بين علاقة الفرد والفرد، إشكالية منهجية، نقف على أعتابها لنجدها مسألة تحتاج إلى آراء مختلفة النوع والكم والنهج، ولكل رؤيته بين اقتصاد وسياسية وعلم اجتماع.

حول المقاربات الخاصة بين الفرد والمجتمع، والقاسم المشترك المجتمعي أوضح الأستاذ الدكتور "محمد ياسر شرف" الخبير في الإدارة وعلم الاجتماع- عضو جمعية الدراسات والبحوث في اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria بالقول: «حاول المفكرون الاجتماعيون منذ آلاف السنين إيجاد طرائق للتأثير المتبادل بين الفرد، بما هو شخص إنساني، والمجتمع الذي كان بمثابة المحيط البشري الذي يحيا فيه الأفراد تبعاً لتنظيماته المتنوّعة، وقد تأثر الفكر الاجتماعي لدى العرب بأكثر من نظرية ورؤية في هذا الشأن، ولا نستطيع القول بوجود نظرية عربية في ذلك، ولا وجود رؤية واحدة، لكنّ هذا لا ينفي وجود تجارب متعدّدة تولّدت في عديد من البلدان العربية، انطوت في غير قليل منها على منجزات تمّ تحقيقها في مجتمعات عربية وأجنبية مختلفة، وأهم ما يمكن الاعتماد عليه خلال الفترة التاريخية المعاصرة يتمثل في إمكان الاستفادة من تطبيق المنجزات العلمية والتكنولوجيا التي تتجه الأنظمة التعليمية في البلاد المتقدمة إلى استخدامها، لتحقيق أفضل مقاربة بين الاتجاهات المجتمعية الحديثة للبناء وتحقيق أغراض الأفراد من خلال فعالياتهم الجمعية المشتركة».

أرى أنه لا بدّ من تدخّل منظمات المجتمع المدني لإعادة التوازن في ممارسات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية في الدولة، وجعل الاتجاه إلى خدمة مجموع الفئات الشعبية في أعلى أولويات البرامج الحكومية، بدل تحقيق البرامج والخطط الحزبية التي تعدّ- في نهاية المطاف- بمثابة مكاسب لأعضاء الحزب الحاكم والذين يتقاسمون معهم تلك المكاسب نتيجة وجودهم في المعارضة وامتلاكهم طرقاً مناسبة لتحقيق مصالحهم الفئوية أيضاً، ولو كان هذا على حساب تقليص حريات غير المنتمين لحزب السلطة أو لأحزاب المعارضة، التي تفوز بغير قليل من حصص الترضية المصلحية بمقتضى لعبة الديمقراطية نفسها في تقسيم الوظائف والمشاركة في الأنشطة

وتابع الدكتور "شرف" مقترحاً: «أنا أقترح لهذا تطبيق ما يمكن أن تقوم به تكنولوجيا التربية من زيادة أثر التربية في المدارس والمجتمعات العربية إلى حدّها الأقصى، من خلال مراقبة جميع العوامل الممكنة، مثل: الأغراض التربوية والمواد التعليمية والطرق والبيئات التربوية، وسلوك الطلاب والمعلّمين والعلاقة المتبادلة بينهم، ويعني هذا استخدام الأساليب الهندسية وعلم الإعلام والعلوم الطبيعية والعلوم السلوكية والتكنولوجيا البشرية استخداماً متكاملاً للنهوض بالعملية التربوية، كما يعني أنّ ميزانية المدرسة وإدارتها والفصول التعليمية يمكنها جميعاً الاستفادة من تلك النتائج، ولا شكّ أنّ تقارير ودراسات "يونسكو" المتخصصة وغيرها من منظمات أممية تقدم ما يمكن عدّه "العامل المشترك" بين الطرق التربوية المتنوّعة لرفع مستوى التعاون بين الجهات التربوية ومؤسسات الأنشطة الأخرى في أي مجتمع، بحسب التجارب المحليّة القابلة للإغناء والتحسين من خلال إعادة النظر المتكررة في جزئياتها العملية».

