في عالم تتبدل ملامح وعناصر النتاجات البشرية فيه باستمرار، لتتماشى هذه النتاجات مع الشكل الراهن للحياة والمجتمعات باختلاف ثقافاتها وحضاراتها ليكون هذا التبدل تطوراً طبيعياً لمعطيات الفكر الإنساني، يبدو الحوار المباشر بين الشعوب هو أهم بنود الإحاطة المعرفية بأحدث ما توصل إليه الآخر من تجارب لصياغة تجارب خاصة، إنما غير متخلفة عن المحيط.

هنا لعل الفنون البصرية صاحبة الفضل الأكبر في اكتشاف التاريخ هي أولى ما يجدر الإحاطة بتطوراته في حوارات تسلط إضاءات علنية على الحال الراهن في عصر لم تعد فيه العفوية هي مصدر الإبداع بل بات للفن نظريات فكرية ورؤى عميقة تحدد قيمة العمل مادياً وروحياً، وهو ما جمع أسماء تشكيلية بارزة من مؤسسين للحركة الفنية في سورية إلى جيل الشباب، إضافة للمهتمين بالوضع الثقافي عموماً والفني خصوصاً في القاعة "الشامية بالمتحف الوطني" في دمشق لحضور خمس ندوات ومحاضرات يلقيها مفكرون فلاسفة وفنانون تشكيليون من سورية والوطن العربي تحت عنوان "الفن في عالم يتغير".

أرى أن ندوات بحجم الأهمية والجهد هذا تستحق حضور كل الفنانين السوريين والنقاد وحتى على مستوى المحافظات بغض النظر عن اتجاهاتهم الفكرية والفنية فهي نهاية دعوة لحوار حر وبنّاء

موقع "eSyria" بتاريخ 3/10/2010 حضر اليوم الأول من الندوة والتقى من الحضور النحات والناقد التشكيلي "غازي عانا" الذي حدثنا عمّا تم التطرق إليه في الندوة وأهميته حسب وجهة نظره ويقول:

خلال المحاضرات

«عنوان "الفن العربي في عالم يتغير" ضخم جداً وقد تم التطرق ضمن إطاره إلى مفاهيم فنية مختلفة منها المعاصرة، الحداثة وما بعد الحداثة، كما قدمت تصنيفات زمنية وآراء مختلفة وحتى متناقضة لكتّاب ونقاد فن في العالم، رغم أني كنت أفضل الاستماع إلى رأي المحاضر بالمعاصرة بشكل صريح دون الاكتفاء بآراء من العالم فمن المفيد تحديد رؤية نقاد عرب للمعاصرة: زمنها وخصائصها».

يضيف: «أما أنا بشكل خاص أقف بشكل معارض لكل التسميات والمفاهيم التي تطلق كل فترة زمنية وأخرى على النتاجات الفنية، فلازلنا إلى اليوم نجد العديد من الأعمال الإبداعية التي تحصد الجوائز وتنال التقدير وهي مشغولة بنمط كلاسيكي، ومبدعها هو فنان معاصر بكل تأكيد لأنه يعيش في الفترة الراهنة».

رفيا

من المسلّمات القول بأن "الفن لغة عالمية"، من هنا كانت تسمية "الفن العربي" خلال الندوة مثار جدل أساسي للفنانين، وعن ذلك يقول "عانا": «عندما نتحدث عن الفن العربي هنا لا تكون نقطة الأهمية المطلقة في كونه عربياً، إنما الأهم هو أن يكون فناً جيداً من ثم يأتي كونه عربياً، فبالتأكيد الموروث البصري من زمن الطفولة والمكتسبات اللامادية عموماً هي صاحبة التوجيه في الفن المُنتج لأي إنسان، لأن العمل الفني نهاية هو انعكاس لثقافة الشخص المبدع لهذا الفن».

يتابع: «كما أن بعض الفنانين العرب لا يقدم أعماله بروح عربية لأننا شهدنا العديد من التجارب التي قدمها فنانين عرب يطغى على أعمالهم روح أوربية تعكس تأثرهم بالغرب وتقلديهم لها، بل ويفتقدون أي مورثات بصرية عربية، فالفن ليس نتاج الصانع بل هو نتاج الفكر والثقافة والوعي، من جهة أخرى الفنان غير مسؤول عن تحميل عمله بروح عربية لأنها تنبع من اللاوعي ويكون ظهورها بشكل عفوي، إنما هو (الفنان) يبحث عن قيم تعبيرية معينة ليصبها بأحاسيسه في العمل».

خلال الندوة

يختم الناقد الفني "غازي عانا" حديثه بدعوة يرى توجيهها ضرورياً فيقول: «أرى أن ندوات بحجم الأهمية والجهد هذا تستحق حضور كل الفنانين السوريين والنقاد وحتى على مستوى المحافظات بغض النظر عن اتجاهاتهم الفكرية والفنية فهي نهاية دعوة لحوار حر وبنّاء».

من المحاضرين في الندوة التقينا الفنان التشكيلي الدكتور "إلياس زيّات" ويقول عن دور الندوة وأهميتها الثقافية والفنية: «المحاضرين يروون تجارباً ويطرحون أفكاراً مختلفة، والمتلقي ليس من الضروري أن يمتص هذه الأفكار ويتبناها، لأن جوهر الحوار هنا هو المعرفة وليس الإقناع، وبالنهاية كل ما يطرح هنا هو أفكار عربية تمت لنا بصلة روحية مباشرة، وهي بشكل أو آخر لا تناقض قناعاتنا كسوريين بل تتلاقى معها في جوانب عدة».

