يشعر الفرد المثقف أنه يعيش حالة جمعية، يعمل على إبراز أفكاره الأدبية، من خلال دوره الثقافي، في تعميق تواصل التلقي مع الفرد والمجتمع.

حول أهمية القاسم المشترك المجتمعي ودور المثقف في تأسيس ثقافة جمعية مستقلة للفرد، بين الأديب "عدنان كنفاني" عضو اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria قائلاً: «هناك مجموعة من الثوابت يجب أن تتوافر بالفرد أولا على قاعدة أنه هو لبنة في منظومة المجتمع، وبناء هذا الفرد هو الأساس في كل توجّه يقود إلى فهم واستيعاب وتنفيذ ثقافة جمعية واعدة، فهو يحتاج إلى تكافل مجتمعي كامل، وتعاون حثيث بين مؤسساته، بداية من الأسرة ثم المدرسة صعوداً إلى تكامل النضج الفكري لدى الفرد، ولا يغيب أبدا دور الدولة ومؤسساتها الخاصة والعامّة، إذ على الفرد أن يشعر أنه قيمة في محيطه، وأن تتوافر لديه الأسباب المادية والعملية والروحية التي تجعله يفخر بقيمة انتمائه إلى مجتمعه ووطنه، بعد أن يرتوي من الشعور بالانتماء إلى أسرته ومحيطه، وهذا بذاته قاسم مشترك جمعي يظلل الجميع أفراداً وجماعات في وطن واحد تحت عباءة قيم محسوسة وليست نظرية وبعيدة عن التفاوت الطبقي، واتساع الفوارق الاجتماعية، وكل هذا المسار الحركي يحتاج إلى منظومة إعلامية واعية ورشيدة وموجّهة، أن يفهم الفرد أن له حقوقاً، وبقدر ما يمتلك هذا الشعور وهذه الحقوق ويسعى إليها يلتزم بمجموعة واجبات أيضاً تجاه مجتمعه، فالأمر إذاً هو في أخذ وعطاء على أسس مجتمعية واعية وبنّاءة».

الطرف الآخر علينا معرفته بشكل كامل، كي أتعامل مع أفكاره وآرائه واحتياجاته، لكي نعمل معاً على التوافق على هذه المبادئ والآراء وعلى هذه الاحتياجات، علينا أن نتواصل، ونحقق توافقاً على نقاط كثيرة، نتحاور بها، نتعامل معها، بعلمانية وموضوعية، توصلنا إلى بر الأمان، والموضوعية في التواصل مع هذا الآخر، السعي لعدم إلغائه، وتسفيه آرائه، أو النظر إليه بالدونية

عن استقلالية الفرد والانسلاخ عن القيم الجمعية الأخلاقية، الوطنية، التاريخية، النفسية، التراثية، وبناء شخصية بنيوية منفردة مستقلة، أوضح القاص"عدنان كنفاني" بالقول: «من المهم جداً الحرص على بناء شخصيات بنيوية منفردة بشكل أساس كي تكون مؤهّلة للتفاعل الجمعي، وبناء هذه الشخصية هو أيضاً يبني في تلك الشخصية واجباتها نحو الآخرين ونحو المجتمع الذي تنتمي إليه.. ولو اقتطعنا مساراً ما في هذا البناء للشخصية نكون قد ساهمنا في خلق شخصية بنيوية مهزوزة وأنانية، لا بد بالتقادم أن تنسلخ عن القيم الجمعية بكل طيوفها، وتصبح شخصية تمثّل حالة شاذّة تشكل سقطة تؤثّر على البنية العامّة، وتفقد بالتالي واقعها المادي والمعنوي وتصبح عبئاً على النهضة الشاملة، وتكمن الخطورة في تعميم هذا الفهم وهذه الاستقلالية على كامل المجتمع».

