استقبلت "دمشق" في 22/5/2011 الدورة الثانية من "مساحات شرقية"؛ ما يبشر بأن المبادرة التي أطلقها "هانيبال سعد" واحتضنتها من جديد دار الأوبرا السورية قد تتخذ لها مستقبلاً يشكل تظاهرة سنوية، ذلك تأكيداً على مكانة سورية ودورها الثقافي على مرّ التاريخ القديم والمعاصر كأرض عبور والتقاء.

وما التاريخ هنا إن لم يكن جسراً نحو مستقبلٍ يحاوره ويتجاوزه فضاء إبداعي مفتوح.

هكذا شاء القيّمون على المهرجان لدورته أن تكون هذا العام، فجاءت أكثر تنوعاً وغنى بحكم نضوج التجربة سواءً من حيث العروض الحية أو على صعيد الاهتمام الملحوظ بتنظيم الملتقيات الفكرية، وهذا في حد ذاته توجه بالغ الأهمية يرتقي بدور الموسيقا -بوصفها ركناً من أركان الفكر- من منسوب الترفيه إلى مستوى الأسئلة الملّحة التي واجهت وتواجه العقل العربي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً: الأصالة والتجدد...الماضوية والحداثة... بدت في ذلك اليوم كأنها تواجهنا نحن في الميدان الذي طالما اشتغلنا به ولم ننشغل به ولطالما انحصر طرحها بعيداً عنه في ميادين مجاورة كالأدب والشعر على مدى العقود الأربع الأخيرة.

ليس على عاتق المهرجان أن يأتي بأجوبة، بل في خلق "مساحات" لطرح كل الأسئلة بجرأة وتفتح على ما نحن إليه وما يحيط من حولنا – وبطبيعة الحال- على ما قد يواجهنا.. بدءاً من خصوصية المقام مروراً بحظوة الكلام والمغنى على حساب رمزية اللحن والمعنى وصولاً إلى إشكاليات الكتابة الآلية تقنياً وجمالياً... تأليفاً وتنفيذاً... استجابةً وتأثيراً.

مساحة جغرافية شاسعة أفردها المهرجان امتدت من "الهند" حتى "أذربيجان"، بقعة متباعدة الأطراف متقاربة الخواص متعددة التضاريس متماثلة الأمزجة والأحاسيس على اختلاف اللغات واللهجات تبقى مرتبطة وتحمل مشاعر متصلة، إحساس مشترك بألفة تلك المساحة على هولها، مساحة ترى في ماضيها العريق ونظرتها الفريدة للكون والإنسان أفقاً واسعاً للتأمل وإعادة لإنتاج الثقافة الإنسانية على أسس أكثر روحية.

إضافة إلى حضور لافت لدول أوروبية عدة شاركت على هامش العروض واللقاءات حتى أن منها من رعى أو استضاف عروضاً وفعاليات تمثلت في محاضرات وحوارات تناولت جوانب تتعلق بالموسيقا الشرقية من منظور التاريخ والأنثروبولوجيا وعلم النفس ومثّلت الغرب فنياً وأكاديمياً.

غربٌ أيقن أن لا حياة من دون شرقٍ حاضرٍ ومزدهر يجاوره ويأتلف معه، شرقٌ ظل ينادي بوحدة الوجود وكيانه ويخوض نضاله الحضاري في وجه تقسيم الأرض وما عليها إلى مساحات محددة لغني وأخرى لفقير، سيد وعبيد لمستعمر وآخر مستعمر لشرق وغرب.

وكأن بسورية في لقائها شقيقاتها وأصدقائها تكشف نفسها.

هكذا بدا المشهد باستضافة بعض من رعيلها الأول، "نوري اسكندر" الخبير بالتراث الإنشادي العتيق للمنطقة الوسطى والشمالية وأحد رواد كتابة الموسيقا الآلية في سورية منذ الثمانينات و"قدري دلال" صاحب الدراسات المطولة في المقامات الشرقية بالإضافة لعمر سرميني المنشد البارز.

هؤلاء هم أهل "حلب"، أما "دمشق" فكان لها الباحث القدير "صميم الشريف" والصحفي "أحمد بوبس" المدافع الشرس عن تراث "دمشق" الغنائي وأعلامه.

جيل يلتقي بجيل آخر من الشباب، "كنان عظمة، عصام رافع، مياس اليماني، كنان أدناوي" الكل على اختلاف ميوله ومشاربه، انتماء جيله واتجاهاته، آلته الموسيقية وأدواته الفنية، هواجسه وتطلعاته، كل يشكل مساحة خاصة من الوعي والتجربة تلاقي أخرى سواءً بالعزف أو الحوار، بالتكامل أو بالتعارض بالأنغام أو الأفكار.

مساحات تلاقي مساحات لتسهم في خلق مساحة أكبر وأرحب لنا في هذا العالم، مساحة للجميع حيث يعود القديم جديداً ويستعيد الجديد قديمه الغائب عنه، مساحة للإبداع الذي يبقى هو وحده صاحب الصدقية بعيداً عن أي تأطيرات مسبقة أو عصبيات فكرية تقتصر في أفضل الأحوال على مجرد المزايدة المستترة أو العلنية، مساحة أخرى نخصها بجمهور الدار والذي بالرغم من الظروف الدقيقة التي يمر بها هذا البلد العزيز على جميع أبنائه آثر الحضور والمشاركة.

جميع العروض والورشات صادفت إقبالاً فاق التوقعات، ما دلّ على التسليم المستجد عند الناس بوظيفة الموسيقا كرافد ثقافي في المقام الأول وقبل كل شيء، ولا حاجة هنا للبيان عن أي فن أو عن أي موسيقا نتحدث فجمهورنا يبدو اليوم على قدر من حسن الذائقة التي من خلالها يستطيع التمييز بين ما هو جاد و سطحي، بين رديئنا وجيدنا، بين فن يرتقي إلى أن يكون حاجة وطنية و"فن" يبقى في حدود الترفية أو يتخذ له طابعاً سياحياً.

مفاضلات للأسف تبدو إلى الآن غير واضحة حتى في أذهاننا نحن الموسيقيين من عازفين ومنظرين، حيث مازلنا عنها أحياناً أو مستغفلين، بعيدين أو مبتعدين عن حقيقة أن الأذن البشرية وإن كان ذلك ظاهراً من الناحية التشريحية فحسب تبدو في النهاية أقرب إلى الدماغ من القلب.

من الجدير بالذكر أن "علي موره لي" من مواليد "دمشق".

درس الكمان في "معهد صلحي الوادي".

أتمّ دراسته في المعهد العالي للموسيقى بدمشق.

حصل على إجازة في الموسيقى اختصاص عازف كمان.

حصل على منحة لدراسة الكمان وموسيقى الحجرة في المعهد الوطني لمدينة ليون الفرنسية.