"المولوية" إحدى الطرق الصوفية التي احتلت مكانة كبيرة وواسعة في الحفلات الدينية، ولعلّ لمدينتي "حلب" و "دمشق" ذكريات كبيرة مع هذه الرقصة التي رافقت الناي في عملية الدوران حول النفس مع صوت الناي أو الأناشيد الدينية.

موقع "eSyria" بتاريخ 21/9/2010 التقى الأستاذ "غفران الناشف" باحث في أمور التراث السوري ليحدثنا عن "المولوية" وبدايات دخولها إلى سورية، عن ذلك يقول: «"المولوية" إحدى الطرق الصوفية قديماً، انتشرت في أنحاء الدولة العثمانية وتكاياها 360 تكية مركزها "قونية" في "الأناضول"، وعرفها أهل الشام بدخول العثمانيين واشتهرت في مدينة "حلب"، كما كانت لها جوامع وزوايا، منها جامع "المولوية" في "باب الفرج" بحلب، أما أول تكية مولوية في "دمشق" فتعود لمؤسسها الشيخ "محمد قرطل دادا المولوي"، حيث استقر الشيخ "قرطل" مع مجموعة من أتباعه في خربة يتعبدون فيها، وفي أحد الأيام مرّ من أمام التكية "مصطفى لالا باشا" ذاهباً للحرب وبالقرب منها جفل حصانه وامتنع عن السير، فسأل "الباشا" عن السبب، قيل له إن بالخربة زاهداً يتعبد مع بعض مريديه، فنزل عن حصانه وامتثل بين يدي الشيخ طالباً منه الدعاء بالنصر، حيث أهداه الشيخ قميصه للتبرك ودعا له بالنصر، وطالبه عند العودة سالماً منتصراً أن يكفل له ولمريديه الفقراء ما يسدّ رمقهم وإيجاد مكان أفضل للعبادة، فانتصر "لالا باشا" وأثناء مروره بنفس المكان عاود الحصان جموحه فتذكر "الباشا" الوصية وأمر ببناء التكية في مكانها الحالي "جامع المولوية" مقابل محطة "الحجاز"، ثم تولى المشيخة الشيخ "عطاء الله المولوي" الذي أوقف الأبنية المجاورة للتكية لدراويش هذه" الطريقة».

فأسرعْ إليّ بفتح الفتوح/ وهبْ كنز قارون أو عمر نوح وهبني من الخمر أصفى الصفاء/ لأحيا طويلاً سعيد الرجاء

أما الشيخ "جلال الدين الرومي" 1207- 1272هـ فارسي الأصل وصاحب طريقة "المولوية" وناظم معظم قصائدها فيقول عنها: «ثمة طرق كثيرة توصل إلى الله، أما أنا فقد اخترت طرق الرقص والموسيقا التي تمكن مريديها أن يتواصلوا مع الله بالحركة وليس بالسكون، فاللباس، الثوب الأبيض يعني الكفن، والمعطف الأسود يرمز إلى القبر، أما الطاقية ذات الشكل المخروطي والمصنوعة من اللّباد تعني شاهدة القبر».

رقصة الدراويش

هذا ويقول المتصوف "جلال الدين الرومي" في إحدى رباعياته عن "المولوية": «سألت الناي ما شكواك وأنىًّ لك أن تنوح من دون لسان؟ فأجابتني: فُصُلت عن القصياء، ولا استطيع البقاء دون نواح ونحيب، أنا الناي أريد صدراً مزّقه الفراق حتى أشرح له ألمً الاشتياق».

أما الشاعر الصوفي "حافظ الشيرازي" فيدعو ربه بهذه الكلمات ويقول:

«فأسرعْ إليّ بفتح الفتوح/ وهبْ كنز قارون أو عمر نوح

وهبني من الخمر أصفى الصفاء/ لأحيا طويلاً سعيد الرجاء».

الدراويش في الشام

يتابع الأستاذ "غفران" حديثه عن المولوية بدمشق فيقول: «أهل "دمشق" أيام زمان يحتفلون بهذه المناسبة بعد صلاة التراويح بالابتهالات والأدعية وقراءة القرآن الكريم، ثم المدائح النبوية والمولوية بعد السحور، فيبدأ العزف على الناي وينهض الدراويش للرقص بعد إيماءة من شيخهم بالإذن، ويدور معهم ثلاث دورات ويأخذ مكانه صدر الزاوية، فيرمي الدراويش معاطفهم السوداء "رمزاً للتخلص من القبر"، ويدورون ببطء، ثم يسرعون الدوران».

