«إن التبلور الكياني العربي على الصعيد القومي لم يتم مرة، ولا يبدو أنه يحوز سيرورة تطوره خارج التعاطي السياسي مع الظروف الإقليمية والدولية المحيطة خارج الصراع والغزوات الخارجية، وذلك بالنسبة للدول ذات البنى الاقتصادية- الاجتماعية المتطورة نسبياً، وعلى سبيل المثال فإن مصر التي امتلكت منذ القرن التاسع عشر إمكانية موضوعية لإنجاز تطور كياني خاص سرعان ما وجدت أن ذلك مرتبط كل الارتباط بالامتداد إلى المشرق والمواجهة مع الغزوات الخارجية».

هذا ما أجاب به الدكتور "موفق محادين" من الأردن لموقع eSyria حول: كيف تحقق الأمة ذاتها في غياب الشروط التقليدية للسوق؟

من الصعب الحديث عن مفهوم الأمة قبل أو دون الحديث عن مفهوم الهوية

الدكتور "يوسف سلامة" من سورية (أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق) قدم تعريفات متنوعة لمفاهيم العروبة والأمة والقومية، مستعرضاً أهم المفاصل التي مرت بها الأمة العربية بدءاً بالحالة العربية الأولى التي واجهت الشعوبية في العصر الأموي الذي امتدت فتوحاته على أراض غير عربية، وضمت في دولتها الإسلامية شعوباً غير عربية، إذ طرحت فكرة العربي والعروبة التي تصدت لمواجهة المد الشعوبي، ومن ثم خلال فترة الحكم العثماني للبلاد العربية حيث نهضت الفكرة العربية ضد سياسة التتريك، وكانت الحالة- من وجهة نظر الباحث- دفاعية ضد طمس هويتها أو أهم معلم من معالم هويتها ألا وهي اللغة، ولاحقاً وقفت بمواجهة الغزو الأوروبي الغربي للبلاد العربية، متصدية للتقسيم وإن لم تفلح في مقاومته.

الدكتورة العطار أول الحضور

ويتطرق الدكتور "سلامة" إلى أهم أسباب الضعف والانقسام في الواقع العربي الحالي، مُرجعاً الأسباب إلى أسباب داخلية وأخرى خارجية، موضحاً أن الأسباب تعود إلى «أصوليات ثلاث: الأصولية الإسلامية وهي عامل داخلي يضرب مفهوم العروبة ويطمسه أمام طرح دولة إسلامية شاملة، وأصولية يهودية خارجية- بالنسبة للعروبة- تهيمن على المال ترسم للسيطرة على العالم، وأصولية مسيحية خارجية تتمثل بمحاولة إلغاء الآخر من الأقليات في الغرب أو تهميشه وإقصائه».

ويرى للخروج من هذا الواقع الحالي الانقسامي أن «واقع الأمة لا يحتاج لحلم ويجب ألا نقفز فوقه ونتمسك بطرح العروبة كحل أوحد لا بديل منه، فالواقع يحتم علينا أن نفكر ونتجه إلى طريقة مغايرة، ويجب التسليم بوجود الأقطار العربية ومحاولة اكتشاف مسالك تحقق نوعاً من المصالح والتقارب وأن نشارك شركاءنا ولنا في التجربة الأوروبية مثلاً وإن أصبح حلماً عندنا أن نحقق ما حققوا، وعلينا إيجاد مصالح عربية مشتركة في إطار عربي متفق، وعلى أقل تقدير يجب ألا نجعل من العروبة شماعة نعلق عليها الكثير من التقصير والارتكابات، فلا تنمية دون وحدة العروبة، ولا تقدم دونها، وليس من المهم النظر إلى الحريات وحقوق الإنسان وكرامته دون العروبة ووو... وكأن الحياة تتوقف تماماً دون تحقيق الوحدة الاندماجية، كمن يطرح القضية الفلسطينية سبباً لعدم التنمية والتطور والحرية وغيرها، فكلها مؤجلة إلى ما بعد التحرير... أرى أن هذا خطأ فادحاً، وهذه القضايا يجب أن تتطور متسايرة متوافقة في آن، حيث تأتي أفكار: التكامل الاقتصادي العربي، التنسيق، التفاهم، وحدة المصير، الدفاع المشترك..... مع طرح التنمية في كل قطر، وطرح التطور ورفع المستوى الاجتماعي الثقافي والاقتصادي و.... واحترام حرية المواطن وكرامته، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، واحترام فكرة الديمقراطية، وأهم شيء علمنة العروبة وطرحها في إطار حضاري ثقافي جديد».

