شهدت "سورية" خلال الفترة الأخيرة طفرة في مجال التشريعات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتي شجعت شركات القطاع الخاص على المساهمة في عملية التنمية، وبرزت خلال هذه المرحلة أيضاً؛ مسألة مساهمة هذا القطاع الناجح إدارياً والمليء مالياً في تمويل وإدارة المشاريع الحيوية في "سورية" عبر الشراكة بينه وبين القطاع العام، ولعل هذه المسألة بحسب تصريحات الكثير من الخبراء الاقتصاديين باتت أحد الحاجات الموضعية الملحة في الطريق الصحيح الذي تنتهجه الحكومة السورية.

لذا – حسب حديث للدكتور "عامر حسني لطفي" رئيس هيئة تخطيط الدولة- فإن الحكومة قطعت شوطاً لا بأس به فيما يتعلق بتذليل الكثير من العقبات الإدارية وإيجاد التشريعات القانونية الملائمة، لإسهام القطاع الخاص في عجلة التنمية عبر مشاريع كبيرة وحيوية في "سورية".

سواءً في مجال تأمين الطاقة الكهربائية، أو بناء بنى تحتية أساسية

إن الدراسات التي جرت في "سورية" من قبل الجهات الأكاديمية السورية أو من قبل المراكز العالمية للدراسات والبحوث أكدت أن المشاريع الحيوية التي بدأت في "سورية" والتي اعتمدت على مبدأ الشراكة بين القطاعين الخاص والعام أو ما يعرف اختصاراً بـ «PPP»؛ استطاعت تخفيف أعباء الموازنة العامة للدولة والحفاظ على معدلات النمو للناتج المحلي- والتي وصلت إلى حوالي «4.5%» خلال الخطة الخمسية العاشرة، كما أن هذه الشراكة تساعد في ردم الفجوة الموجودة بين متطلبات المرحلة من الاستثمارات الحيوية «سواءً في مجال تأمين الطاقة الكهربائية، أو بناء بنى تحتية أساسية»؛ وبين الموارد المالية التي يمكن للدولة تأمينها.

خلال أعمال الورشة

هذه الدراسات والأرقام عرضت خلال جلسة حوار ضمن برنامج أقيم بين جامعة "دمشق" و"مدرسة سعيد للأعمال- جامعة أكسفورد" «Saiid Business School»، موقع "eSyria" حضر هذه الجلسة التناظرية التي أقيمت بتاريخ 4/7/2010، في قاعة "رضا سعيد" للمؤتمرات، والتي ترأسها الدكتور "عامر حسني لطفي"، وأدارها كلاً من السادة؛ الدكتور "يعرب بدر" وزير النقل، والدكتور "قصي كيالي" وزير الكهرباء، والدكتور "وائل معلا" رئيس جامعة دمشق، وناقشت أهم المحاور والاستبيانات التي خرجت بها ورشة عمل امتدت على ستة أشهر ضمت مجموعة من المدراء التنفيذيين، الذين يمثلون عدد من مؤسسات القطاعين العام والخاص.

رئيس الجلسة الدكتور "عامر حسني لطفي" لفت انتباه الحاضرين إلى أن الحكومة تسعى إلى تطوير التشريعات القانونية والإدارية بالتزامن مع إصلاح وإيجاد مؤسسات حكومية جديدة قادرة على المضي في عملية التنمية المستدامة في "سورية"، ولا يمكن تلبية متطلبات هذه التنمية بدون الشراكة مع القطاع الخاص، إذ أن الحكومة لا تستطيع الحفاظ على معدلات النمو وتلبية الحاجات والمتطلبات المتزايدة بمفردها، وأضاف بقوله: «إن "سورية" تستطيع تلبية «2\3» من احتياجاته الاقتصادية داخلياً، وهذا الرقم مرشح للزيادة في ظل التشريعات المستحدثة وإقامة مشروعات حيوية جديدة؛ لكن هذه المشروعات تحتاج إلى رأس مال كبير جداً لا تستطيع الحكومة تلبيته في مراحل معينة».