المهندس أسامة جناد

وعن دور المعلوماتية في قضايا التواصل الفكري بيّن الدكتور "شرف" بالقول: «أضحت قضايا التواصل الفكري بين الناس أكثر فاعلية وتعقيداً من أي وقت مضى، ولا شكّ أنّ حصائل المعلوماتية ستساعد في بناء كمبيوتر يجاري سرعة "الدماغ البشري" بعد سنوات معدودة، وسوف تساعد الدراسات الجارية في تشكيل اتجاه علمي قوي للتركيز على إيضاح وتحسين العلاقة بين عمل الجسم والعقل لدى الناس، على المستوى الجزيئي. وتساعد تطورات "فيزياء الكم" الجديدة في صنع جيل جديد من الأجهزة وآلات التصوير بين أيدي المختصين، لمراقبة الدماغ الحي وهو يفكر، وأن يراقب المختصّون داخل الجسم الحي وهو يعمل، وسيؤدي هذا لتحسين قدرة البشر على التواصل الفكري بصورة غير مسبوقة، فإذا أضفنا هذا لمنتجات التكنولوجيا الحديثة في توفير المعلومات، وجمع البيانات وتقديم المقاربات المتنوّعة، تأكّد لدينا أنّ "ثورة المعلوماتية" التي هي آخر الثورات الحضارية حتى الآن سوف تمضي في قطع مراحل جديدة من تغيير أساليب حياتنا وتفكيرنا وتغيير البنى المجتمعية المسيطرة حالياً، وأنّ دولاً تقليدية كثيرة قد تزول من الوجود خلال عقود قليلة من السنين، بعد زوال مجتمعات مغلقة محلّية، وبعد أن تأكّد أنّ مصير التخلّف سائر للزوال من غير رجعة».

وبين منظومة الديمقراطية وحيز الحرية منها أشار إلى مجموعة من الأفكار قائلاً: «اجتذبت النظرة الديمقراطية السياسية أغلبية عظمى من الناس على مدى الفترات التاريخية في دول العالم المختلفة، لكنّ تطبيقات الأحزاب الديمقراطية لبرامجها الخاصة جعل من أغلبية التجارب الديمقراطية تحريفات متفاوتة للفكر النظري الذي جذب الجماهير في صيغه العامة ومرتكزاته المميّزة، كما أدّت إلى نشوء خلافات بين الديمقراطيين أنفسهم في البلد الواحد بل داخل التنظيم الواحد نفسه أحياناً، أفضت إلى ضياع حقوق الشعب وهدر الأموال العامة وإفقار أغلبية السكان الذين أوصلوا قادة الأحزاب إلى مراكز السلطة، وتعاني "الحريات" بأنواعها المختلفة من تقييدات متنوّعة غير مسبوقة في المجتمعات الديمقراطية الراهنة، حتى غدا المواطن العادي محكوماً بجملة من "التنظيمات والقوانين" تشكل ضغطاً على حياته أشدّ مما كانت تمارسه بعض الديكتاتوريات أو الملكيات في فترات زمنية سابقة أو حالية».

الدكتور محمد ياسر شرف في مشاركته

وتابع الدكتور "ياسر شرف" معبراً عن رؤيته بقوله: «أرى أنه لا بدّ من تدخّل منظمات المجتمع المدني لإعادة التوازن في ممارسات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية في الدولة، وجعل الاتجاه إلى خدمة مجموع الفئات الشعبية في أعلى أولويات البرامج الحكومية، بدل تحقيق البرامج والخطط الحزبية التي تعدّ- في نهاية المطاف- بمثابة مكاسب لأعضاء الحزب الحاكم والذين يتقاسمون معهم تلك المكاسب نتيجة وجودهم في المعارضة وامتلاكهم طرقاً مناسبة لتحقيق مصالحهم الفئوية أيضاً، ولو كان هذا على حساب تقليص حريات غير المنتمين لحزب السلطة أو لأحزاب المعارضة، التي تفوز بغير قليل من حصص الترضية المصلحية بمقتضى لعبة الديمقراطية نفسها في تقسيم الوظائف والمشاركة في الأنشطة».

أما عن المتغيرات الجديدة وعلاقتها مع الأخلاق فقال: «يمكن للمكتسبات التنظيمية وطرائق الخطط التطبيقية الناشئة عن التغيّرات الحادثة في الحياة البشرية الراهنة أن تساعد في تطبيق "معايير أخلاقية" في مجالات متنوّعة، ولاسيما في ضوء وجود أنظمة المراقبة والضغط المستحدثة، لكنّ هذا يحتاج إلى قرار سياسي ما تزال الأغلبية العظمى من الحكومات تدعي أنها تطبّقه بينما هي لا تفعل ذلك إلا في أضيق الحدود، بل إنّ بعض الحكومات لا تطبق شعاراتها في المحافظة على العدالة والحرية والمساواة وغيرها من مبادئ أخلاقية إلا خارج حدود دولتها، وأظهر الأمثلة على هذا ما تتبعه أغلبية الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، تجاه الدول الصغيرة والضعيفة، لإدامة السيطرة على مقدراتها وثرواتها والتدخّل في شؤونها بما يكفل الحفاظ على مصالح الدول الكبيرة واستمرار الهيمنة "الاستعمارية الحديثة" التي تعيش على نهب ثروات الشعوب الأخرى، ولذا نلاحظ أنّ التقدم الذي تحقق في المجالات المعرفية الكثيرة لم يترافق، حتى الآن، برقي أخلاقي في الدول المتقدمة، بل إنّ نوعاً نسبياً من "الانحطاط" الذي قاد نشوء كثير من المجتمعات الغربية المتوحّشة ما يزال هو الذي يوجّه سياساتها الخارجية، وأعتقد أنّ امتلاك الدول الصغيرة والضعيفة "قوة ردع" مناسبة على المستوى العسكري قد يكون هو الحلّ الأهمّ خلال الفترة الراهنة من ترتيب العلاقات الدولية، بانتظار أن يحقق المستقبل القريب سلاحاً جديداً يستطيع الفقراء والضعفاء كما الأغنياء والأقوياء أن يحصلوا عليه».

