ولّدت الجيوش الأجنبية والاحتلال على المنطقة العربية من خلال مراحله التاريخية فناً أصبح اليوم موضوعاً يشغل بال المفكرين والأدباء والفنانين، وهو "الفن الاستشراقي"، فالبعض يعتبره فناً إيجابياً والبعض الآخر يعتبره فناً سلبياً.

وفي هذا الإطار تنوعت الآراء والأفكار اتجاه هذا الفن وللوقوف على بعض الآراء، فريق "eSyria" نقل بعضها وكان اللقاء الأول مع الدكتور "أحمد برقاوي" أستاذ في كلية الآداب قسم الفلسفة، حيث قال: «عندما ندرس ظاهرة من الظواهر علينا أولاً التحرر من الأهواء الذاتية ومن عواطفنا أيضاً تجاه موضوع هذا الظاهرة، لأنه عندما ننطلق من كره وحب الموضوع فإننا لن نصل إلا إلى نتائج محمودة على مستوى المعرفة، حتى في النقد الأدبي والفني نحن مجبرون على اتخاذ مواقف متحررة ما أمكن من الانتماء الأيديولوجي، والاستشراق يعني جعل الشرق موضوعاً للمعرفة، وكلمة جعل الشرق موضوعاً للمعرفة العلمية والفنية وفي إطار مناهج متعددة، ولما كان الاستشراق مرتبطاً بحركة الهيمنة الغربية على المنطقة أصبحنا نذمه بأنه مرتبط فقط بالهيمنة، ولكن هذه الهيمنة ولدت أيضاً توقاً للمعرفة في الشرق على المستوى الاقتصادي والتاريخي والأدبي والتراثي والفني».

موضوع الاستشراق برأيي يحمل إيجابيات أكثر، فالاستشراق بحد ذاته استطاع أن يحكي عن الفارق بصورة جميلة وعلى الرغم من أنه كان يصور موضوع الدم والخيانة والقتل وهذه من سلبياته فهو صّور المجتمع الشرقي بصورة دموية، لكن بالوقت نفسه كان هناك سحر مميز للاستشراق لم يكن بمقدورنا رؤيته إلا عند الأوروبيين، وهذا لا نستطيع فصله عن اللوحة إن كان من الألوان أو من أهمية الفنان الذي رسم هذا الموضوع

وأضاف: «فمثلاً الحملة الفرنسية على "مصر" هي حملة استعمارية بامتياز، لكن أن يقضي شخصاً ثمانية عشر عاماً من أجل أن يكتشف "حجر الرشيد" باللغة "الهيروغليفية" ثم يفك تاريخ الفراعنة، فهذا عمل عظيم مع أنه عمل استشراقي وليس عربياً، ونحن كيف كان لنا أن نعرف تاريخ الثقافة المصرية الفرعونية دون اكتشاف اللغة "الهيروغليفية"، وعلى مستوى الفن نحن في عالم كان فيه نساء شئنا أما أبينا، فالأمير لديه نساء ومن مهمة النساء تلبية رغبات الحاكم وبالتالي عندما يصور مستشرق ما لوحة تصور الحريم فهو يصور شيئاً موجوداً حتى لو لم يره أو يشاهده فإنه قد قرأ عن عالم النساء، وبالتالي الحديث عن اللوحة في طابعها الأيديولوجي هي شكل من أشكال الإغراء، فاللوحة نص وأنا أقرأ النص على أنحاء مختلفة وأنت تقرؤه على نحو آخر، فالانطباع الذي تولده اللوحة مرتبط بمستوى وعيي وثقافتي في اكتشاف اللوحة إذ لا أستطيع أن أحكم على لوحة وأعطيها علامة الصفر لأنها تبرز شبق المرأة الشرقي، مع أن الغربي قد رسم آلاف اللوحات عن المرأة الغربية في حالة الشبق وفي حالة الجنس المفضوح، وكل عصر فيه نموذج المرأة، فمثلاً في القرن الثامن عشر المرأة سمينة، والقرن التاسع عشر أقل سمناً وفي القرن العشرين الفنان يرسم المرأة نحيفة، وكل عالم جديد يوحي بالدهشة، فكل شرقي يندهش عندما يذهب إلى الغرب، ومن الطبيعي أن يندهش الغربي أيضاً لعالمنا عندما يأتي إلى الشرق، فالجانب الأيديولوجي للغرب أيضاً جانب استعماري هيمني يريد السيطرة على المنطقة عبر أدوات كثيرة مثل السلعة والقوة والاقتصاد».

أحمد برقاوي

المهندسة المعمارية "نجلا محمد سلمان"، قالت: «موضوع الاستشراق برأيي يحمل إيجابيات أكثر، فالاستشراق بحد ذاته استطاع أن يحكي عن الفارق بصورة جميلة وعلى الرغم من أنه كان يصور موضوع الدم والخيانة والقتل وهذه من سلبياته فهو صّور المجتمع الشرقي بصورة دموية، لكن بالوقت نفسه كان هناك سحر مميز للاستشراق لم يكن بمقدورنا رؤيته إلا عند الأوروبيين، وهذا لا نستطيع فصله عن اللوحة إن كان من الألوان أو من أهمية الفنان الذي رسم هذا الموضوع».

المهندس المدني "رضوان أتاسي" قال: «الاستشراق في فترة القرون الوسطى وعصر النهضة والقرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لم يسمه الأوروبيون فناً استشراقياً، لكن كان هناك تصويراً للشرق وبصورة نمطية وهذه الصورة لم تبدأ إلا في القرون الوسطى، فمثلاً صور المسيحية الأولى كان الفنانون يصورون السيد المسيح بعيون زرقاء وبشعر أشقر يعني بنمطية معينة وهم لم يكونوا قد عرفوا الشرق بعد فيصوروه كأنه منهم وادخلوا في لوحاتهم بعض الأفكار البسيطة على أساس أنها شرقية وحتى الطراز المعماري للأبنية التي كان يصورها الرسامون في القرون الوسطى وفي عصر النهضة كانت أساسا في البناء لديهم وكل شيء لا ينحصر فقط بالقرن التاسع عشر، فهذه النمطية في الفن الأوروبي كانت فناً تصويرياً وتشكيلياً أوروبياً، والفن عموماً هو عنصر إيجابي لأنه يعبر عن أحاسيس ومشاعر وعن خيال وهو لا يعبر فقط عن أفكار معينة ومن الممكن أن يكون الفن في خدمة السلطة أو في خدمة مشروع سياسي معين لكن معظم الفن كان للتعبير عن خيال معين أو حتى خيال عشوائي، وبالنسبة للفنان يجب أن تكون اللوحة ناجحة ويعجب بها الكثير من الناس في أوروبا وهذا الهدف الأساسي للمستشرق وأن يجني المكاسب المادية من ورائها فالسوق الأوروبية كانت تتطلب مثل هذه اللوحات في الفن الاستشراقي وكانت موضة العصر لدى الأوروبيين في تلك الفترة وهناك عوامل تؤثر في رسام اللوحة منها حبه للنجاح والشهرة والتأثير في المجتمع».

نجلا محمد سلمان
رضوان آتاسي