الدكتور "قصي كيالي" وزير الكهرباء

الآنسة "راما الشيخ" والسيد "مازن الحفار" ناقشوا مفهوم مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وماهي العوامل الجاذبة التي تساعد على اعتماده، وتحدثوا عن واقع هذه العوامل في "سورية"؛ من خلال استبيانات كانت قد جمعت من قبل أهم المدراء التنفيذين في القطاعين العام والخاص، وأشاروا إلى "الثقة" التي تعد من أهم النقاط التي تساعد على اعتماد مبدأ الشراكة «PPP»، والتي من شأنها أن تسرع أو تثبط تجربة «PPP» في "سورية".

أما بالنسبة للتشريعات القانونية التي تختص بـ«PPP»؛ فقد أشار المشاركون في الورشة إلى أن هناك بعض التشريعات خرجت بالفعل كقانون "الكهرباء"، وأن بعضها في مرحلته النهائية "كمسودة الإطار القانوني للشراكة" التي أصبحت جاهزة، وتنتظر إن تخرج بشكلها النهائي لتفعيلها في "سورية"، وأنه قد تم إنشاء وحدة مركزية لتنظيم مبدأ الشراكة في "رئاسة الوزراء"، ووحدات تابعة لها في معظم وزارات الدولة.

أعضاء ورشة "الشراكة بين القطاع العام والخاص"

يعد "مرفأ اللاذقية" من التجارب التي اعتمدت على مبدأ «PPP» في إدارة وتوسيع رقعة هذا المرفق الحيوي الأساسي؛ الدكتور "يعرب بدر" وزير النقل، أشار إلى بعض النقاط التي أضاءتها هذه التجربة بقوله: «أوضحت لنا تجربة "مرفأ اللاذقية" الذي سلمت إدارته إلى "شركة سورية القابضة" خمس نقاط رئيسية، وهي أن الثقة أحد أساسيات ال«PPP»، وأننا بحاجة لقانون ناظم للعلاقة بين الطرفين المتعاقدين «القطاع العام والقطاع الخاص»، وأننا كطرف أول «مؤسسات القطاع العام» يجب أن نملك وضوح فيما نريده من الطرف الثاني «القطاع الخاص»، وأنه لابد من وجود مستشار تشاركي يتابع سير الأمور القانونية والمالية والفنية للعقد.

كما يجب أن يكون لدينا –في الوزارة- دراسة مالية واضحة «دراسة جدوى اقتصادية متكاملة» تتضمن الأهداف والقيمة المالية، وتوضح كذلك "تيار التدفق النقدي"، وكافة الأمور المتعلقة بالإدارة المالية للمشروع؛ لأن الطرف الثاني «شركة القطاع الخاص» تملك بالتأكيد دراسة مسبقة وجدوى اقتصادية متوقعة من المشروع؛ لذا وجب علينا تحضير دراسة خاصة بنا لمناقشة شروط العقد، وأخيراً وهو الأهم تعلمنا «كجهة قطاع عام-طرف أول»، أن التشاركية بين الخاص والعام «PPP» لا تنتهي عند توقيع العقد، ولكن العلاقة بيننا تبدأ وتستمر خلال فترة العقد، لذا كان لابد لهذه العلاقة أن تكون واضحة وصحيحة تعتمد على وجود "التحكيم، وآليات المراقبة" في الأوقات الطبيعية عدا عن وجودهم الأساسي في المواقف واللحظات الحساسة من عمر العقد».

الدكتور "قصي كيالي" وزير الكهرباء أشار إلى أن موضوع التشاركية «PPP»، مايزال غامضاً بالنسبة للكثيرين؛ خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمرافق الحيوية والبنى التحتية في "سورية"، فالبعض يعتقد أنها تعني الخصخصة، ولم يخفي "الكيالي" أن خبرة القطاع العام ماتزال محدودة في التعاقد والتعامل مع "شركات القطاع الخاص"، إذ أنه يوجد تخوف كبير من قبل مؤسسات القطاع العام على ارتفاع تكلفة الخدمات الحيوية في حال اعتماد مبدأ «PPP»، وأضاف الدكتور "قصي":

«طرحنا مشروع بناء "محطة الناصرية" -والذي يعد مشروع متوسط بطاقة /250/ ميغا- لشركات القطاع الخاص، ونتمنى أن ينجح هذا المشروع لأن فشله – كمشروع أول- سيأخر اعتماد مبدأ التشاركية بالنسبة للبنى التحتية الأساسية في "سورية" لفترة أقلها عشرة أعوام.

