العلم هو أبنية نظرية متفرعة ومتولدة من بعضها، تصاغ باللغة والرياضيات بنسب مختلفة، اعتماداً على رؤية مركزية وشاملة للحقل الذي يتصدى العلم لدراسته، وتتأسس أبنية العلم المختلفة على هذه الرؤية، وقد حقق العلم بهذا التعريف افتتاح عمله في ساحة الفيزياء والبيولوجيا، اعتماداً على متولدات تطوره الواقعي، وهو يخطو الآن في مطلع القرن الحادي والعشرين، لينفتح عمله في ساحة الإنسان.

موقع eSyria التقى الأستاذ "محمد ياسين الأخرس"* يوم الثامن والعشرين من شهر نيسان 2010، والذي يؤسس لعلم جديد أطلق عليه اسم "علم الإنسان" يقول معرفاً به: «علم الإنسان هو العلم الموضوعي الذي يدرس الإنسان (امرأة ورجلاً) منذ لحظة ظهورهما على سطح الأرض، ومروراً بكل تاريخهما المحفوظ في الأدبيات اللغوية والآثار والأدوات المادية، وانتهاء بمستقبل الجنس الإنساني على سطح الأرض».

مظاهر صراع الحضارات التي نشبت في دائرتها الأولى بين أتباع حلقات الدين التوحيدي، وفي علاقة الإنسانية بالتكنولوجيا، ومظاهر التغيّر في أنظمة المناخ والبيئة

وعن الرؤية التي يتأسس عليها هذا العلم يقول "الأخرس": «النظر إلى الوجود الإنساني في علاقته التأثيرية مع الكون الفيزيائي، بحيث يربط هذا العلم الإنسان بالكون الفيزيائي كاشفاً ماهية العلاقة بينهما، وطبيعة الدور الكوني للجنس البشري وأهميته».

الفيزياء الحديثة تدرس قوانين الكون

ويحدد "علم الإنسان" الحركة كنقطة للدخول إلى دراسة الجنس الإنساني فيرى مؤسس العلم أن «الحركة هي أداة الإيجاد والتنظيم في الكون الفيزيائي وفي الأجناس الحية ما عدا الإنسان، وفي الجنس الإنساني كذلك؛ وبتوصل علم الإنسان إلى دراسة الحركة الإنسانية، وربطه بالدور الكوني الإنساني بتطور الكون الفيزيائي، فإنه قد امتلك الوضع الدراسي للجنس البشري بالمنهج العلمي الحديث».

وإذا كان العالم الفيزيائي "إسحاق نيوتن" قد تمكن من خلال دراسته لحركة الكواكب اكتشاف قوانين الجاذبية التي اعتبرت بحق هي مبادئ العلم الحديث، فإن "علم الإنسان" في القرن الحادي والعشرين وفي مدينة دمشق قد كشف دور الحركة الإنسانية في تشكل التطور الإنساني، واظهر من خلالها الدور الكوني للجنس الإنساني، وبذلك يكون قد تمكن وللمرّة الأولى من دراسة الإنسان وجوداً وتاريخاً ومستقبلاً بالمنهج العلمي الحديث.

علم الإنسان يدرس قوانين الوجود الإنساني

عن ساحة الدراسة التي يتصدى لها هذا العلم المحدث يقول "محمد ياسين الأخرس": «درس الزيادة على جسم الإنسان التي أحدثها التطور الإنساني الناتج من حركة الإنسان بكل أنواعها، ويبين علم الإنسان أن هذه الزيادة تتحدد في النقاط الأربعة وهي الأرشيف اللغوي الذي خلقته الإنسانية، وظاهرة الاجتماع الإنساني بكل ما تحفل به، وما أخذ يتراكم من التكنولوجيا تالياً، ثم بداية مظاهر التغير في الطبيعة (مناخ وبيئة) حديثاً».

يحسم "علم الإنسان" قضية وجود الجنس الإنساني، بأنه كما يقول "ياسين الأخرس": «يدرس مادته منذ مشهد الافتتاح الذي أعلن عن حضور الإنسان على ساحة الأرض ليحسم بذلك حالة التنازع بين العلماء الذين عملوا في ساحتي الفيزياء والبيولوجيا وبين رجال الدين التوحيدي في مرجعيتهم إلى النص الديني، فيدرس تاريخ الإنسانية من خلال دراسته لكامل إنتاجات الإنسان، محدداً وجود ساحته العلمية بدقة، ومبقياً للروابط التي سيكشفها المتقدم في ساحات علوم الفيزياء والبيولوجيا والإنسان».

أمّا عن مستقبل الجنس البشري فيحدده "علم الإنسان" من خلال طبيعة الدور الكوني الذي كشفه له في إطلاق تطور كوني جديد. وهو من خلال تحديده لملامح المستقبل يبقى ملتزماً التزاماً صارماً بمنهجه العلمي، مبتعداً عن كل أشكال الذاتية التي ما زال احتمال تداخلها مع الموضوعية قائماً في دراسته».