يتابع: «هذا ويلتقي أهل الطرق الصوفية بدمشق ومعهم جمع غفير من الناس في مقر الطريقة السعدية "حي القيمرية"، وتبدأ الحفلة بتلاوة آيات من القرآن الكريم، وينشدون المدائح النبوية، ثم توزع أجزاء من القرآن الكريم "الربعة" فيقرأ دعاء ختم القرآن، وبعدها تبدأ أورادُ الطريقة السعدية "أستغفر الله، كلمة الجلالة، اللطيفيه" وكل منها 101 مرة، ثم ينهض المريدون بلباسهم الموحد "قلنسوة، لباد، ثياب بيضاء وجبّة سوداء" ويأذن بهم بالرقص بقوله "يادايم- ياحي ياقيوم- يالله" وعلى إيقاع الدفوف والناي وبمشاركة الطرائق الأخرى يكون دورانهم سريعاً فتنفرد الألبسة الفضفاضة على شكل ناقوس وينشدون "يا إمام الرسل يا سندي، أنت باب الله ومعتمدي، وبدنياي وآخرتي، يا رسول الله خذ بيدي" وبين الفينة والأخرى يردد المنشدون "مدد يا رسول الله مدد، مدد يا حبيب الله مدد"، ويتسارع الدوران حتى يصل إلى القمة يتركون أرواحهم محلقة لتعيش سكرى في حالة الحب العذري، لا تشبع من النظر إلى الله، ثم ينشد أحد الدراويش المدائح النبوية بمصاحبة الناي ليتوقف كل شيء ويرتدي الدراويش الجلباب الأسود ويجلسون لسماع عشر آيات من القرآن مع دعاء الختام من شيخ الطريقة».

يصيف الأستاذ "غفران" فيقول: «يختم الاحتفال بزيارة شعرة النبي صلى الله عليه وسلم في مشهد "الحسين" رضي الله عنه، وفي دار "آل العيطة" بالقرب من الجامع "الأموي" يوجد "شعرتين" حيث تخرج هذه الشعرات المباركة المحفوظة في قارورة مختومة بالشمع الأحمر من صندوقها المغطى بالحرير المطرز والموشى بالآيات القرآنية من مكانها، والكل في حالة من الوقار والخشوع وعند فتح الصندوق ينشد الجميع:

يا زائراً شعر النبي محمدا/ كنْ عند كشفك للغطاء معظماً

متأدباً متطهراً متطيباً / ومباركاً ومسلماً ومصلياً

ثم يصلون على الرسول صلى الله عليه وسلم والصلوات الإبراهيمية، وبعدها يكون دعاء الختام من شيخ الطريقة، حيث تتوافد الطرق الصوفية مع المشاركين إلى المسجد "الأموي" لإتمام الإحياء حتى بزوغ الفجر».

ينهي الأستاذ "غفران الناشف" حديثه عن المولوية فيقول: «اختلفت الغاية لهذه المولوية، وانتقلت من طريقة لها قدسيتها وقيمتها الروحانية إلى حفلٍ فني تكون فيه رقصة المولوية محط أنظار المسلمين وإعجاب الحضور الأجانب، تقدمها الفرق الفنية منها "فرقة أمية للفنون الشعبية، فرقة الحاج صبري المدلل رحمه الله" بل إن بعض المراكز الثقافية الأجنبية باتت تهتم بهذه الرقصة باعتبارها فلكلوراً إسلامياً».

ويقول السيد "محمد الجمل" قائد فرقة "النجاح" المولوية بدمشق: «إننا مازلنا محافظين على هذه الرقصة الدينية التي لها ارتباط شديد بدمشق المدينة التي لها امتداد تاريخي بالتراث والتاريخ، نحن في فرقة "النجاح" المولوية نحاول أن نقدم كل الرقصات الخاصة بالمولوية من خلال الأناشيد الدينية والناي الذي ارتبط ارتباطاً شديداً بهذه الرقصة».