"العروبة" تلك الكلمة التي تحمل الكثير من الشجون لجيل بداية القرن الماضي، والكثير من الذكريات لمناضلي الفكر القومي في أواسطه، وشيئاً من الحاجة للمفكرين الشباب الذين يرون أنها ضرورة عصرية مع أنها لا تدغدغ عواطفهم كثيراً، تبقى صلة الوصل والرابط الأهم لأمة العرب من محيطها إلى خليجها، تحمل الحلم العربي، وتعبر عن لغة الضاد، وترسم أفق المستقبل الغامض بشيء من التفاؤل... في ختام مؤتمر "العروبة والمستقبل" الذي عقد في دمشق ما بين 15/5 و19/5/2010 كان لموقع eSyria وقفة استطلاع لبعض الآراء لمشاركين في هذا المؤتمر.

جاء المؤتمر ليعطي للعروبة أبعادها وليس لتعريفها

لا الشعر لا يتنحّى جانباً، لاحظنا الآن في ختام المؤتمر أن هناك رسالة من الشاعر الكبير "سليمان العيسى"، هذا يعني أن الشعر لا يتنحّى، الشعر شكل دائماً رافعة من روافع هذه الأمة على المستوى الثقافي، وبتقديري أن الجبهة الثقافية الآن مهمة أهمية بقية الجبهات الأخرى، الجبهة الثقافية هي التي يجب أن تنشأ كرديف مهم لعمل سياسي طويل الأمد وكفاح متعدد الأشكال بما في ذلك الكفاح المسلح

النائب اللبناني السابق "زاهر الخطيب" قال في المؤتمر: «القضية أعمق من أن تكون أهمية مؤتمرات بقدر ما يستجيب هذا المؤتمر على تحدّ راهن لمقولة يبدو أن من يستهدف العروبة يروّج أنه قد ولّى عهدها تاريخياً وسياسياً، وأنه لم يعد ثمة عروبة أو أمة أو قومية عربية، وأنها فكرة غير واقعية وأن المؤمن بالعروبة يتكلم لغة خشبية وهذا حنين للماضي، كل هذه المقولة جاء المؤتمر ليعطي للعروبة أبعادها وليس تعريفها، أي العروبة كانتماء ووعي، العروبة واللغة، العروبة والدين، العروبة والثقافة... كل المحاور التي طرحها المؤتمر، ليجيب ويؤكد في النهاية أن من يناهض أو يروّج أن العروبة مضت إنما يفعل ذلك من موقع استعماري وليس سوى أن العروبة كأمة أو كقومية تتميّز عن سائر القوميات، فكيف بالتالي أن تغيب العروبة أو تغيب القومية العربية في حين نجد أنه في التجمعات ما فوق القومية يبدو أن الدول من قوميات مختلفة تلتقي في إطار الاتحاد الأوروبي، منظمة التجارة العالمية، منظمة الأمم المتحدة، الأمة الأمريكية والحلم الأمريكي، كل ذلك تأكيد وترسيخ أن الأمة مازالت بألف عافية، كيف يمكن أو يعقل أن ينادوا بشرق أوسط جديد يضاف إليه الكيان الصهيوني العنصري الاستيطاني ولا إمكانية- حسب فهمهم- لوطن عربي أو منطقة عربية تتوحد؟ إذاً نحن أمام تحدّ، في هذا المؤتمر استجمعت عناصر القوة أو عناصر الانتماء والهوية والتراث واللغة والهموم والتحديات: التجزئة والتحرر... إلخ، استجمعت كلها في هذا المؤتمر ليقال لا، نحن أمة قادرة على النهوض».

الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد

ويوضح النائب "الخطيب" أيضاً: «برأيي التنظير والفكر ضروري والنضال الفكري والتنظيري هو يسبق النضال الميداني، فمثلاً اليوم عندما تواجه منطقاً يقول: ولى عهد العروبة، ينبغي أولاً أن ترد على هذا الادعاء لكي ترسخ أن العروبة لم تنته وليست حنيناً للماضي، عندها تطرح البرامج، أنا مثلاً قدمت مذكرة ضمنتها مقترحات لاستنهاض الشباب العربي رداً على: كيف يغيب الشباب العربي؟ فوضعت عشر مقترحات إجرائية لاستنهاض الشباب، بدءاً بمدرسة فكرية، مكتبات، ندوات، مخيمات، محاضرات يلقيها رواد من الفكر القومي العربي... وهناك ورقة أخرى قدمتها أيضاً، إذاً المؤتمر انطلاقة لا بد منها ومفيدة جداً».

