يقف العقل العربي اليوم في مواجهة مباشرة مع مكونات العلاقات الفردية والمجتمعية، ليشخص ماهية التفاعل والتواصل والتشارك.

حول المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد مع المجتمع أوضح الأستاذ الدكتور "يحيى العريضي" عميد كلية الإعلام بجامعة دمشق لموقع eSyria: «المجتمع العربي لا يستطيع أن يخرج من ثوبه التقليدي بسهولة، فهو مؤلف من قبائل وعشائر وعائلات، وهي الحالة الطبيعية التاريخية التي تطورت عبر التفاعل مع حضارات وشعوب أخرى، وعبر حكم النظم الاقتصادية وعلاقاتها، وبشكل آخر كفرد في المجتمعات التقليدية، ملتزم بالضوابط الناظمة لحياة العشيرة والقبيلة والعائلة، وتتحرر منها تدريجياً عبر عملية التفاف نحو الذات، ومن هنا أتى نمو الفردية، وهي ليست لعنة أو مذمة، وليست نعمة بالوقت ذاته إذا أخذتَ الجماعية والفردية ببعديهما المرضي: الكل في المجتمع والأفراد، أما إذا أخذت شكل التفات الفرد إلى ذاته، وبالوقت نفسه أن يطور إحساسه، بأنه ضمن جماعة بمصلحة مشتركة، وهي بداية نمو فكرة بأن الإنسان فرد لكنه ليس جزيرة معزولة. أن تنمو كفرد وكما يقال في بعض اللهجات العامية المحلية "تحفظ قفاك" وهي عبارة تعني ،إدراك، ومعرفة الحقوق والواجبات بالدرجة الأولى، تعرف ما لك وما عليك، تمارس حريتك ضمن الإطار الاجتماعي والإحساس بالآخر.

في المشرق العربي رغم كل تمظهر الحضاري إلا أن العصب الدقيق لحركة الحراك لم تتجاوز التفكير البداوي والزراعي ويعود ذلك إلى الخلل في البنى والهياكل وما يشكل تمظهراً حضارياً في حشوة متخلفة لم تساعد الأدوات المعرفية في تفكيك قيم مفوتة تاريخياً لنلحظ إمكانية تصحيح العلاقة بين الفرد والمجتمع والفرد والتقدم الحضاري

الحالة المرضية بالنسبة للفرد ونظراً لطبيعة الظرف الاقتصادي والسياسي والثقافي، تحول فردية الإنسان إلى أنا كبرى وسلطوية وغياب للحقوق والواجبات، فهي بالمحصلة حالة مرضية، وبالنسبة للمجتمع هو هذا النوح أو البكاء الدائم، والشكوى، تنوح الأفراد، من التنوح أو البكاء الجمعي وبالتالي يصبح مرضاً عاماً».

الأستاذ الدكتور يحيى العريضي

وعن الرؤية العلمية لأهمية القاسم المشترك المجتمعي الذي يؤسس لثقافة ذات استقلالية فردية أوضح الدكتور "العريضي" بالقول: «إذا كانت الثقافة الجمعية مقصود بها البرمجة الدماغية للمتلقي فرداً كان أم مجتمعات باتجاه واحد فهذه الوصفة الأنجع للخمول والسيطرة، والحالة القطعية، وأهم ما يميز تلك الثقافة أن يكون المكان متعدد النوافذ والتي تهب فيه وعبره كل النفحات، والعواصف، وتغذيه لتحول المتلقي إلى شخص متعدد الأبعاد والذهنية والفكرية والعقلية، وهي التي تحترم إنسانية الإنسان وحريته، لأنه مخلوق يستطيع أن يختار بناءً على موهبة العقل، والتأطيل مسألة تضعف، والنتيجة الطبيعية للتأطيل أحادية التفكير، مثال الذكي هو الذي يعرف أفضل طريقة لحل المشكلة، أما الإبداعي العبقري فهو الذي يجري كذا طريقة بعد الخطأ والإصابة، ليجترح حلاً إبداعياً، فهو أميز وهو الذي يبني، وبالتالي العباقرة هم المبدعون الذين يبنون، والمجتمع العربي يعاني من ضعف شديد في الاهتمام بالمبدعين والعباقرة، ولهذا نادراً ما نجد لهم أثراً ونهتم أكثر بـ "البصامين" أي الذين يحفظون بشكل ببغائي».