الأستاذة ذكاء الجابي ومجموعة من الباحثين

وأورد الدكتور "موفق محادين" عدة مفاهيم وتعاريف للهوية في إطار تحديدها «من الصعب الحديث عن مفهوم الأمة قبل أو دون الحديث عن مفهوم الهوية»، مستعرضاً آراء الكثيرين من فلاسفة الغرب والشرق، ومقارناً مع حال الهوية العربية وما ينضوي تحتها، من علاقة الهوية بالآخر، ثم علاقة الهوية بالأمة، والهوية بالقومية والإقليم المتحد والبعد الثقافي والروحي، وكذلك الرؤية السياسية كمحدد للهوية القومية، لينتقل إلى فكرة السوق الرأسمالي كمحدد ماركسي لنشوء الأمم: «فهذا السوق هو الذي ينقل الأقوام ما قبل الرأسمالية بمكوناتها الثلاثة: اللغة والأرض والتاريخ، إلى الأمم الناجزة وابتداءً من البيان الشيوعي، فرغم أن البيان أكد أنه ليس للعمال وطن إلا أنه أكد الطابع الانتقالي القومي (الاستيلاء على السلطة في كل بلد أولاً) كما تحدث عن أمتين ظالمة ومظلومة، فالاستغلال لا يتم فقط من قبل طبقة لطبقة بل من قبل أمة لأمة».

وحول الأمة والعروبة يتناول الجدل القديم حول العرب وتصنيفهم إلى عرب عاربة وعرب مستعربة، وأن «العرب منذ الابتداء ليسوا جماعة عرقية أو سلالية، كما أن مشروعهم القومي غير المشروع القومي الأوروبي الذي ارتبط بنشأة دولة السوق البرجوازية في البواكير الأولى للثورة الرأسمالية الأوروبية، كما أن مفهوم الأمة العربية لا يطابق الأيديولوجيا الإسلامية التي امتدت لأمم وشعوب وقوميات عديدة فضلاً عن أن مفهوم الأمة عند العرب يشمل أدياناً ومذاهب وسلالات مختلفة».

الدكتور حسن حنفي- مصر

الدكتور "حسن حنفي" من مصر تساءل: «كيف يفكر الباحث العربي؟ عليه برأيي أن يعتمد على نفسه، وأن ينظر للعروبة بفكره ويطبق عليها تنظيره، لا أن يعتمد فكر غيره من العرب والغرب فقط... العروبة ارتبطت بالقهر (العصا والجزرة)، فلماذا لا نربط هذا القهر بموضوع العروبة وننظر له؟ فنحن عرب وحدودنا الأفق في الصحراء، فلا تحدنا حدود مصنوعة من الاستعمار، لماذا لا ننظّر لإزالة هذه الحدود؟».

الدكتور "عصام نعمان" من لبنان أشار إلى أن العرب في أزمة مزمنة مردها إلى جملة عوامل داخلية بنيوية، وخارجية وافدة، فمن العوامل الداخلية أن «الدولة إطار حقوقي- سياسي ينطوي على شعب ومؤسسات، يحكمها دستور وقوانين، وتساوى الجميع أمامها في الحقوق والواجبات، وما نقع عليه في حاضرنا ونظن أنه دولة هو في الواقع نظام، بمعنى آلية لتقاسم السلطة والمصالح والنفوذ والمغانم، وفي النظام تكون الكائنات والأشياء، القيم المادية والمعنوية والعلاقات الاجتماعية في خدمة السلطة وأصحابها».

وأما العوامل الخارجية فتمثلت بوجهة نظره بالحروب التي أنهكت بلاد العرب والتي شنها الفرنجة والمغول وبعدهم دول أوروبا وأمريكا بدءاً بنابليون بونابرت وانتهاءً بجورج بوش «وحرمتها حقبات طويلة من الاستقرار الضروري لتوسيع العمران والإفادة من تراكم الخبرات والتثمير في مشروعات التنمية، وأورثتها مديونية خارجية هائلة، هي الأولى في العالم إذا ما أخذت أقطارها مجتمعة في الحسبان».

ورأى أن هناك نقاطاً مضيئة تلتمع في غمرة العتمة المخيمة، بل إرادة مقاومة مدنية وميدانية متوثبة «تشير إلى استمرار جذوة الثورة والتحرر وسريان شرارة الوعي وتباشير الفعل في صفوف الجماهير الظامئة للحرية والعدالة والكرامة، واقتران ذلك كله بنموّ ملحوظ وواعد لقوى حية ونخب ثقافية وسياسية ملتزمة قضية الأمة على امتداد القارة العربية، ولاسيما في فلسطين وسورية ولبنان والعراق.. تبدو منخرطة حيث يجب أن تكون وتناضل: ميدانياً في مواجهة العدو، ومدنياً في فضاء الثقافة حيث تنشر دعوة الحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية والإبداع».

