قال أحد الفلاسفة: "فطرة الرجل معجونة بحب الوطن"، رب سؤال يطرح اليوم على كثير من النخب الثقافية والاجتماعية، حول مفهوم المواطنة والوطنية والفارق بينهما أمام فلسفة اللغة والواقع.

حول المواطنة والوطنية والفارق اللغوي بينهما أوضح الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria قائلاً: «الوطن في اللغة محلُّ الإقامة مطلقاً ومنزل الكائن حيث يولد المرء وينشأ ويتربى تربية نفسية عاطفية وفكرية واجتماعية. فهو الحيز الجغرافي الذي يتخذه لنفسه مسكناً، وجمعه أوطان. واسم المكان منه أيضاً المَوْطن وجمعه المَواطن، والفعل منه أَوْطن يُوْطن أي أقام وسكن ويقال: وطَّن الأرض، يوطِّنُها، توطينا، واستوطنها يستوطنها استيطاناً أي اتخذها وطناً، والمستوطن بكسر الطاء اسم فاعل، وبفتحها اسم مكان، ويمكن أن نستعمل فعل واطن، يواطن واسم الفاعل منه مُواطن، وجمعه مواطنون، وبناء عليه أصبح الوطن يشتمل على العناصر الأربعة "الأرض والشعب والهوية والسيادة" وفق مبدأ الحقوق والواجبات وبناء على مفهوم المواطنة التي تدل على المشاركة والمواطنية التي تدل على النسبة إليه».

الوطن في اللغة محلُّ الإقامة مطلقاً ومنزل الكائن حيث يولد المرء وينشأ ويتربى تربية نفسية عاطفية وفكرية واجتماعية. فهو الحيز الجغرافي الذي يتخذه لنفسه مسكناً، وجمعه أوطان. واسم المكان منه أيضاً المَوْطن وجمعه المَواطن، والفعل منه أَوْطن يُوْطن أي أقام وسكن ويقال: وطَّن الأرض، يوطِّنُها، توطينا، واستوطنها يستوطنها استيطاناً أي اتخذها وطناً، والمستوطن بكسر الطاء اسم فاعل، وبفتحها اسم مكان، ويمكن أن نستعمل فعل واطن، يواطن واسم الفاعل منه مُواطن، وجمعه مواطنون، وبناء عليه أصبح الوطن يشتمل على العناصر الأربعة "الأرض والشعب والهوية والسيادة" وفق مبدأ الحقوق والواجبات وبناء على مفهوم المواطنة التي تدل على المشاركة والمواطنية التي تدل على النسبة إليه

وتابع الدكتور"جمعة" مكونات الوطن والمواطنة بالقول: «تنشأ مفاهيم المواطنة من خلال المكونات التي تربط بين الكائن ووطنه، وهي تقوى كلما امتد الزمان وارتقت العلاقة بينهما نفسياً وفكرياً واجتماعياً ودينياً وسياسياً وأخلاقياً، ثم يتحدث عن ذاته من خلال مراجعة الحضور والغياب عن وطنه، الدولة، إذا ما افتقده لأمر ما، ويظهر هذا في إطار تكوين الدولة شيئاً فشيئاً، ويمكن أن نكثفها بثلاثة مكونات كبرى المكون الذاتي العاطفي الذي ينشأ بين أي مخلوق وبين المكان الذي يولد فيه وينشأ ويترعرع علاقة عاطفية فطرية خاصة، على هذا العنصر يتمتع الإنسان في حيزه الجغرافي بحقوق طبيعية سرعان ما تتحول إلى حقوق مدنية وإنسانية، تمتلك قوة الحق في العقد الاجتماعي، وهو ما ينقلنا إلى المكون الثاني الذي يرتبط بالمجتمع الشعب وهويته التي تتشكل نفسياً واجتماعياً وتاريخياً وهو الاجتماعي النفسي هذا المكون يتكامل مع المكون السابق، في بعديه العاطفي والاجتماعي على الصعيد الفردي والجماعي، فالوطن وفق هذه الأبعاد الطبيعية والاجتماعية، لم يعد مجرد كلمة عابرة تلوكها الألسنة وتمضي، والمواطنة شديدة الصلة بالحراك الاجتماعي اليومي، وهي ترتقي وتسمو بمقدار إحساس المواطن بأنه كريم سعيد سيّد في وطنه ما يعني تشكيل الهوية الخاصة به وبقومه وتحقيق السمو في السيادة الوطنية، والإحساس بالدفاع عنها والمشاركة في بنائها من دون أن ينسى الفرق بين الوطن بوصفه انتماء وبين الدولة السياسية التي ترمز إليه، فأخطاؤها لا يتحملها الوطن ومواطنوه. ومن ثم ينبغي ألا تهتز السيادة الوطنية أو تتراجع في النفوس إذا عجزت الدولة عن تلبية حق من الحقوق. لأن المواطن جزءاً أصيلاً في كيان الوطن فهو شريك في سيادته، ولا يقلل من قيمته أي سبب من الأسباب».

