حين يذكر الوطن، لابد لنا أن نقف أمامه بإجلال وإكبار، وحين يذكر الإصلاح لابد لنا أن نستذكر الآراء والأفكار، التي من شأنها أن تساهم باختلافها وائتلافها، والتي تشكل رأياً ثالثاً يكون فيه التوافقية في وضع خطوط مسار إصلاحية، عندها لابد من سؤال يطرح على النخب الأدبية من شعراء وروائيين ومثقفين من فئات عمرية مختلفة ومزج الأفكار فيما بينهم، يمكن حينها تحديد رؤية المجتمع في منحى الإصلاح في سورية بين الائتلاف والاختلاف برأي ثالث.

لعل الائتلاف والاختلاف في المفهوم الأدبي له تعابيره الثقافية فقد بين الشاعر "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب العرب بطريقته الشاعرية لموقع eSyria ذلك قائلاً:

لعلي من الجيل الذي عاش بين جيلين، لكنني أرى أن الاختلاف في الفكر والثقافة والأدب، يولد لنا أدباً أكثر حيوية ونشاطا، بالنظر إلى الوراء قليلاً نجد كيف كان الاختلاف الأدبي بين الأدباء الكبار أن قدموا لنا أدباً راقياً، وأنا أرى أن اختلافنا في الرأي سيولد لنا نظرة إصلاحية جديدة تساهم برفد الحركة الثقافية العربية عامة، وتكون سورية نموذجاً للائتلاف والاختلاف المنطقي، كما هي في مواقفها التاريخية والنضالية، من هنا أقول علينا أن نختلف، ولكن علينا أن نأتلف أمام مصلحة الوطن، لأن الوطن لا يختلف عليه اثنان

«تعدك الحياة بالقادم من الأيام، فتتوثب روحك، وتستنفر جوارحك من أجل اصطياد الأحلى والأجمل، تشعر بأنك ترمح من على ظهر حصان أصيل نحو جدائل الشمس فتحس بأن العالم بين يديك، هذا أنت أيها السوري المثقل بطعم الحضارة، والمتشبث بأعمدة وجودها منذ الأزل، فلم تكن عابراً بها ولن تكون عابراً منها، إنها أنت وأنت هيَ، هنا تتلاقح الحضارات وتتحاور الأديان وتأتلف القلوب العامرة بالمحبة بل بالحوار الجميل للوصول إلى أنقى وأصفى جداول المحبة، والتي تسبغ بدورها الجمال والرقي على الروح الإنسانية جمعاء، ليست هذه المقدمة من أجل تدبيج الكلام وإنجاز الجليل من مفردات اللغة، بل هي الناتج العادي لثقافتنا المنتمية إلى هذه الأرض، وهي الناتج لتسامحنا بعضنا مع بعض، وهي المؤسس لمستقبلنا إذا أردنا لهذا المستقبل أن يكونَ رياناً ومحتفياً بالحياة، وفي أي موقع فوق ثرى هذه الأرض التي تسمى سـورية، أجزم، أننا مشرّشون، بل متجذرون ومنغرسون فيها، لم تمنح لأحد حصة أكثر من أحد، ولم تخضر سنابلها إلا في حقول الجميع، وقد غردت عصافير شمالها على بيادر جنوبها، وكانَ رذاذ البحر في غربها يرش صحراءها شرقاً بنداه».

الأديب رياض طبرة

وتابع الشاعر "الخطيب" بالقول:

«إن الله جل جلاله لم يقنع البشر بنبي واحد فأغدق عليهم رسائله السماوية، المختلفة والمؤتلفة بآن، فصح عند ذلكَ أن المرجع الإلهي واحد وإن اختلفت السبل في التوجه إلى ذلك الفيض النوراني، فما بالنا لا نتعظ ونلفظ الفتنة من جوفِ نفوسنا؟ ونذهب إلى أبعد من ذلك في أن نجعل من هذه الألوان الجميلة التي تشكـل طيفنا السوري الجميل، لوحة مدهشة نرش فيها بذورنا المختلفة لتكون حديقتنا الغناء على قدر النفوس التي زرعتها، عندها يا أخي في كل مكان في سورية الحبيبة قل لي ما بك وما ساءك وضرك لأقول لك ما لدي فلربما نلتقي، بل سنلتقي في نقطة الوسط في طريق الانتماء الأصيل لهذه الأرض، فقمحي الذي أزرعه، هو رغيفك، وقطنك الذي تقطفه هو كسائي، فلنسور حدود الوطن بحراب مآقينا، ولنحرس شمسه وهواءه بسيوف محبتنا، ولنجعل من رياضه جنائن لأطفالنا».