ولدى سؤال الدكتور "العريضي" عما أفرزته ثورة المعلومات من نظم جديدة وانعكاسها على الفرد والمجتمع بيّن بالقول: «هناك أكثر من ستة مليارات نسمة نصفهم تحول إلى محطات إعلامية في عصرنا الحالي، قد يتصور المرء أن هذه النتيجة غير طبيعية لكن الحقيقة هذا المنتج الطبيعي لثورة المعلومات لمجرد وجود هاتف نقال متطور قليلاً وقابل الوصول إلى الأقمار الصناعية، بالإمكان التحول إلى محطة بث، والتواصل في زمن قياسي، بعيداً عن المسافات، والأمر الطبيعي أن يتحول الكوكب إلى تجمع بشري موجود في مكان واحد، وهذه هي الثورة، من هنا التواصل الالكتروني الاجتماعي كان الأمضى والأقوى في إحداث حراك عربي، المعايير حيدت إلا قليلأ والسر في الرسالة ،الدلالة، الصورة، والبنية، والتطور الذي يستهلك من وقت البشرية قروناً يتم الآن في وقت فوق القياسي».

الأستاذ بسام حسين

للدكتور "العريضي" رأي في مقومات الديمقراطية ومنظومتها وموقع الحرية منها، إذ يقول: «مقومات الديمقراطية كثيرة ولكن الوعي يبقى قطب الرحى فيها، أي عمودها الفقري، أي إن العقل هو العمود، بقدر وعي المرء يكون ديمقراطياً، لأنه بالوعي يعرف حقوقه وواجباته ويعرف أن نمو الآخر يعني نموه وسعادته مشتركة معه، ويستمدها منه، ويمكن أن يزدهر فردياً واجتماعياً ويمارس عكس الديمقراطية لكن هذا الازدهار مؤقت وزائل حتماً، إن أحد المنتجات الأساسية والعناصر الاستنادية للديمقراطية هي الحرية، والعلاقة بينهما تفاعلية، لا تستطيع أن تكون ديمقراطياً ما لم تؤمن بالحرية، ولن تكون حراً حتى تعي أن العقد الذي بينك وبين الآخر جوهره الحرية».

واعتبر الدكتور "يحيى العريضي" أن انعكاس المتغيرات الجديدة في مفاهيم الحياة وفرضها على الحالة الأخلاقية: «هو تساؤل فلسفي، ويلزمه مجلدات، لكن المجتمع ومسألة القيم نسبية، هناك مثل ألماني يقول: "ما هو سم رعاف لألماني، قد يكون غذاءً طيباً لروسي"، وهنا مسألة القيم والأخلاق وتنوع المجتمعات في مقارباتها، وأرى أن ما يجمعها أكثر مما يفرقها، لأننا مفطورون على أساسيات، مثل الصدق، والشجاعة والكرم، وغيرها"، وهي قيم نبيلة تُجمع عليها البشرية، وأيضاً الفساد، إذ تختلف المجتمعات بنظرتها لهذه الأمور بناءً على تطورها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، ولهذا لدينا نموذج أخلاقي واحد، والهدف المحافظة على الأسرة، وهذا طبيعي، وأي شيء اقرب للطبيعي فهو صادق».

من وراء مكتب د. يحيى العريضي

وعن موقع الطرف الآخر في التواصل "المتلقي" وإمكانية تحديد احتياجاته وآلية التواصل معه أكد الدكتور"العريضي" بالقول: «طغيان- وهنا استخدام العبارة إيجابياً- وسائل الإعلام، والرسالة الإعلامية، وانتشارها المذهل هو حالة إيجابية، لكنها على درجة كبيرة من الصعوبة، فالإنسان بطبعه يتطلع إلى ما هو جديد، ملّ من المكرر والتقليد، وأكثر من التحيز للمثير الذي يرفع درجة الفضول ويحترم عقله، وصانع الرسالة يحمل العبء الأكبر، لمواكبة هذا الطلب المكثف، هذا بشكل عام، وبما أن الفردانية في المجتمع تزداد وهناك عقم في لباس الذهني الموحد، يصبح إنتاج الرسالة الإعلامية أصعب لأن المتلقي أضحى أكثر صعوبة باتساع آفاقه المعرفية».