الشعر لا يتنحّى

الشاعر الفلسطيني "خالد أبو خالد" عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين قال: «أرى أن مثل هذه المؤتمرات مهمة لأنها تحرك الواقع الراكد للأمة، سبق هذا المؤتمر مؤتمر آخر مهم هو مؤتمر "تجديد الفكر القومي"، وهذا المؤتمر أهميته أنه يحاول استقطاب مجموعة من المفكرين وأصحاب الأطروحات لكي يقولوا رأيهم فيما يتعلق بالعروبة والمستقبل، بمعنى أن يعيدوا النظر بمفاهيم سابقة وأن يثبّتوا مفاهيم راهنة وأن يتطلعوا إلى المستقبل، الهوامش كانت مهمة جداً في داخل هذا المؤتمر حيث أتيح لكل باحث أن يقول يراه وما يتطلع إليه، والهوامش أيضاً في مثل هذه المؤتمرات تجعل المرء يتمنى لو أن هذه الهوامش موجودة في الشوارع العربية، في داخل المؤتمر الهوامش واسعة جداً، في الساحات العربية ليس هناك هوامش».

الدكتور أشرف البيومي

وأضاف "أبو خالد": «كان لي وجهة نظر في مداخلة قصيرة أن مستقبل العروبة لا يمكن أن يتبلور إلا بالصراع، فقد تبلور في بداية قرن ما يسمى النهضة العربية بالصراع، وتبلور في أفق الحركة القومية في الخمسينيات من القرن الماضي أيضاً بالصراع، ومن ثم لا بد أن يتبلور مثل هذا المفهوم أيضاً بالصراع، وكنت أتمنى لو نجح مشروع تعريب المقاومة العربية ضد المحتل الصهيوني ومرتكزاته على الأرض العربية، لكُنّا تجنبنا هذا التردي الذي نحن فيه، ومن هنا أنا أدعو إلى تعريب المقاومة العربية على الصعيد الشعبي وعلى الصعيد الرسمي أينما كان ذلك ممكناً، ودون ذلك لا نستطيع مواجهة العدو الصهيوني، لأنك تلاحظ أخيراً أن اللجنة الرباعية فرضت على هذه الأمة أن تقبل بالعدو الصهيوني ككيان مزروع في أرضنا، ثم يناقشون بعد ذلك إن كان ممكناً أن يكون هناك مبادرة عربية أو غير عربية، المهم في الموضوع أن علينا في مواجهة هذه الهجمة الشرسة أن نقف على أقدامنا وأن نواجه بشجاعة، فهذه الحياة لا تستحق أن نموت من دون سبب هكذا».

  • بين الطروحات النظرية والواقع بون شاسع لماذا؟ ما الشيء الذي ينقص؟
  • الدكتورة زبيدة طه

    ** «أنا أيضاً واقعي ومنهجي في رؤية هذه المسألة، لا يمكن القول بأن الفكر يتطابق مع الواقع، ولكن يمكن القول إن التطبيقات على أرض الواقع هي عملية تاريخية طويلة الأمد معقدة ومركبة وتحتاج إلى قوة لكي تطبقها، وإلا تبق الأمور في الحدود النظرية، وفي تقديري أن هذه الأمة استطاعت عبر مسيرها- سواء أخطأ بعض قادتها أو لم يخطئوا- أن تبلور كياناً لهذه الأمة، حيث يمكن القول الآن إن أمة العرب أمة موجودة وقادرة، وهي صاحبة دورات حضارية متتالية، وهذا لا يعني الآن أنها منكفئة، هذا يعني أنها تعيش حالة نتيجة الهجمة، نتيجة الأخطاء، نتيجة سوء التدبير، لكنها في الآخر ستنهض».

  • في هذا الإطار هل تنحّى الشعر جانباً، خاصة الشعر العروبي القومي؟
  • ** «لا الشعر لا يتنحّى جانباً، لاحظنا الآن في ختام المؤتمر أن هناك رسالة من الشاعر الكبير "سليمان العيسى"، هذا يعني أن الشعر لا يتنحّى، الشعر شكل دائماً رافعة من روافع هذه الأمة على المستوى الثقافي، وبتقديري أن الجبهة الثقافية الآن مهمة أهمية بقية الجبهات الأخرى، الجبهة الثقافية هي التي يجب أن تنشأ كرديف مهم لعمل سياسي طويل الأمد وكفاح متعدد الأشكال بما في ذلك الكفاح المسلح».