الدكتور حسين جمعة

وحول المكون التاريخي الثقافي الحضاري بين الدكتور "حسين جمعة" بقوله: «تتجلى علاقة الانتماء بين الوطن والمواطن في إطار الهوية التاريخية والثقافية والحضارية، وهي علاقة تتقاطع مع تلك التي تنشأ بين الدولة ورعاياها من المواطنين وغيرهم ممن يدخل في مفهوم الدولة الحديثة، علماً أن الدولة تختلف في المفهوم السياسي عن الوطن، على حين كانت لدى القدماء من العرب متماهية في الوطن من جهة الهوية والبنية، كما برز في الدولة العربية الإسلامية، ما يعني أنها كانت أوسع مفهوماً منه، والوطن أكثر خصُوصية منها، ثم صار الوطن يتماهى بالدولة ـ لدينا ـ ولا سيما الدولة القُطْرية العربية خاصة لأننا صرنا نميز بين النضال الوطني لكل عربي، وبين النضال القومي للأمة العربية، ولذلك كله فإن الحدود الثلاثة للوطن تتضح بقوة، في قول أديب إسحق: "إن الوطن من موجبات الحب والحرص والغيرة ثلاثة تشبه أن تكون حدوداً الأول أنه السكن الذي فيه الغذاء والوفاء والأهل والولد، والثاني أنه مكان الحقوق والواجبات التي هي مدار الحياة السياسية، وهما حسيان ظاهريان، والثالث أنه موضع النسبة التي يعلو بها الإنسان ويَعزُّ أو يَسْفُل أو يذل، وهو المعنوي محضاً، أما الوطن بالمعنى الخاص لـه فهو "البيئة الروحية التي تتجه إليها عواطف الإنسان القومية. ويتميز الوطن عن الأمة والدولة بعامل وجداني خاص، وهو الارتباط بالأرض وتقديسها، لاشتمالها على قبور الأجداد"، وإذا كانت المواطنة تؤسس الانتماء العقلي الواعي الساعي إلى إقامة الحق والعدل من أجل تنمية الشخصية الوطنية للمواطن فإن ذلك لن يتحقق إلا بالحوار الواعي الموضوعي والمسؤول بين أبناء الوطن، الحوار الفاعل المستند إلى الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر، للوصول إلى الحقيقة المطلقة في إطار مفهوم حق الاختلاف في الرأي والتعبير، والحجة والبرهان كي يؤمن مبدأ العدل والمساواة والسيادة على المستوى الفردي والجمعي».

وهناك رأي لأديب آخر حول المواطنة ربما يختلف في الشكل ولكنه يتفق في الجوهر والمضمون حيث بين الأديب المهندس "غسان كامل ونوس" عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب بالقول: «المواطنة إحساس جميل مكتنز غني بالانتماء إلى الوطن، قبل أن تكون واقعاً معيشاً في هذا الوطن، أرضاً وهواء وماء وكائنات وجمادات، ولا يأتي هذا الإحساس عرضاً أو مصادفة، بل يتوالد، ويتنامى، يتجذر، ويُتوارث، ويخلد، ورغم الصعوبات التي يلاقيها المواطن، والمعاناة التي يشعر بها نتيجة ظروف داخلية أو خارجية، لا يتخلخل الإحساس الأصيل ولا ينوس أو يتلاشى، بل إن كثيراً من المواقف الحادة والأحداث المصيرية تُبلور المرء، وتجوهره، وهو يتحمل ويصبر ويواجه، ويستبسل ويضحّي، أليست الحادثات هي من يكشف أصالة المرء ونبالته؟!، أليس الكثير من الفقراء والبسطاء أكثر التزاماً بالدفاع عن الأرض والعرض؟! وأكثر إقداماً وشجاعة؟! لا لأنْ ليس لديهم ما يخسرونه، بل لأن الوطن كل شيء عندهم، إن خسروه، لم يعد معنى للحياة، ولا مسوّغ لبقاء الروح تشقى أو تيبس!».