د."زيّات" شارك بتأسيس كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق وفي وضع مناهجها منذ العام 1962، يقول: «أهمية هذه الندوة تتجلى غايتها الأساسية في أنها تصب باتجاه تعريفي عمّا حاول أن يخلقه جيلنا المؤسس للحركة التشكيلية السورية من بداية الستينات وحتى ثمانينات القرن المنصرم كي يترك نتاج ذو نكهة محلية إلى حد ما، وهو يستحق الحوار مع الجيل الجديد من الفنانين، والحوار حوله قد يكون نوعاً من الدعوة للعودة إلى التراث والبحث عن إمكانية الاستفادة من معطياته».

يضيف د."زيّات": «هذه الحوارات موجهة بالدرجة الأولى لجيل الشباب الذي نفتقد التواصل المباشر معه، ويفترض به كحد أدنى التعرف إلى أفكارنا وتجاربنا، وهنا لا اقصد إن عليه إن يكون مماثلا لنا أو مقلداً إنما التعرف إلى ما قدمه الجيل السابق والإحاطة بحيثياته».

الشابة "صديقة شريفة" طالبة في كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق تقول بعد حضورها ندوات اليوم الأول: «الندوات الفنية إن كانت نقدية أو تهتم بتسليط الضوء على تجارب مختلفة، هي بغاية الأهمية وتشكل متمماً أساسيا لنا كفنانين شباب نتلقى الخبرة النظرية والعملية أكاديمياً في كليات الفنون، وبالتأكيد اطلاعنا على نتاج التجارب العربية الحديثة يشكل قيمة مضافة على تجاربنا وفي لحظات معينة قد تكون بمثابة منعطفات في الفكر والرؤية».

ندوة "الفن العربي في عالم يتغير" تنظمها صالة "رفيا" للفنون بمشاركة مجموعة من الفنانين والنقاد التشكيليين السوريين والعرب، برعاية الدكتورة "نجاح العطار" نائب رئيس الجمهورية.

عن تنظيم صالة "رفيا" للندوة تحدثنا السيدة "رفيا قضماني": «تطمح صالة "رفيا" لتكون نافذة للمجتمع السوري على فنانين شرق أوسطيين، عرب وسوريين استطاعوا الوصول إلى العالمية، وتعريفه بما استجد فنياً وتقنياً على ساحة الحركة التشكيلية العربية والعالمية، كما نطمح من بداية عملنا أن تكون صالة "رفيا" صالوناً حراً يعود بالجمهور السوري إلى تلك المساحة الحيوية من النقاش في الفن التشكيلي على وجه الخصوص والثقافة بشكل عام، فبرنامج الندوات هذا استمرار لبرنامج الغاليري الثقافي الذي قدم ندوات سابقة أدارها مفكرين نقاد وفنانين سوريين».

تضيف "قضماني": «اليوم حاولنا أن يكون نشاطنا على نطاق أوسع كمحاولة لإدخال سورية في النقد الخارجي عربياً لانفتاح الجمهور السوري على الفن العربي عموماً - بثقافته، أعماله وفنانيه- ولخلق حالة حوار مباشر بين الفنانين السوريين والفنانين من خارج سورية إلى جانب المحاضرين من نقاد وفلاسفة ومفكرين عرب».

يذكر أن برنامج اليوم الأول من ندوات "الفن العربي اليوم" تضمن:

محاضرة بعنوان "الفن العربي: نظرة نقدية خاصة" ألقاها السيد "فاروق يوسف" كاتب وناقد فني عراقي مقيم في "السويد".

ندوة "الفن العربي اليوم" وأدارتها الدكتورة "ندى شبوط" أستاذ مقرر "تاريخ فن معاصر وحديث" ومدير معهد "الدراسات العربية والإسلامية المعاصرة" بجامعة شمال "تكساس" في "الولايات المتحدة الأمريكية" والرئيس المؤسس لجمعية "الفن الحديث والمعاصر في العالم العربي" و"إيران" و"تركيا"، ذلك بمشاركة السيد "سعد القاسم" مدير قناة "سورية دراما"، والسيد "عادل السيوي" من "مصر".

ندوة "دور الفن في المجتمع" تديرها الدكتورة "حنان قصاب حسن" أستاذة "سيمولوجيا المسرح والفنون" في جامعة دمشق، أستاذة الدراسات العليا في اختصاص المسرح والمدير العام للهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون "أوبرا دمشق"، وشارك بها الدكتور والفيلسوف "محمد بن حمودة" من "تونس"، والدكتور الفيلسوف "موليم العروسي" من "المغرب" والدكتورة "ندى شبوط".

أما في اليوم الثاني تقدم ندوة "لمحة عن تاريخ الفن التشكيلي السوري" يشارك بها الدكتور "إحسان عنتابي"، الدكتور "إلياس زيّات"، الدكتور "يوسف عبدلكي".

وندوة "الفن السوري اليوم" يديرها السيد "فاروق يوسف" ويشارك بها د."محمد بن حمودة"، التشكيلي "ناصر حسين"، التشكيلي "ياسر صافي".