وقد تمكن "علم الإنسان" من أن يطبّق المنهج العلمي على دراسة الإنسان وجوداً وتاريخاً ومستقبلاً، يقول "محمد ياسين الأخرس": «يلزم علم الإنسان دراسيه بالموضوعية مطبقاً ذلك عن طريق الفصل التام بين الدارس كملاحظ وعالم وبين المادة المدروسة كآثار لغوية، أو مظاهر اجتماعية، أو تكنولوجيا، أو تغييرات في البيئة والمناخ، وهذه الموضوعية تجعل كامل الإنتاج الإنساني الزائد على جسم الإنسان مادة لدراسة هذا العلم وبحثه، وهي تؤدي إلى حيادية تامة من الملاحظ العالم اتجاه كامل مكونات الأرشيف، ويبرز في هذا المجال صعوبة هذا التطبيق الذي أمكن بسبب الاشتباك بين الدارس وبين مادته».

أما برهان علم الإنسان فهو البرهان العلمي ذاته: «من حيث هو ظهور معقولية الواقعة المتجسدة في منتج مادي (لغة، اجتماع، تكنولوجيا، تغيرات الطبيعة)، وهذا البرهان يخرج علم الإنسان من حيّز الدراسات الإنسانية الذاتية التي تعتمد على يقين في صدر الباحث اتجاه القضية المدروسة».

يوضح "علم الإنسان" أن مادته المدروسة كتجسدات مادية للحركة الإنسانية «هي مادة لا تنحكم إلى العدد بل إلى الحرف، وذلك لأنها مادة نتجت- في منظور هذا العلم- من خلال عمل النظام الحي المقيم للجسم الإنساني خارج هذا الجسم. وعمل النظام هذا قد تم مركزياً من خلال اللغة كصوت مادي للإنسان، وهذا ما يضع اللغة الإنسانية في نقطة نظر جديدة. لذلك يحدد علم الإنسان- اللغة- بأنها حاملة التطور الإنساني (تأثير النظام الحي خارج الجسم)، ومن هذا المنظور فهي تشكل القسم المركزي والأكبر من المادة التي يدرسها هذا العلم. ولهذا يقوم العلم بتعليل ظهور اللغة ابتداءً، وكيفية حملها لمخزون التطور الإنساني، ودورها في التواصل بين الأفراد. وبذلك يخرج علم الإنسان دراسة اللغة من المنظور المظلم الذي تتخبط به، ويكشف عن دورها في التطور الإنساني».

ويرى "علم الإنسان" أن اختراع التكنولوجيا ومسار تطورها، هو الواقعة التجريبية على صحة منظوره. حيث يعرِّف التكنولوجيا المفتتحة بالمحرك البخاري في القرن الثامن عشر بأنها «موجودات مادية جامدة تحمل الحركة الحيّة التي طورتها ونضجتها تجربة الإنسان التاريخية. وقد نتجت التكنولوجيا من خلال تأثير عامل التطور الإنساني ذاته التي أنتج كل منتجات خط التطور الإنساني السابقة على التكنولوجيا».

وعما أنتجه "علم الإنسان" حتى الآن يقول "محمد ياسين الأخرس": «تعريف الجنس البشري في صياغة علمية، وإظهار لطبيعة الدور الكوني للجنس الإنساني من خلال كشف علاقة الحركة الإنسانية بالحركة الفيزيائية البادئة بالانفجار الكوني العظيم، وهو يحضّر أوائل باحثيه للتخصص في بعض محاوره التي تشكلت بالنشاط الإنساني التاريخي».

يستعد "علم الإنسان" لدراسة أزمات الإنسانية التي تسبب توترها منذ مطلع القرن الحادي والعشرين وقلقها وخوفها كحالة تطبيقية له، ويحددها بأنها «مظاهر صراع الحضارات التي نشبت في دائرتها الأولى بين أتباع حلقات الدين التوحيدي، وفي علاقة الإنسانية بالتكنولوجيا، ومظاهر التغيّر في أنظمة المناخ والبيئة».

ويختم "محمد ياسين الأخرس": «ولأنّ "علم الإنسان" يدرس كلّ ما أنتجه الإنسان، ومنها نشأة علوم الفيزياء والبيولوجيا. فإنه هو الذي سيكون كشّاف درب كل العلوم المادية، وقاعدة تطور الإنسانية المستقبلي».

  • "محمد ياسين الأخرس"، من مواليد دمشق عام 1942، حاصل على إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1969.
  • متفرغ منذ عام 1997 لإنجاز نظريته في علم الإنسان، والتي أطلقها في عام 2005.

    له كتاب تحت الطباعة باللغة العربية والإنكليزية بعنوان "الانفجار العظيم للنظام- الداخل الخارج- نظرية كل الأشياء".