الشاعر بديع صقور

وبرؤية أدبية أشار "كنفاني" إلى ما أفرزته ثورة المعلوماتية من نظم جديدة، ترتبط بتغيير آلية التواصل وتقنياتها وبما عكسته على الفرد والمجتمع بقوله: «أعتقد أن ثورة المعلومات والاتصالات والإعلام أحدثت تغييرات كثيرة في بنية الشعوب، لكنها لو أعملنا الفهم الرشيد لوجدنا أنها لم تؤثّر كثيراً على قيم بعض الشعوب وطرائق تواصلها وتعاضدها، سواء على المستوى القبلي أو العشائري أو حتى الديني والمذهبي، ونستطيع أن نلامس ذلك في التجمعات الصغيرة، لقد تغيرت آليات التواصل إلى الأفضل عندما نتقن التعامل معها، لكنها لم تفتت "بعد" القيم الثقافية والأخلاقية والإيمانية، لدى كثير من الشعوب، وأفرزت بشكل مرعب معايير متعددة لمفهوم الديمقراطية، وقد أصبحت تُفصّل على قد مصالح الحكومات، وخاصة الحكومات القويّة التي تحمل تطلّعات استعمارية واستعلائية، هي باختصار حدود من الحريات لشعوبها "الأفراد" وفي حياتهم وسلوكهم اليومي، وسرعان ما تغيب هذه الحرية عند عتبات استراتيجيات تلك الدول».

ولكن التغييرات الجديدة في مفاهيم الحياة التي فرضت على الحالة الأخلاقية بضغوطات كبيرة، وإمكانية النموذج الأخلاقي أن يكون قادراً على الحفاظ على وجوده، ويساهم في تكوين الشخصية، أوضح "كنفاني" بالقول: «نعم هذه حقيقة لا نستطيع تجاهلها، لكنها تقف أمام منظومة قيم وتربية ووعي الشعوب التي لها تاريخ أخلاقي، وديني ومعايير مجتمعية صلبة ومتينة وضاربة في التاريخ، ولذلك ومن هذا المنطلق الوهمي والخوف من تناميه وتصاعده علينا أن نكون اشد حرصا في بناء شخصية الفرد من خلال تعاون كامل بين الدولة والأفراد والأسرة والبيئة والمجتمع، وفي كل المراحل التي نعتبرها تربوية، دون أن ننسى أن هناك طرفاً آخر في التواصل الذي علينا دراسته وتحديد احتياجاته وآليات التواصل معه، والتي لا يمكن تحقيقها إلا عبر الحوار العقلاني الواعي، وفي تقبّل رأيه، وهم الشباب الذي علينا استيعاب فكرهم ومطالبهم وتطلعاتهم وتوفير أرضيات متينة مادية وعملية ومعنوية لهم».

الأديب عدنان كنفاني

أما عن رؤية ثقافة أدبية حول علاقة الفرد بالمجتمع فأوضح الأديب "بديع صقور" عضو اتحاد الكتاب العرب بقوله: «الثقافة هي أساس في قبول الآخر هذا المكون الذي يجعل من فكر الإنسان واحةً منفتحة على الرياح المختلفة أو المتناوبة، بمعنى قبول الآخر، والإصغاء إليه، ومناقشة هذا الآخر، بما يطرح من رؤى وأفكار، كانت مصيبة أو خاطئة، ويكون بذلك الحكم الموضوعي من خلال المقاربة العامة بما يفكر، ليكون هناك توافق على رؤى وأفكار تخدم الجميع بما فيها الوطن والمجتمع، والحيز المكان الذي نعيش فيه، فلا يستطيع أي منا إذا أراد العيش ضمن مجتمع ما أن يرفض آراء هذا المجتمع، عليه أن يسعى للحوار من أجل الوصول إلى مقدمات تسعى لخدمة الجميع، دون النظر إلى الخدمات والمكاسب الفردية، التي يحصل عليها كفرد، لأننا في النهاية نتعامل ونتقاسم حيزاً مكانياً اجتماعياً، مادياً، ثقافياً، إنسانياً، وهذا ما يدفعنا للدفاع عن هذا الحيز أو المكان المجتمع، الذي هو الأوسع "الوطن"، الذي نحيا تحت سقفه جمعياً، نسعى لتطوير مستويات الحياة فيه، بكافة مناحيها، وبالدفاع عنه من خلال رؤانا ومواقفنا المتقاربة والتي تصب في خدمة الإنسان وبمعنى آخر الوطن».