الأستاذ فارس العوام

ولا بأس أن نختلف تحت قبة هذه العناوين، حيث تابع الشاعر "فرحان الخطيب" بالقول: «الجداول المختلفة، تشكل نهراً فياضاً نرشف منه ماء الحياة الآمنة، ولنتحول إذا كشـر الضيم عن أنيابه إلى أباة ميامين لنصد عنها أي شر، أي أذى خارجي، وفي تاريخنا البعيد والقريب، اقرأ معي في تضاعيفه نجد أن ما نقوله الآن هو اقتداء بهم فلم يسأل بعضهم بعضاً عن اسمهم وعن لونهم، وعن عقيدتهم، بل تنادوا ليشكلوا عدة وطنية من أقصاها إلى أقصاها ليحمل الوطن نخوتهم إلى سهوله وجباله ويرسم لذكراهم مقامات خلدها الأبناء، أخي أيها العربي السوري إن ديالكتيك الحياة يتطلب منا أن نركب المهر الجموح، ونقطع المسافات ونغنّي بحرية، ونجني محصولنا بعدالة، ولكن ليس المطلوب منا بالتأكيد أن نرى دمانا بفعل أيدينا، والحق عند ذلك أن الموت أفضل من الحياة، فلنختلف من أجل أن نأتلف، نكون أمسكنا بزمام الإصلاح، ولنسر به بنيّة طيبة، يزدهر الوطن».

إذا كانت نظرة الشعراء بين الدلالة والصورة والرمز فما هي رؤية القاص الذي يصور الواقع على شكل قصة قصيرة؟ فقد بين القاص "رياض طبره" قائلاً:

«لا أحد يختلف معي على أن الإصلاح حاجة ضرورية للدولة والمجتمع والأفراد، ومن المنطق ألا نجعل الإصلاح في مقابل الفساد، فالفساد ظاهرة عامة وقابلة للديمومة، وإنما بدرجات مختلفة، فقد يتمدد هذا الفساد أو ينحصر تبعاً لإرادة الدولة والمجتمع، أما الإصلاح فهو عملية جذرية في مرحلة معينة لإحداث تغيرات، بنيوية في الحياة لا تحتمل التمديد أو التباطؤ أو التأجيل ومن هنا يأتي الاتفاق أو الاختلاف حول مسألة الإصلاح، وتبدو الأسئلة مشروعة حول ما إذا كنا قادرين على تنفيذ هذا الإصلاح تحت ضغط كبير من الشارع الملتهب، أو تقديم ما هو أولويات أو في سلم الأولويات لتوفير وقت مناسب للإصلاح كأن نقول: "الإصلاح بعد تحقيق الأمن"، وهذه معادلة غير صحيحة وغير سليمة وهي استثنائية لأن الحديث كثر عن الإصلاح بعد اختلال أمن مؤقت، ولهذا فإن الإصلاح يحتاج إلى إرادة الدولة والمجتمع معاً».

ومن الجيل المخضرم الذي عاش بين جيلين أوضح الأستاذ "فارس العوام" الذي تجاوز العقد السابع رأيه في الائتلاف والاختلاف قائلاً:

«لعلي من الجيل الذي عاش بين جيلين، لكنني أرى أن الاختلاف في الفكر والثقافة والأدب، يولد لنا أدباً أكثر حيوية ونشاطا، بالنظر إلى الوراء قليلاً نجد كيف كان الاختلاف الأدبي بين الأدباء الكبار أن قدموا لنا أدباً راقياً، وأنا أرى أن اختلافنا في الرأي سيولد لنا نظرة إصلاحية جديدة تساهم برفد الحركة الثقافية العربية عامة، وتكون سورية نموذجاً للائتلاف والاختلاف المنطقي، كما هي في مواقفها التاريخية والنضالية، من هنا أقول علينا أن نختلف، ولكن علينا أن نأتلف أمام مصلحة الوطن، لأن الوطن لا يختلف عليه اثنان».