التنمية البشرية أساس كل تنمية، لكن عصبها تنمية ثقافية بمعنى عميق، دقيق وشامل للكلمة، إنها تنمية علوم، معارف نظرية وعملية، قدرات ومهارات تقنية وتطبيقية، وصولاً إلى الإبداع في كل مجال من المجالات.

موقع "eSyria" بتاريخ 5/5/2010 حضر المناقشة أو الحوار الذي طرحه السيد "بدر عمر الدفع" وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للإسكوا، تحت عنوان "البعد الثقافي في التنمية" في مكتبة الأسد العامة، حيث تناول السيد "الدفع" في محاضرته تعريف الثقافة باعتبارها حضارة وأسلوب حياة، وهي تعني كل الجوانب المعيشية اليومية للشعوب، وهذا المفهوم لا يتوقف عن التوسع، وهو يكتسب أبعاداً جديدة كل يوم، عن ذلك يقول "الدفع": «تتعرض الثقافة لتعريفات شتى وتفسيرات متضاربة ويوجد أكثر من 160 تعريفاً لكلمة ثقافة في كتاب "الثقافة" باللغة الإنكليزية، وقد صحَّ أن الدلالات الفعلية لمصطلح "ثقافة" باللغة العربية تدفع بنا إلى المفهوم المعرفي الأدبي الجمالي الفني المتطلع إلى السمو والقيم، إنها مجمل النشاط الإبداعي للإنسان ولاسيما في مجالات الآداب والفنون والعلوم والفكر والأزياء الاجتماعية، وأساليب التعامل الرفيع بين البشر، ويشمل ذلك بالطبع الدور الفعال المتمثل في رعاية الآثار والمتاحف وكل ما من شأنه أن يوطد إنسانية الإنسان، وهذا هو الاتجاه العام الذي تبنته استراتيجية الثقافة العربية "الخطة الشاملة للثقافة العربي" التي أقرها مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الثقافة في البلاد العربية في إطار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1985».

إن موضوع البعد الثقافي للتنمية من المواضيع الهامة التي علينا مناقتشها ووضع الحلول لها، لأن الثقافة ركن أساسي من أركان التنمية البشرية، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، أعتقد أننا بحديثنا عن كل جوانب التنمية يجب أن نتطرق إلى التنمية الثقافية التي تعد من الأركان المهمة كما قلت

كما تطرق "الدفع" في محاضرته إلى أهمية الثقافة ودورها في الخطط الإنمائية التي وضعتها بلدان كإسبانيا مثلاً، حيث تعتبر الثقافة ركناً من أركان التنمية البشرية، الاقتصادية والاجتماعية، وأشار إلى أنه قد أدركت دول العالم كافة أن الثقافة جوهر العملية الإنمائية وتوفّر حلولاً لبعض عوائق التنمية، إذ إنّ العلاقة بين الثقافة والتنمية علاقة عضوية، فتحسين ظروف العيش الإنساني لم يعد يترجم فقط بزيادة المداخيل، بل يفترض تحسيناً مستمراً لنوعية الحياة نفسها، كما يفترض تطلعاً نحو قيم جديدة، عن ذلك يقول: «كانت كلمة التنمية مثل كلمة العولمة اليوم تتجه إلى تدعيم القاعدة المادية أو البنية التحتية للمجتمع المقصود بالتنمية، وقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين مفهوماً جديداً متكاملاً يمكن أن يصبح أساساً لمشاريع التطور ومجال تسابق بين الأمم وهو التكامل بين التنمية والثقافة، وهذا يعني بالتحديد أن التنمية لا تقوم على مجرد الحصول على السلع والخدمات وتحقيق الإنتاج الصناعي والمتقدم وتطوير الزراعة والتجارة، ورفع المستوى المعيشي للناس، بل تعني إتاحة الفرص المساعدة على تأهيلهم ذاتياً لتحقيق حياة متكاملة مرضية ومريحة تحقق الالتزام والسعادة والإبداع في وقت واحد».

من الحضور

يتابع السيد "بدر عمر الدفع" وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للإسكوا: «لا تأتي تنمية ثقافية دون علم وتعلم، معارف نظرية، عملية وخدمات ثقافية من جهة، وقراءة، اطلاع، متابعة وتطبيق، تحصيل علمي وإبداع فكري، أدبي، فني وتقني من جهة أخرى. ما ينقصنا بالدرجة الأولى هو سياسة ثقافية شاملة ترسخ عادة القراءة والتعلق بالكتاب والاستفادة مما يقرأ، وتنمية الوعي المعرفي، فهل نجعل من يوم القراءة العالمي 23/نيسان من كل عام يوم احتفاء بالقراءة ومحفزاً عليها بوسائل مشجعة وتظاهرات تهتم بالقراء الواعين مقارنة مع ما ينتج في العالم من كتب مثل "هولندا" و"إسبانيا"؟».