لكن المستشار الإعلامي لمجلة "رؤى الحياة" "بسام حسين" كان له آراء مختلفة بالقول: «استعدت المسألة الديمقراطية في ظل ظروف دولية وإقليمية لتقدم قضايا الفرد ودوره في المجتمع، وهناك مسألتان واجهتا عملية التواصل والتفاعل والتشارك، والاستبداد التاريخي والفهم التقليدي لدور الدولة وعلاقتها بالمجتمع والفرد، وأرى أن القوى والأحزاب والسلطات اشتغلت على حالة سياسية بالمفهوم الانقلابي، وتركت تفاعلات في المجتمع دون أي مفاعيل تؤسس لعلاقة صحيحة، ومن هنا نرى أن الفرد بالمفهوم الفلسفي والحقوقي والقانوني والثقافي طرف غير فاعل وغير منتج وبالتالي انعكست هذه العلاقة على كل مفاعيل المجتمع».

وكذلك على صعيد تأسيس ثقافة جمعية بقاسم مشترك بيّن "حسين" قائلا: «في المشرق العربي رغم كل تمظهر الحضاري إلا أن العصب الدقيق لحركة الحراك لم تتجاوز التفكير البداوي والزراعي ويعود ذلك إلى الخلل في البنى والهياكل وما يشكل تمظهراً حضارياً في حشوة متخلفة لم تساعد الأدوات المعرفية في تفكيك قيم مفوتة تاريخياً لنلحظ إمكانية تصحيح العلاقة بين الفرد والمجتمع والفرد والتقدم الحضاري».

أما عن ثورة المعلومات والنظم الجديدة فأوضح الأستاذ "بسام حسين" بالقول: «من المعروف أن أوطاننا تأخرت جداً في الاستفادة من التطور والتكنولوجيا وخاصة تخلف الأعلام وفقر البرامج والأحزاب السياسية وضعف مشاركة المجتمع المدني والأهلي وهروب القسم الأعظم إلى الحقيبة العنكبوتية عله يشبع عطشه لموضوعات تتعلق بالحرية والاستقلالية، إلا أننا نرى هذه الأداة كان يمكن أن تجد طريقها نحو تفعيل قوى متنورة لمسار يضع المجتمع في خدمة الفرد والفرد في خدمة المجتمع».

وعن مقومات الديمقراطية بيّن الأستاذ "بسام حسين" قائلاً: «نرى أن الحرية والعدل والمسؤولية وأهمية الترابط بينها تشكل مخرجاً من الأزمة الراهنة، فالحرية التي نراها في حركة الواقع العربي رسالة قصيرة لا تفي لمتغير يؤسس حقيقة لغايات وأهداف، استحقاقا للتغيير بالواقع الراهن، وهذا ما يتطلب من السلطة والأحزاب والقوى مراجعة نقدية جذرية لكل أنشطتها بما يتوافق مع المناخ الدولي في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية إذ إن مطلب الحرية للأسف كمن يركب سفينة بمجداف واحد».

وعن المتلقي الجديد أكد "حسين" على الشباب بقوله: «رغم أن المصطلحات، الصراع الطبقي، ومفردات تحليل المدارس السياسية والاقتصادية والثقافية أصبحت خارج دائرة التفاوض والحوار بفعل مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية وقدم العنصر الأكثر تضرراً عنصر الشباب باعتبارهم مادة حقيقية قادرة على إحداث التغيير وعلى عاتقها يقع مصير المجتمعات كانت هي المادة الأساسية بما يسمى الطرف الآخر، نرى خطورة الظاهرة أنها قطعت كل علائقها ونتيجة لبناء مشروع خاص بها إلا أنها لم تلحظ عدم تصحيح علاقتها مع القوى الأخرى، وهذا ما يتطلب وعياً جديداً يلحظ دور كل الفعاليات الشبابية المجتمعية لإنجاز مشروع إنساني للجميع فيه دوره ووظيفته».