الأديب المهندس غسان كامل ونوس

وعن الإحساس بالمواطنة بين الأديب "ونوس" بالقول: «إن ما يميز الإحساس بالمواطنة، الكرامة التي تجعل المرء يعتز ويفتخر بالانتماء تاريخاً وحاضراً، واستلهاماً منها وصولاً إلى المستقبل، الذي يبذل من أجله الجهد والعرق والوقت والعمر، باندفاع وحماسة! فلا سعادة مع الرأس المطأطأ، حتى لو امتلأت الجيوب والكروش، في الوقت الذي يمكن للرأس أن يرتفع أكثر، راسخ القدمين حتى لو لم يكن لدى صاحبه الكثير، إن ما يعزّز الانتماءَ الثقافةُ التي لا تعني قراءة وكتابة، ولا تتأتّى من محاضرة أو ندوة، بل من عراقة حياة، واكتناز معان وتفاعل عناصر، وحيوية حواس وصولاً إلى كيان محصن داخلياً، ومرموق خارجياً، واثقٍ من نفسه ومن الآخرين، إيجابيٍّ في تعامله مع المحيط، ومجموع الكيانات هذه يشكل بنياناً متلاحماً حصيناً، ولا يقتصر الإحساس بالمواطنة على من يواصلون العيش في الوطن، بل إن لدى المسافر حنيناً متكاثفاً، يتصاعد في الأزمات الداخلية، ولا سيما إذا ما كان هناك استهداف للوطن من أعدائه المعروفين، أو الذين لا يروقهم تطوّره وازدهاره، أما ما يصيب الكرامة من الداخل فهو مدمّر، ويأتي نتيجة الإحساس بالغبن والظلم بسبب الإهمال، أو التمييز غير المرتكز على كفاءات، أو التفضيل غير المسوغ.. ومنها تسييد الأقلّ إمكانيات خبرات وشهادات وأخلاقاً، على من هم أفضل منهم وأقدر، وتسليم المقادير للفاسدين الخارجين على القوانين والأخلاق على الملتزمين الحدود والمواثيق، فيولّد هذا القلقَ والأرقَ، ويشيع التبرّمَ والحنقَ والضّغينة، ما ينعكس على شخصية الفرد، وعلاقته بأسرته وجيرانه وزملائه ورؤسائه ومرؤوسيه، وعلى وطنه ربما!».

ويتابع الأديب "غسان ونوس" بالأمثلة بقوله: «يظهر ذلك جليّاً، حين يصبح الإثراء غير المشروع ميزة، يتباهى بها الواصلون والحاصلون على أرزاق الناس من الدولة أو عبر الوظيفة التي تؤمّنها لهم الدولة، فتسود مفاهيم الاستفادة والتدليس والتلفيق وتمسيح الجوخ والاستزلام.. وكلها تنتقص من الكرامة والشخصية والقيمة.. حتى لو بدا أن القيمة لهم والاحترام.. ولو إلى حين!، إن الحال هذه تشجع على دخول الآخرين المتربّصين عبر التصدّعات والتشقّقات والمناطق الهشّة نفسياً واجتماعياً، فيمكن التأجير لأنه يؤمن المال والجاه بلا تعب أو مسؤولية، ويوفّر السلطة والتسلط، ويعد بالكثير منها، إذا ما وافق بعض ضعاف النفوس، أصحاب النوايا السيئة، والراغبون في التشفّي والوصول الأسرع والأمتع، ولا يضيرهم أن يشاركوا في المشروعات التآمرية والمخططات السوداء سرّاً وعلانية، ويكون من السهل الدخول في براثن الفتنة التي لا تُبقي ولا تَذَر.

إن العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حقّ حقَّه، حتى لو كان العطاء قليلاً، والزاد شحيحاً، مؤشراتُ سلامة المواطن والمواطنة والوطن.. إضافة إلى الشفافية في التعامل والتواصل والتداول في القضايا العامة والخاصة.. وإمكانية التعبير عن الرأي والمجاهرة به، مهما كان قاسياً، وهذا يوفر فرصة أن يكون الرأي العلني أكثر صحة وتدقيقاً، بدلاً من أن يسود منطق الوشاية والنميمة والإخبار الذي لا يضطر صاحبه إلى الدقة، بل يكاد يكون المطلوب أن يكون اتهاماً بلا أدلة، للنيل من الآخرين الذين لا يوافقون على سياسة الفساد وسيادته».

وحول الفوارق بيّن الأديب "ونوس" قائلاً: «إن الفوارق الطبيعية بين أصحاب الشهادات والخبرات والقدرات، واتساقها مع مسؤولياتهم ومهامهم وما يُولَّون، حين تأخذ الأمور مجراها الصحيح، تجعل المجتمع أكثر متانة، لأن من ميزات البناء السليم أن تكون عناصره في مكانها ضعفت أم قويت، هشة كانت أم متينة، وهذا ما يحفز الأجيال التي تقبل على التحصيل العلمي والمعرفي وتسعى إلى التأهيل والتخصص، بدلاً من السلوك مسلك الانتهاز والتصارع على المناصب، والاتّهام حتى بلا دليل للحلول محلّ المتّهَمين، حين يكون التمايز قائماً على العلاقات مع المسؤولين والنافذين، والامتيازات متركزة على الامتلاك غير الحقّ، والرصيد غير صحيح المورد، ما يثير التسوّس في البنيان الذي يبدأ بالتآكل، إلى أن ينهار!، المواطنة الصحيحة تقاوم، وتدافع، وتضحي، كي لا يحدث هذا في القرب والبعد، في الداخل والخارج، في السلم والحرب، وفي جميع المواقع والأوقات».