احتل الجاز مكانة موسيقية واضحة في الأعوام الأخيرة في سورية، حيث سعت الفرق السورية إلى تقديم أنواع مختلفة من موسيقا الجاز التي ارتبطت بموسيقا شرقية غربية دمجها الموسيقيون المعنيون بذلك.

موقع "eSyria" بتاريخ 1/9/2010 التقى عدداً من الموسيقيين الذين تحدثوا عن تاريخ هذه الموسيقا في سورية وتطورها.

في عام 1947 أسس الموسيقي "حسن دركزنلي" أول فرقة موسيقية حقيقية للجاز ظلت تعمل بقيادته حتى وفاته عام 1968، وقد سبق أقرانه في "مصر ولبنان"، عاشت الفرقة عشرين عاماً وهي تقدم حفلاتها في الأماكن العامة والإذاعة والتلفزيون

هنا وعن تاريخ موسيقا الجاز في سورية يقول المؤرخ "صميم الشريف": «شهدت الثلاثينيات من القرن العشرين أول احتكاك غير مباشر لمدينة "دمشق" بموسيقا الجاز عن طريق الإيقاعات الغربية الراقصة كـ"التانغو، الرومبا، السامبا"، وقد ركّز الموسيقيون السوريون على الإيقاعات أكثر من الأوزان الموسيقية التي قامت عليها ولحنوا عليها ولا سيما إيقاع "التانغو" أغنيات مثل "يا جارتي" عام 1938 لـ"محمد عبد الكريم" و"ما أقدرش أخبي" عام 1943 لـ"سري طمبورجي"».

من إحدى المهرجانات

يتابع "الشريف": «جميع هذه الأغنيات محفوظة في أرشيف إذاعة "دمشق" حتى اليوم، وعلى الرغم من إقبال الملحنين السوريين على هذه الإيقاعات إلا أنهم لم يحاولوا تقري فن الجاز حتى عام 1943 حيث ظهرت أول فرقة لموسيقا الجاز، وانبرى للتلحين ثلاثة موسيقيين هم "هشام الشمعة، حسن دركزنلي، شكري شوقي"، وقدموا موسيقاهم في حفل اتحاد الفنانين عام 1943، وفي عام 1947 عمد الموسيقي "هشام الشمعة" لتأسيس فرقته الخاصة "فرقة المعزوفات الحديثة" بعد أن لاحظ أن الفرقة السابقة كانت كبيرة بعددها ولا تحقق الهدف الرئيسي لموسيقا الجاز، لكن عقد الفرقة انفرط بسفر "هشام الشمعة" لـ"مصر" لمتابعة دراسته في معهد "فؤاد الأول" المعهد العالي اليوم».

وعن تأسيس أول فرقة موسيقية حقيقية للجاز في سورية يقول: «في عام 1947 أسس الموسيقي "حسن دركزنلي" أول فرقة موسيقية حقيقية للجاز ظلت تعمل بقيادته حتى وفاته عام 1968، وقد سبق أقرانه في "مصر ولبنان"، عاشت الفرقة عشرين عاماً وهي تقدم حفلاتها في الأماكن العامة والإذاعة والتلفزيون».

أما عن أهم عازفي الجاز في سورية وقتذاك فيقول "الشريف": «من عازفي الجاز المشهورين في "دمشق" عازف الكلارينت المتميز "شكري شوقي" 1922- 1989، لم يهتم بموسيقا الجاز حتى عام 1946 فدرسها بإمعان وأظهر البراعة في ارتجالاته ولم يفكر بتأسيس فرقة، بل رضي أن يكون عازفاً في فرقة "هشام الشمعة"، وظل يؤدي في الملاهي الليلية ببراعة حتى سافر إلى "السعودية" عام 1981».

يتابع: «اختفت موسيقا الجاز بعد ذلك لتعاود الظهور بإشارات من "صلحي الوادي" إلى أحد تلامذته النجباء واسمه "فاهيه تمرجيان" بضرورة الاهتمام بموسيقا الجاز، فأسس "فاهيه" فرقة "التايجرز"، وكانت الآلات الموسيقية كالأورج والجيتار قد انتشرت حينها فاستخدمها أعضاء الفرقة ببراعة، استمرت "التايجرز" حتى عام 2000 مؤثرة في المشهد الثقافي في "دمشق" ودافعة عددا من المهتمين إلى تأسيس فرق أخرى، وكان لتأسيس المعهد العالي والفرقة الوطنية السمفونية عام 1992 أثر غير مباشر في بدايته في إعادة تمكين موسيقا الجاز، فقد ساعد وصول الآلات النفخية والتمكن منها على إمكانية لعب الجاز، حتى تم تأسيس خماسي نحاسي بدعم من "صلحي الوادي" وإشراف أساتذة المعهد العالي راح يقدم حفلات ناجحة».

أما الموسيقي السوري "هانيبال سعد" مدير مهرجان "الجاز يحيا في سورية" فيقول: «إن موسيقا الجاز تعتبر عالمية ولها جمهور واسع في سورية، فاهتمام الموسيقيين السوريين بهذا النوع من الموسيقا دفعهم إلى تأسيس عدة فرقة موسيقية خاصة بالجاز، ومن هذه الفرق "أوركسترا الجاز السورية" التي بدأت تشجع العازفين على وضع مقطوعات جديدة وخاصة بهذه الموسيقا، وبتأسيسنا لمهرجان "الجاز يحيا في سورية" استطعنا أن نقدم فرقة موسيقية عالمية وسورية مميزة قدموا اهتمامهم الواضح بهذا المهرجان».

يتابع "هانيبال": «المعهد العالي للموسيقا له الدور الكبير والواضح في إحياء موسيقا الجاز من جديد في سورية، حيث اهتم مدرسو المعهد اهتماماً خاصاً بضرورة نشر الثقافة الموسيقية المختلفة بالجاز في كافة المحافظات السورية، ومن خلال المهرجان بدأنا ننشر هذه الثقافة الموسيقية العالمية بخطوات أكثر عمقاً».

أما الموسيقي "نارك عباجيان" فيقول: «لقد شهدت سورية خلال القرن الماضي تجارب موسيقية جادة، لكنها بقيت فردية ولم تحظ بظروف تدفعها إلى الاستمرارية والتراكم، وكان هذا سبباً دفع مهرجان "الجاز" إلى تسليط الضوء على هذه التجارب والاستفادة منها، فقام باستضافة فرق استفادت من تراثها الشرقي وراكمت خلال القرن الماضي تجارب تستحق الدراسة والمتابعة، حيث قدم مهرجان "الجاز" في أدبياته المختلفة دراسات وأبحاثا تتناول هذا النوع من التجارب، مع مقارنتها بتجارب الجاز في سورية والعالم».