    وهناك أمور كثيرة نتيجتها غير ثورية

    الدكتور "أشرف البيومي" من مصر أستاذ في مجال الفيزياء الكيميائية، قال في المؤتمر: «ممكن أن نأخذ المؤتمر في جوانب متعددة، ولكن أنا أرى أنه كان من الممكن أن يكون هناك أشياء كثيرة أفضل، وأنا ضد ما يقال من أن هذه المؤتمرات هي حكي فارغ، فأنا استفدت من هذا المؤتمر في بعض المقالات، ثانياً أصبحت متحفز أكثر لعطاء أكثر، ثالثاً حصلت علاقات جانبية أنا أعتقد أنها مهمة، فيجب ألا ننتقص من أهمية هذا المؤتمر، رابعاً هناك اقتراحات قدمناها نحن مثلاً أن يقام مثل هذا المؤتمر في مدرج من مدرجات جامعة دمشق وليس في فندق الشام مع أنه جميل جداً، حتى يكون هناك تفاعل أكبر، فهذا ليس تضييعاً للوقت بل أعتقد أنه عمل إيجابي، ولكن هذه المؤتمرات مثل أعمال كثيرة مهمة في الدنيا نعملها ولا نعلم ثمرتها متى؟ يعني ليست كل الأمور نتيجتها تكون ثورية، وهناك أمور كثيرة نتيجتها غير ثورية، أنت عندما تنجب ولداً تنتظر عشرين عاماً حتى تراه شاباً، وترى نتيجة استثمارك في ابنك أو بنتك، هكذا هي الأمور الهامة تحتاج لوقت حتى تظهر نتائج المراد منها، أي نتائجها غير محسوسة بشكل مباشر، مع أنني لمست نتائج محسوسة وفورية لهذا المؤتمر كما أشرت، ولكن الأهم برأيي "لسا جاي"».

    ويضيف الأستاذ "البيومي": «وأظن أنني أكون كاذباً لو قلت لك أن هناك نتائج من المؤتمر عظيمة وفورية، فهذا يكون حاجة خارقة ولا تحدث في أي مؤتمر، وأكثر ما نتمناه أن نرى بعض التوصيات- وخاصة الهامة منها- وقد تحولت إلى فعل، مرة وفي حديث لإحدى القنوات حول مستقبل العلم واسخدامات العلم من قبل الإمبريالية مع مقارنتها عندنا، والحديث كان عن العلم الفيزيائي والكيميائي والبيولوجي بالمعنى العلمي المجرد، تحدثت عن تفعيل ذلك بشكل حقيقي وليس إعلامياً فقط، وترجمته إلى نتائج ملموسة للمواطن في الصحة والاقتصاد.... وهذا ينسحب على مؤتمراتنا من وجهة نظري».

    التوصيات أهم

    الدكتور "حسن حنفي" من مصر اعتذر عن إبداء رأي وأعادنا إلى توصيات المؤتمر فهي- كما يرى- تتضمن ما نبحث عنه من آراء عند الجميع.

    مزيد من تعميق النقاش

    الدكتور "كمال عبد اللطيف" أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة "محمد الخامس" في "الرباط"- المغرب، قال: «أهمية المؤتمر ليس في الخلاصات التي انتهى إليها، ولا في العروض التي قدمت، برأيي، أهميته في كونه فتح النقاش بكثير من العمق في أسئلة النهوض العربي في مستقبل العروبة، ولكن من يتابع المؤتمر يكتشف أن المناقشات كانت ملأى بالمتناقضات، وكانت تتداخل فيها لغات متعددة، وفي نظري هذا التداخل لم يكن سلبياً دائماً، ذلك أنه يكشف عن الصراعات الذهنية القائمة في الفكر العربي في موضوع مستقبل العروبة، وعندما ننظر إلى الأمر بصورة إيجابية نتبيّن أن هذا اللقاء يعد بالفعل خطوة هامة في باب توسيع دائرة النقاش وترسيخ بعض القيم التي يناضل العرب من أجلها جميعاً: مستقبل العروبة».

  • برأيك الخطوة التالية، ماذا يجب أن تكون؟
  • ** «الخطوة التالية مزيد من تعميق النقاش لأن المؤتمر توقف أمام إشكالات كبيرة ولم يحسم فيها وليس المطلوب منه بالضرورة الحسم فيها، ولكن تعميق النقاش فيها يقتضي تخصيص حلقة دراسية، أو إقامة مؤتمرات لمقاربة قضايا جزئية من أجل مزيد من النظر النقدي في كل القضايا العربية وفي مستقبل العروبة بالذات.