أ. "مصطفى الحاج إبراهيم" بيّن رأيه في فكرة العروبة والدولة فقال باختصار: «نحن عرب من المحيط إلى الخليج، وإخواننا من الأقليات الموجودون بيننا مثلنا تماماً لهم ما لنا وعليهم ما علينا، لم نفرق بيننا وبينهم في الحقوق والواجبات يوماً، يرجى قراءة التاريخ جيداً، وعدم تشويه التاريخ والحقائق.. وبرأيي الأرض العربية المتفرقة بسبب الحدود المصطنعة هي التي توحدنا وعلينا نحن أن نقوم بتوحيدها وإزالة هذه الحدود التي وضعها الاستعمار».

الدكتور "أحمد ماضي" من الأردن ربط بين المفاهيم المتعددة للعروبة والأمة والقومية وعلاقتها بالأحزاب، وما سببته من خلافات وشقاقات «موضوع القومية والأمة والوحدة والعروبة مازال غائماً وكل واحد يؤوّله بطريقته، وقد اثار الكثير من الجدل وأفضى إلى التباعد والعداوة في بعض الأحيان، وما يزال مثيراً للجدل، وكان سبب خلاف بين الكثيرين وحتى داخل الحزب الواحد ما سبب انقساماً في بعض الأحزاب، والأمثلة كثيرة. ستالين يذهب في تعريفه للقومية إلى أنها ضيقة وتعصبية مقارنة مع الأممية، وظل هذا التعريف مهيمناً إلى حين وخاصة ضمن الأحزاب الشيوعية على انقساماتهان وعندما تسأل القوميين عن المفهوم يذهبون إلى القول أمة عربية واحدة... فمنذ متى كانت الأمة العربية أمة واحدة بمفهوم الأمة؟ وهل نحن شعب عربي واحد في أقطار متعددة؟ أم نحن شعوب عربية في أقطار مشتتة؟».

الدكتور "حيان سلمان" تساءل: «ألا تتفقون معي أن موضوع الشمولية بحاجة إلى توضيح وتحديد؟ هل الشمولية تعني التعدد في وجه من وجوهها؟ أم الوحدة؟ أم القومية....؟. وهل كان هناك عروبة قبل الإسلام؟ وماذا نسمي انتماء القبائل المشتتة المتناحرة حين كانت تتداعى إلى التوحد والتآزر ضد خطر الفرس أو الروم قبل مجيء الإسلام؟».

الأستاذ "محمد البخاري بن سيد المختار" من موريتانيا تحدث عن نمط العلاقات بين أقطار الوطن العربي، وما يمكن أن يباعد بيننا أو هو بحاجة إلى تفاهم وتجاوز قبل غيره من الأنماط: «نحن الآن في الوطن العربي تسود بيننا علاقات رأسمالية متناقضة فيما بينها وفي تبعيتها، وعلينا أن نحدد نوع التناقض الرئيسي بيننا وبين أعدائنا، ومن هذا المنطلق أرى أن التناقض بيننا وبينهم هو تناقض قومي مبني على الصراع الطبقي وهو تناقض رئيسي، فيجب ألا نغلب التناقضات الثانوية على التناقض الرئيسي. فمثلاً هل يمكن إقامة تنمية مستقلة قطرية في ظل التجزئة؟ أم نحن بحاجة للتكامل فيما بين أقطارنا والابتعاد عن التشاحنات والتناقضات الثانوية التي تلهينا عن جوهر القضية؟ برأيي لا سبيل للتنمية إلا بالاندماج في ظل الوحدة، إذ لا يمكن لأي قطر عربي أن يقيم تنمية بمعزل عن الآخر».

الأستاذ "رشاد سلامة" من لبنان تناول بالنقد الأصوليات التي طرحها الدكتور يوسف سلامة، مؤكداً ما ذهب إليه من خطر الأصوليتين الإسلامية واليهودية، ومعارضاً رأيه في الأصولية المسيحية قائلاً: «إذا أردنا أن نقرأ أصولية مسيحية بشكل صحيح فعلينا أن ننظر في ممارسات "جورج بوش" وحلفائه في الغرب وتابعيه من العرب...»، ويتابع في مجال العلمانية التي تثير الجدل بين علمانية الدين وعلمانية المجتمع و... «العلمانية تيار فكري يرى في العلمنة تنوعاً وتعدداً في المجتمعات، وتطويراً للفكر يرتقي إلى فهم الحياة بطريقة مغايرة».