كانت الأنثى تتمتع بمكانة كبيرة في العصور القديمة، ولعلّ الأصنام والمنحوتات التي عثرت عليها في بعض المناطق السورية مثل "إيبلا" شاهدة على هذه المكانة عبر العصور الماضية.

الدكتور "عبد العزيز علون" ناقد وباحث في تاريخ الفن في لقاء خاص حول مكانة المرأة في التاريخ السوري وخاصة عند الآشوريين قال: «يلاحظ الدارس للتاريخ العربي قبل الإسلام المسمى "العصر الجاهلي" أنه أمام بعدين لهذا التاريخ، ففي أفقه البعيد تظهر المعبودات المؤنثة العظيمة، وتطالعنا النقوش الآشورية مثلاً في فترة الملك "سنحاريب" في القرن الثامن قبل الميلاد أن الجيوش الآشورية قد أسرت في إحدى حملات هذا الملك مجموعة من معبودات العرب أو أصنامهم، كان بينها أصنام "دبلات، دية، نوخيا، إبريللو وعثر قومية"، ثم تذكر السجلات الآشورية أن الآشوريين لم يفرجوا عن هذه الأصنام العربية إلا بعد وفاة العاهل الآشوري وتولي ابنه "أسرحدون" للحكم بعده، وعندها جاء الأعراب بهدايا كثيرة واستعادوا أصنامهم السجينة».

لدى العودة إلى أسماء المعبودات السالفة الذكر نجد أن معظم أسمائها هي رموز لمعبودات إناث مثل "دبلات، دية، نوخية، عثر قرمية وعثتر السماوات أو صنم السماوات"، وهذا يعني أن مكانة المرأة العربية في مجتمعها كان الأول، حيث كانت المرأة العربية عظيمة لذلك ليس من المستغرب أن نتعرف على وجه المرأة الجميلة كرمز لأصنام العصر الجاهلي الثاني

يتابع: «ثم سقطت بعض الأصنام العربية الأخرى في أسر الآشوريين في فترة حكم "أسرحدون" الذي قام بنقل هذه الأصنام وسجنها في مدينة "نينوى" وكان بين الأصنام في الأسر الثاني تماثيل المعبودات "آتر سمين" او ما يمكن أن يكون تمثال أو صنم لمعبود أو معبودة السماء، حيث سمح الملك "أسرحدون" بالإفراج عن المعبودات العربية الجديدة فيما بعد، وختمها جميعاً بخاتم كبير الآلهة الآشورية».

الدكتور عبدالعزيز علون

عن أسماء هذه المعبودات وتعلقها بمكانة المرأة حينذاك يقول: «لدى العودة إلى أسماء المعبودات السالفة الذكر نجد أن معظم أسمائها هي رموز لمعبودات إناث مثل "دبلات، دية، نوخية، عثر قرمية وعثتر السماوات أو صنم السماوات"، وهذا يعني أن مكانة المرأة العربية في مجتمعها كان الأول، حيث كانت المرأة العربية عظيمة لذلك ليس من المستغرب أن نتعرف على وجه المرأة الجميلة كرمز لأصنام العصر الجاهلي الثاني».

عن بعض المعبودات السوريات والعربيات يقول "علون": «إننا نجد المعبودة "مناة" التي كانت على هيئة ومثال، فعبدت "مناة" عند العرب والأنباط، ويبدو أنه كان لمعبودة "اللات" صلة بالمنية والموت، كما كان صنم "العزى" السمراء واحداً من روائع أصنام العرب التي تعبد في أكثر من موقع في جنوب سورية وفي "تهامة، عسير وشمال اليمن"، ويبدو أن "العزى" العربية كانت صورة للمعبودة اليونانية "أفرودايت" ولفينوس الرومانية باعتبارهما رمزاً للقمر الجميل».

اللات

عن "اللات" ومعبودة الحرب والحكمة يقول "علون": «كانت "اللات" معبودة مؤنثة احتفى العرب بها في جميع مواطنهم، وعندما جاء المد الهيلينستي مع "الإسكندر الكبير" ومملكتي السلوقيين في "آسيا" و البطالمة في "مصر" الفرعونية آخى العرب واليونان والرومان بين معبودة "اللات" ومعبودة الحكمة والحرب "أثينا" وماتزال المتاحف السورية والمصرية واليمنية تضم بين موجوداتها تماثيل المعبودة التي طالما وصفت بالجميلة».