وخلال حديثه أضاء السيد "الدفع" من خلال محاضرته إلى واقع المنطقة العربية التي أسهمت حضارتها في توسع وارتقاء الحضارة الإنسانية في كافة الثقافات والحضارات العالمية، ولاسيما في عصرها الذهبي الذي امتدت فيه من "الأندلس" غرباً لتخوم "الصين" شرقاً، إنما تعرضت هذه الحضارة إلى نكسات أدّت إلى تراجعها وتحوّلها من منتج إلى متلقٍ يستهلك إنتاج الثقافات الأخرى: «يرى بعض المختصين أن السمة الغالبة على ثقافتنا الراهنة هي سمة الاستيراد أو التمثل بالآخر وثقافته، وقد ولدت لدينا هذه الحالة شعوراً بالدونية تحوّل إلى أمر ظاهر بل لازم لمساحات كثيرة من المدونات والأفكار التي يعبر عنها في الندوات العامة أو في جلسات النقاش الخاصة، وربما يكون غياب الفخر بإنجازاتنا أو بما نستطيع إنتاجه من العوامل التي تدفعها إلى الركود أو عدم التقدم».

ريم عبدالغني

أسباب عديدة تبرر هذا التراجع، هنا وعن الخطوات التي يمكن اتباعها من أجل إحياء الثقافة العربية وتجديدها كي تكون عاملاً إضافياً إلى جانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية يقول: «إن مجتمعاتنا العربية توّاقة لاستعادة دورها الثقافي والريادي، وهي تبحث عن المخارج المناسبة لذلك لأنها متسلحة بتاريخ مهما قيل عنه يبقى عريقاً، غنياً، كبيراً ونزيهاً، ولا بد لها في هذا الإطار أن تعطي للأجيال الصاعدة مساحة رحبة من الحرية والشجاعة الثقافية في ظل قيادات تعي أهمية الانتصار عن طريق الثقافة بكل أبعادها الاقتصادية، الاجتماعية، الفكرية، الفنية والسلوكية، عندها يكون استعادة دورنا الريادي ممكناً، وعندها قد يقول "نزار قباني" لنا من عليائه: أنا أقدم عاصمة للفرح.... وفرحي يمتد كسرب حمام من دمشق إلى الصين».

السيدة "ريم عبد الغني" رئيسة مركز "تريم" للعامرة والتراث، عقبت على ذلك: «إن موضوع البعد الثقافي للتنمية من المواضيع الهامة التي علينا مناقتشها ووضع الحلول لها، لأن الثقافة ركن أساسي من أركان التنمية البشرية، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، أعتقد أننا بحديثنا عن كل جوانب التنمية يجب أن نتطرق إلى التنمية الثقافية التي تعد من الأركان المهمة كما قلت».

الدفع مع الحضور

الجدير ذكره أنه في 30/تموز 2007 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة السيد "بان كي مون" تعيين السفير "بدر عمر الدفع" وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للإسكوا، أميناً تنفيذياً للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا".

وقد كان السيد "الدفع" يشغل سابقاً منصب سفير دولة "قطر" لدى الولايات المتحدة الأمريكية، والمراقب الدائم لدى منظمة الدول الأمريكية، وفي هذا الإطار اضطلع بدور خاص في تعزيز التربية والتعليم والفنون في الجالية العربية- الأمريكية وعلى مستوى الأقليات في الولايات المتحدة، وتميزت مسيرة السفير "الدفع" الطويلة بالعمل في مجال الشؤون الخارجية والمنظمات غير الحكومية الدولية، كما شمل ذلك تعيينه سفيراً لدولة "قطر" في كل من "الاتحاد الروسي، فرنسا، مصر، اسبانيا، وكان سفيراً غير مقيم لبلاده لدى "فنلندا، اليونان، لاتفيا، ليتونيا، استونيا، سويسرا، المكسيك"، وقد شغل أيضاً منصب رئيس إدارة الشؤون الأوروبية- الأمريكية في وزارة الخارجية القطرية.

حصل السفير "الدفع" على الماجستير في السياسات الدولية العامة من جامعة غربي "ميتشيغن"، وقد نال وسام الاستحقاق من الجمهورية الفرنسية "Ordre du Merite".

وحضر هذا الحوار كل من "عبد الله الدردري" نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، الدكتورة "بثينة شعبان" المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية، والدكتور "محسن بلال" وزير الإعلام و"لمياء عاصي" وزيرة الاقتصاد والتجارة.