وعن ثورة المعلومات وما عكسته من نظم على الفرد والمجتمع بين الأديب "بديع صقور" بالقول: «لا شك أن التقانة وجدت صبغة للتواصل والتعارف، والحوار بين الناس جمعياً عن بعد، ربما هذا ما أفقد الحميمية في العلاقات الإنسانية، التي جعلت كل منا يشعر بغربته، وعدم قدرته على تحليل هذه المعلومات بصدقها أو كذبها، لأن التقابل مع الآخر وجهاً لوجه، ربما غير ممكن ولا يتحقق في هذا العصر الذي يجري في الزمن الذي نعيش فيه، لا يقف لحظة واحدة، ولهذا أرى هذا التواصل يفتح آفاقاً معرفية جديدة عند كل منا، شريطة ألا نتوقف على إسقاء معلوماتنا كاملة مع هذه الوسائل، ونحن بحاجة للعودة إلى الكتاب فهو خير جليس وأكثر قرباً، وبالتالي الوثائق مكتوبة لها مراجع يمكن الاعتماد عليها في المعرفة، غير أن ذلك لا يقلل من شأن المعلوماتية في مجريات الكون والمجتمعات، من كوارث إلى حروب، والأنشطة البشرية التي يغلب في هذا الزمن عليها العدوانية والتسلط على الشعوب».

الأديب بديع صقور

وعن التغيرات الجديدة وفرضها مفاهيم جديدة أخلاقية أوضح الأديب "بديع صقور" بالقول: «هذه التغيرات في المفاهيم الحياتية التي فرضت على المجتمعات الإنسانية من خلال الهيمنة الإمبريالية على الفكر الإنساني، الذي يمكن لنا أن نخرج من هيمنتها ببناء أجيالنا بناءً أخلاقياً، معتمداً على قيم ومبادئ إنسانية تحفظ حق الآخر وكرامة الآخر إلى جانب كرامة الإنسان ذاته، إذاً، التربية، هي الأساس فيما تكرر المناهج التربوية مبنية على أساس علمي ومعرفية أخلاقية، مرتبطة بقيم اجتماعية إيجابية، إلى جانب مربٍ يحمل هذه المواصفات، ودولة ترعى هذا الغير والمبادئ، من خلال مناهجها من خلال ما تقدمه لهذه الأسس المبادئ الإنسانية الأخلاقية التي ترتبط بكرامة الإنسان وحريته بصدقه، بحجته، وبمجموع القيم الأخلاقية التي تدفع به إلى قبول الغير واحترام الآخرين كباراً وصغاراً، أفراداً، ومجتمعات، بلداناً ودولاً».

أما عن مقومات الديمقراطية ومكانة الحرية فيها فقد أشار الأديب "صقور" بقوله: «مقومات الديمقراطية هي معرفة للواجبات الأخلاقية والاجتماعية والوطنية والإنسانية، والاحترام لحقوق الآخرين، وما أرغبه لنفسي أرغبه للآخر، إن كنت مقتنعاً بما يجب أن أحققه لذاتي يعني أن أقبله للآخر، وإذا كان هذا الآخر لديه القدرة على التعامل معي، بالمبدأ عندها نحقق الحرية، ونعمل على إيصال كل لحقه، من خلال دولة أو حكومة، تسعى لخدمة مواطنها، وليس لتحقيق مكاسب شخصية لمسؤوليها، بمعنى أن نضع النقاط على الحروف أي الإنسان المناسب في المكان المناسب، حينها نحقق الحرية للجميع والتي هي الديمقراطية بمفهومها الشمولي».

وعن الطرف الآخر أشار الأديب "بديع صقور" بقوله: «الطرف الآخر علينا معرفته بشكل كامل، كي أتعامل مع أفكاره وآرائه واحتياجاته، لكي نعمل معاً على التوافق على هذه المبادئ والآراء وعلى هذه الاحتياجات، علينا أن نتواصل، ونحقق توافقاً على نقاط كثيرة، نتحاور بها، نتعامل معها، بعلمانية وموضوعية، توصلنا إلى بر الأمان، والموضوعية في التواصل مع هذا الآخر، السعي لعدم إلغائه، وتسفيه آرائه، أو النظر إليه بالدونية».