب "غسان كامل ونوس" عن أهمية القاسم المشترك الجمعي لتأسيس ثقافة جمعية بالقول: «صحيح أن ثمار المعرفة تكاثفت، وشجرة التعارف ازدادت فروعها، والعلاقات تواشجت أكثر فأكثر، وذلك لا يمكن أن تُنكَرَ أهميتُه، أو يُقلَّلَ من قيمته، ومعنى إنجازه الذي يفوق الخيال، على من كان يقطع المسافات ويبذل العرق للوصول إلى كتاب، أو الحصول على معلومة، وقد يفوته ذلك لمنع النشر، أو رفض التوزيع.. ويمكنه الآن قضاء وطره بيسر وسرعة، أو على من كان يستخدم الحمام الزاجل لإيصال البريد، وهو الأسرع من البريد الدابّ حتى على أربع، أو الرسائل المرسلة عبر مكاتب البريد والبرق، وتستغرق أياماً أو أشهر! ناهيك عن الرقابة التي توقف رسالة، أو تلاحق مرسلها أو متلقيها المفترض، لكن، كان في ذلك التواصل "على عنائه" قدر مهم من نشوة الفوز الموشّى بالنبض الإنساني، الذي تثيره اللهفة، ويحفزه التوق إلى مجرد أثر عن ذلك المُفارِق البعيد، أو خبرٍ عنه أو عن أيّ أمر آخر، يخفّف من عذاب الانتظار وحرقة البعاد، وكان للورق حتى المصفرّ منه، وخطّ اليد، والبصماتِ التي يمكن أن تُتركَ على المظروف طعمُ اللقاء المنتظر، وإن ابتعد سنوات، وكم من الأوقات الملهوفة يقضيها المتلقّي المهتمّ في مراجعة البريد أو تفقّد الساعي الذي سيحمل البشرى؟! وفي هذا تعالق إنساني ومشاركة وجدانية، وإشعاع حيوي يدفئ الأوقات، ويشيع الألفة، ويبخّر بعض المآسي التي تداهم أو تحاصر».

وعن ثقافة التواصل المعلوماتي وانعكاسه على الفرد تابع "ونوس" بالقول: «لأن في اللقاء المباشر مشاركة لحواس عديدة، بتنا نفتقدها في هذا التواصل الإلكتروني أو الافتراضي، حتى لم يعد للنظرات أثرها الجاذب، ولا للأذن التي تعشق قبل العين أحياناً شأنها الماتع، أما المواعيد المحفوفة بخطر المراصد وكيد العزال، المسترقةُ من مجاري الحياة الداكنة، النابضةُ بالمشاعر المشوكة بالحذر والخوف، المشوقةُ بالابتعاد الوشيك والحرمان المديد، فلم يعد لها رصيد، فقد صار بوسعك رؤية النماذج التي ترغب، والمشاهد التي تشتهي، وبإمكانك الحديث إلى كثرٍ، دون الحاجة إلى مغامرة ليلية أو نهارية، وبلا تحايل أو مغافلة، وغاب أو يكاد الحوار المباشر الذي يخفف من حدته الحضور الآخر، أنفاساً وملامح وعشرة وألفة.. وحرصاً على عدم الإحراج والإبقاء حتماً على شعرة معاوية، ومن طبيعة الحوار الافتراضي أنه مشتت، والرغبة في الإيذاء متاحة، واستخدام أقذع الألفاظ وأقسى الاتهامات ممكن بلا حرج أو تردد.. لأن إخفاء الشخصية ممكن، واستعارة أسماء وهويات مُيَسَّرة، والادّعاء بمواقف وألقاب ومسؤوليات وارد، الأمر الذي كان مستهجناً في المواجهات ونادراً في اللقاءات العيانية في ما مضى، وصعباً في وسائل الاتصال الصوتية والمرئية».