إننا عندما نتكلم عن التشاركية في "وزارة الكهرباء" على سبيل المثال؛ لسنا بصدد الحديث عن خصخصة القطاع الكهربائي في "سورية" ولكن الهدف هو بناء محطات لتوليد الكهرباء، ونأمل في المستقبل أن نصل إلى موضوع التشاركية في التوزيع».

"سورية القابضة" من الشركات التي بدأت التعاقد مع مؤسسات "القطاع العام" لإدارة وتوسيع الخدمات التي يقدمها "مرفأ اللاذقية"، والوصول إلى جعله نقطة جذب لشركات الشحن البحري في "البحر المتوسط"؛ مديرها التنفيذي السيد "مروان الميداني" أشار إلى أهم النقاط التي يجب ذكرها حول أولى المشرعات التشاركية مع القطاع العام بقوله: «كلما كانت الرؤية واضحة من قبل الجهات الحكومية لأهدافها من العقد، كلما أعطانا ذلك –كشركات قطاع خاص- جو أكبر من الثقة، كما أن تتطور مشاريع «PPP» والسير باتجاه اعتمادها في "سورية" يجعل البنوك والصناديق الاستثمارية الضخمة تساهم بشكل أكبر في تمويل هذه المشاريع وبثقة أكبر».

وأضاف "الميداني": «لقد أخذ توقيع العقد وقتاً طويلاً نسبياً وصل إلى سنة كاملة بسبب عدم وجود قوانيين واضحة وتشريعات ناظمة بشكل محدد للعلاقة بين القطاعين المتعاقدين، ولكن هذا الوقت ضروري لإعطاء فكرة عن عقد«PPP» في المستقبل، إذ إن التجارب والصعوبات التي نمر بها الآن كفيلة بمساعدتنا على تجاوزها في المستقبل».

السيد "محمود خوشمان" من شركة "الشام القابضة" وفي كلمة له أمام المشاركين في الجلسة الحوارية التي ضمت ما يقرب من /50/ مشارك من المدراء في مؤسسات الدولة وأهم شركات القطاع الخاص؛ تحدث عن التدريب الذي يجب أن يأتي في مقدمة أولويات كلا القطاعين في مسألة اعتماد «PPP»؛ لأن العنصر البشري –برأيه- هو العامل الحاسم في هذه المسألة، وأضاف "خوشمان":

«إن تاريج "سورية" في التعاقد مع شركات النفط الخاصة والتي وصل إلى /26/ سنة؛ يشير إلى أن "سورية" تملك رصيداً من الثقة اعتبره جد هام، في جذب التمويلات والشركات الرائدة لتنفيذ مشاريع حيوية مهمة بالنسبة لها، ولكن يجب الإشارة إلى أن السرعة في تنظيم وتطوير التشريعات والقوانيين يعد من الأمور الهامة جداً بالنسبة لهذه الشركات».

موقع "eSyria" التقى مع السيد "مازن الحفار" مدير تطوير الأعمال في "شركة «I-TECH»" والذي حدثنا عن البرنامج الذي أقيم بالتعاون مع "مدرسة سعيد للأعمال" بقوله:

«هذا البرنامج هو ثمرة تعاون بين جامعة "دمشق" و"جامعة أكسفورد" ممثلة "بمدرسة سعيد للإعمال"، حيث يضم /40/ مشارك توزعوا على /5/ ورشات تبحث في مواضيع "الصناعات الاستراتيجية"، "السياحة في سورية"، "الجمعيات الأهلية"، "قطاع التعليم العالي"، والموضوع الذي بحث في هذه الجلسة وهو "الشراكة بين القطاعين الخاص والعام" أو ما يعرف "PPP".

وسيتم تقديم الدراسات التي جمعت على مدار الستة أشهر؛ من قبل عدد من المدراء التنفيذين في كلا القطاعين، إلى المعنيين ليتم مناقشتها بشكل أوسع من قبل أصحاب القرار».