يتابع "علون": «نحن لانحب هنا أن نسترسل مع المعبودات الإناث العربيات الأخريات في الأفق الجاهلي القريب فنقول أن معبودة "ذي الخلصة" كانت على شكل صنم لإمرأة كانت تسميها القبائل العربية "الولية"، وكانت تعبدها بطون قبيلة "هوزان، خثعم، بجيلة وإزدة السراة"، كما كان صنم المعبود العربي "سواع" على صورة إمرأة حسناء، وكانت "نائلة" أو "نايلة" صبية جميلة كرمها عرب الجاهلية بعد أن فجرت في الكعبة ومثلت على شكل حجر ممسوخ، و"رضى" إلهة أنثى تعبد في أكثر من موقع في شبه الجزيرة العربية، وبصورة خاصة لدى بني "ربيعة بت تميم"، وكانت الشمس صنماً لبني "تميم" وعبدته للعديد من القبائل العربية وسموها الإلهة».

الأنثى عبر التاريخ

الأنثى كانت الحاكمة على أوضاع الناس في الحرب والسلم، عن ذلك يقول: «قد لا نقول نافلاً إذا أشرنا إلى أن معظم الأصنام العربية فيما يسمى بالعصر الجاهلي البعيد هي تماثيل لإناث جميلات، كان يظن أنها كانت تملك وتسيطر على أقدار الناس في حلهم وترحالهم في ظل أيام الحرب والسلم، وأن هذا الحب والاحترام والعبادة لإناث المعبودات لم يكرس ولم يتبع عبر عصور طويلة في التاريخ العربي إلا لأن المرأة العربية كانت في تلك الأزمان موضع قداسة واحترام ومكانة عظيمة، فعندما كانت قبيلة "قضاعة" تتعبد هي وقبيلة "الأزد" معبودة "اسمهال" "السعيدة" وكانت ربة "السعيدة" معبودة أنثى سدنتها من بني "عجلان"، كان أحد تماثيلها منصوباً في موقع جبل "أحد" تحج إليه قبيلة "ربيعة"، فإن هذا الخبر لا يعني إلا أن المرأة العربية كانت تمثل بأبهى صورها وهي في حالة الفرح والسعادة والرضا عن النفس».

يتابع "علون": «إننا نرى أن الوثائق العربية المتأخرة التي دونت لأول مرة في مطلع العصر العباسي قد أغفلت المكانة العظيمة للمرأة العربية القديمة: الأفقين الجاهليين القريب والبعيد، وكرست صورة مجتمع متخلف كان غارقاً في التعصب ضد منزلة المرأة وظالماً في رواياته عن وأد البنات وكشف شراسة نساء من أمثال "هند بنت عتبة" أم الخليفة "معاوية بن أبي سفيان"، واستهتار بعض نساء علية القوم في أواخر العصر الجاهلي».

في نهاية لقائنا مع الدكتور والباحث في تاريخ الفن "عبدالعزيز علون" قال: «لا بد من التأكيد هنا على أن الوجه الجميل للمرأة العربية كان صورة لحسان يمثلن الشمس والقمر والقدر المحتوم "المنية أو مناة"، ولا ننسى هنا أن المفهوم العربي عن الأمومة في العصر الجاهلي كان صورة لتمثال حفظته وثائق العصر الجاهلي يمثل معبودة "اللات" على شكل أم تضم إلى صدرها ابنتيها الجميلتين معبودتي "العزى ومناة"، وكانت جميع قبائل عرب الحجاز والمجتمعات العربية القاطنة عند هضبة "الصفا" جنوب سورية وفوق الهضبة الوسطى حول "تدمر" والسهول الشمالية في "اليمن" وشرقي نهر "االنيل"، كانت تقدس هذه الصورة الرائعة للمرأة، لذلك نخلص إلى التأكيد على أن المجتمع الإلهي العربي في الجاهلية في بعديها القريب والسحيق كان قائماً في أساسه على مقولة أن المرأة صنم معبود ومكرس للاحترام».