وحين طرح إمكانية أن يدخل المثقف عناصر جديدة ضمن المنتج الثقافي بطريقة يستطيع فيها إيصال الفكرة للمتلقي المحلي، أوضح المهندس "أسامة جناد" مدرب في التنمية البشرية قائلاً: «يقول الدكتور "نبيل علي" في كتابه "الثقافة العربية وعصر المعلومات": "لقد استدرج التعقد إنسان هذا العصر إلى شباكه حتى كاد يتجاوز قدراته على الحل". فعلى الرغم من كل ما يزهو به عصرنا من ثراء معرفته ووفرة معلوماته وقدرة نظمه وآلاته ودينامية تنظيماته وسرعة قراراته، رغم كل هذا ما زال يستبيح لنفسه أن يسلم أقداره لعبث الأيدي الخفية التي تحرك اقتصاده وعولمته ومعظم نظمه الاجتماعية وأمور بيئته وأوضاع جماعاته. وصدق من قال: "كم نحن جوعى للحكمة والمعرفة ونحن غرقى في بحور المعلومات والبيانات"، ولعل هذا الأمر ينطبق أكثر ما ينطبق على مثقفنا المسكين الذي تجاوزه الزمن فما كاد يمحو أميته تجاه الحاسب حتى طلع له الانترنت هذا الفضاء الافتراضي العجيب الغريب، الشاسع في مداه وإمكانياته. وما كاد مثقفنا المسكين يتفاهم شيئاً ما مع هذا الكون الافتراضي حتى دهمته شبكات التواصل الاجتماعي بغرابة مفرداتها وسلاطة لسانها "المكون من مفردات مكتوبة ومرئية منقولة عبر البث الفضائي المباشر"، حقاً إنه عالم جديد فقد فيه مثقفنا المحلي تلك السلطة الموهومة التي اعتقد بتمتعه بها سابقاً، فإذا بالعصر يتجاوزه، وإذا بطالب الثانوية في مدارسنا يستطيع أن يكتب ويحاضر ويرسل المقالات والصور والأفلام متجاوزاً بذلك كل العوائق والقيود، بما فيها الفكر والتفكير الذي بات واضحاً أنه بأمسّ الحاجة للتجديد سريعاً جداً بعد أن كاد يصبح تاريخاً ونسياً منسياً».

وعن مدى ارتباط المنتج الثقافي بشمولية المكونات الثقافية القديمة والحديثة، وتأثير نظم المعلومات على المتلقي الجديد أوضح المهندس "جناد" بالقول: «لقد جرى التنبؤ بأن تقانات عصر المعلومات سوف تسهل الحوار وتقرب المسافات بين المواطن والمسؤول، فهذه التقانات ورسائل الشكوى المحمولة بواسطتها لا تحتاج لأخذ الإذن من البوابين وما أكثرهم، ولا للانتظار في الشوارع والطرقات على أعتاب الوزارات لطلب السماح لها بعرض قضيتها، فهي تدخل بلا إذن ولا دستور مقتحمة المجالس والاجتماعات صارخة بالصوت المسموع بمطالب، أغلبيتها الساحقة مطالب معيشية محقة وسهلة التنفيذ لمواطنين بسطاء، ومن لا يرغب بسماعها سيندم على ذلك لأن مصادر عرضها البديلة ذات الأجندات الخارجية جاهزة ومستعدة لتغرس أنياب سمومها الإعلامية في جسد الوطن، قلنا إذن إننا تفاءلنا خيراً بتقانات عصر المعلومات وبما سيكون لها من أثر إيجابي في التقريب بين المسؤول والمواطن، ولكن للأسف ونتيجة لوضع الكثيرين رؤوسهم في الرمل لم يحدث هذا الالتقاء المنشود، ونظراً لهذا الغياب المفجع والاستهانة والاستهتار بقوة هذه التقانات الحديثة جاء من الخارج من يملأ هذا الفراغ، فنحن لا نستطيع أن ننكر أن قناة كالجزيرة ورغم الكم الهائل من السم الذي تنفثه بحقد غريب، قد استفادت كثيراً من تقانات عصر المعلومات للتهجم السافر على سورية عبر وسائل وأدوات التواصل الاجتماعي، أما عن مدى دقة وصحة هذه الصور المهتزة، فهذا غير مهم، فلا يوجد من يتوقف ليطرح السؤال عن مدى العقلانية والمنطقية فيما يبث ويعرض، فالعقلانية على حد قول فيلسوف العلم في القرن العشرين "كارل بوبر" لم تعد من الأفكار العصرية هذه الأيام».