    وما أكثر الخطوات التي نتمنى تطبيقها على أرض الواقع، كل خطوة تتحقق ستكون مفيدة، أنا لا أريد أن أكون طوباوياً، أعرف أن هناك عناد في الواقع وأن الدولة القطرية أمر قائم وأن التناقضات في الواقع العربي بالمستوى الرسمي قائمة، ولكن الذي يشتغل في هذا الباب يجب أن يتحلى بكثير من التفاؤل والأمل في مستقبل عروبة أفضل».

    علينا الوعي ثم الوعي ثم الوعي

    الدكتورة "زبيدة طه" من سورية أستاذة علم النفس الاجتماعي، قالت: «نحن نعيش في الوطن العربي ظرفاً صعباً جداً، نكون أو لا نكون، حولنا تحديات كبيرة وتحاك لأمتنا العربية المؤامرات، فنرى تكالب القوى الخفية أو المباشرة في كل أجزاء وطننا العربي من السودان إلى الصومال فالخليج فضلاً عن العراق وفلسطين... أهمية هذا المؤتمر كامنة في عنوانه، وكنت أتمنى على الباحثين وأصحاب الأوراق أن يطرحوا لنا ماذا علينا أن نفعل مستقبلاً لنتصدى لمثل هذه المؤامرات؟ ونحن إذا ما وقفنا متأملين نرى عندما احتلت أمريكا العراق لماذا أول ما استباحوا فيه الآثار والمتاحف الوطنية؟ بدؤوا بالآثار، بدؤوا بالتراث، أولاً محوا كل ما يخزن لذاكرة الأمة من أجل أن ينتج لدينا جيل لقيط بلا هوية، بلا تراث.... ماذا علينا أن نفعل؟ علينا الوعي ثم الوعي ثم الوعي، فقط أقف عند كلمة عروبة: هي انتماء، هي حضارة، هي هوية لنا وهي كما نحياها نحن أيضاً، فلا بد أن ندافع عنها لأنها هي مستقبل أمتنا من المحيط إلى الخليج، وإذا ما قارنا مع أوروبا فنحن نختلف بأن اللغة تساعدنا، التداخل الجغرافي يساعدنا، التاريخ المشترك يساعدنا، وهناك الموروث الحضاري والإنساني والديني كله مشترك، لماذا أوروبا رغم التقاتل في حربين عالميتين فكروا بأن يقوموا بوحدة أوروبية؟ ولماذا نحن نقف عاجزين عن القيام بما تقوم به أوروبا رغم ما يجمعنا ولا يجمعهم؟».

    المؤتمر أصبح انعقاده دورياً سنوياً

    المحلل السياسي "منوّخ عبد الواحد" من سورية، يرى أن مثل هذه المؤتمرات تشكل حلقة وصل بين المثقفين العرب وتعطي نتائج مستقبلية من خلال تلاقح أفكار هذه النخبة من المثقفين العرب من مختلف أقطارهم، وقال: «المؤتمر أصبح انعقاده دورياً سنوياً تحت إشراف الدكتورة "نجاح العطار" نائب الرئيس، و"دمشق" تستقبل وتهتم بالعروبة وبالقضايا العربية، ولهذا المؤتمر أهمية كبيرة، فنحن الآن نواجه هجمة كبيرة جداً وشرسة من أمريكا وإسرائيل ومن لف لفّهما ولذلك يجب أن نكون متيقظين، وهذا المؤتمر شكل حلقة وصل متصلة جماهيرياً وشعبياً وثقافياً وسياسياً وهو ملتقى للمثقفين والسياسيين والباحثين والمفكرين، حتى يكون هناك ترابط في الفكر وفي المبدأ وفي النهج وفي التلاحم القومي الوطني، ونحن نمر بظروف استثنائية خاصة بوجود الأساطيل الأمريكية التي تجوب منطقتنا، ونحن طالبنا بأن يكون المؤتمر دورياً ومتطور جداً وأن يكون برنامجه أكبر من ذلك بكثير.

    على جماهير أمتنا وشعبنا من المحيط للخليج أن يكونوا يقضين متيقضين، لأن المشروع الصهيوأميركي ومشروع إسرائيل التي فشلت في غزة وقهرت أمام المقاومة تحاول امتصاص الصدمة ومعاودة الكرة، وعلينا الاستفادة من هذا الموقف القوي الآن خاصة أن إسرائيل وباعتراف ساستها وقادتها قد تعرّت وظهرت على حقيقتها العنصرية الدموية أمام العالم بعد حرب غزة».