العمارة مفهوم متعلق بحياة الإنسان وطبيعته، ومصطلح له معنى من حيث المضمون والشكل، فالعمارة ليست الصورة فقط بل هي الحاجات الإنسانية، النفسية، الفكرية، الثقافية للإنسان، من هنا أتت محاضرة "العمارة أبعد من الصورة" في "أربعاء تريم" لتشرح لنا المعنى الداخلي والنفسي للعمارة.

موقع "eSyria" بتاريخ 14/4/2010 حضر ندوة "العمارة أبعد من الصورة" التي أقامها مركز "تريم" للعمارة والتراث ضمن سلسلة "أربعاء تريم"، وألقاها رئيس قسم العمارة والتصميم في الجامعة اللبنانية- الأميركية الأستاذ الدكتور "مارون دكاش"، كما أدراها العميد السابق للمعماريين العرب المعمار "رهيف فياض".

العمارة أبعد من الصورة، بمعنى أن نقف في العمارة عند حدود الصور التي تنشر في المجلة اليومية، فهذا هو القحط الثقافي بعينه، العمارة هي أبعد من ذلك بكثير، فهي المضمون وليست الصورة الخارجية، فتعليم فنون العمارة والثقافة العمارية هي من واجب الجهات المختصة؛ وذلك بإدخالها إلى المراحل التعليمية المتعددة بدءاً بالتأسيسية ووصولاً إلى الأكاديمية

حيث تطريق الدكتور "مارون" إلى أهمية النظر بموضوع العمارة من حيث المضمون وليس الشكل فقط، وهنا يقول: «في الوقت الذي نعيش فيه والسرعة التي تنتج فيها التكنولوجيات الجديدة سيطرت الذاتية على علوم الفن كافة؛ بما فيها العمارة. لقد غلبت صورة العمل الآن على محتواه، وغدا البحث عن صورة تلبي تطلبات السوق هو هاجس المعماريين في السنوات الأخيرة، لذا يصعب عليّ كثيراً الحديث عن العمارة وعما هي عليه العمارة اليوم، لطالما تصميم الصورة، بغض النظر عن المحتوى النظري، يمثّل حلولاً لا حصر لها».

مارون دكاش

يتابع "مارون": «إن الانطباع الذي يتركه تكاثرالأغلبية العظمى من الأعمال وتقديمها ونشرها هو أن كل ما نقوم به في العمارة له قيمة، ليس هناك ما هو شنيع، وثمة معنى لوجود كل شيء، كل هذا موجود، ومادام في الأصل موجوداً فهذا يعني أنه يحق له الحضور، إن التكنولوجيا قادرة مثل جراحة التجميل على تقديم العمل وتحويله، بحيث يبدو مقبولاً كفاية بكل تفاصيله، بينما كانت الكلفة وقلة التقدم التكنولوجي تجعلان ذلك متعذراً في ما مضى».

عن الموقع في العمارة يقول الدكتور "مارون": «المواقع والعمارة هي العناصر التي تسمح لنا بوصف تاريخها، فالموقع يحفز الابتكار في مجال العمارة، والعمارة تجعل الموقع مهماً وذا دلالة، أحيلُ في هذا المجال على العمارة التي أفصحت عن البحث الذي يصف القيم الثورية الحديثة في المجتمع من خلال عمارة على صورة احتياجات المجتمع "تجديداً واقتصاداً"، وفي ذاك تصنيف عصري جديد للإسكان، العمل، الاقتصاد والعيش في بيئة عامة مدنية صحية، هذا ما افتقرت ولاتزال تفتقر إليه عمارتنا للمدينة والمنطقة وتاريخها، الذي يجب أن نخترعه ونعرف كيف نصفه اليوم. ينبغي للتاريخ أن يكون محمّلاً أحاسيس وانفعالات، تاريخنا المعاصر باهر، مع ذلك يفتقر إلى هذه القيم المتأتية من تراصف التواريخ المتواجدة ما بين العمارة المدينة والمجتمع».

ريم عبدالغني

وينهي الدكتور "مارون دكاش" حديثه فيقول: «إن مداخلتي هذه هي سرد لأعمالي المعمارية، وذلك عبر وصف العمارة بدلالتها الخاصة وما يمكنها تغييره في البيئة المعمارية، المدنية والاجتماعية، عمارة متواضعة ناتجة عن تفاعلات حضارة مجتمعه، لأن كل ما نفعله في عالمنا العربي هو نسخ أعمال مستوردة من الخارج، لكثرة ما يشغلنا الحصول على نتائج يمكن أن يقال عنها إنها "جميلة"، ولكن هذه التصاميم المعمارية الخالية من أي حس بالنوعية الاجتماعية تظل على هامش ثقافتنا، وهنا يكمن الخطر في أن العمارة، بوصفها قضية للمجتمع المدني، قد جرى تأويلها في مجتمعنا كفن تصميم مجرد من أي حس استفزازي، تماماً كجراحة التجميل».

باتت العمارة في حديث "مارون" أشبه بعمليات التجميل التي تجرى للنساء كما وصفها، هنا وبمداخلة من المعمار "رهيف فياض" يقول: «العمارة أبعد من الصورة، بمعنى أن نقف في العمارة عند حدود الصور التي تنشر في المجلة اليومية، فهذا هو القحط الثقافي بعينه، العمارة هي أبعد من ذلك بكثير، فهي المضمون وليست الصورة الخارجية، فتعليم فنون العمارة والثقافة العمارية هي من واجب الجهات المختصة؛ وذلك بإدخالها إلى المراحل التعليمية المتعددة بدءاً بالتأسيسية ووصولاً إلى الأكاديمية».

من الحضور

أما المهندسة "ريم عبدالغني" فتقول: «"العمارة أبعد من الصورة"؛ المقصود بها أن العمارة ليست شكل فقط، يجب أن تلبي الوظيفة، وحاجات الإنسان، والنواحي النفسية للإنسان، مثلها مثل عماراتنا القديمة، والتي هي تراكم خبرات عشرات السنوات من التجارب، وهنا سيركز الدكتور "مارون دكاش" ليفهم الطلاب والمعماريين ويشاركهم الرأي في أن معظم العمارات القديمة تعتمد على الصرعة، والشيء الجميل اللافت للنظر دون تلبية لحاجاتنا، فهدف العمارة الأولى هو الإنسان، ويجب أن تكون مرآة الحاجات، والمرآة الفكرية والثقافية».

الجدير ذكره أن الدكتور "مارون الدكاش"، معمار، أستاذ جامعي، مواليد 1959، تخرج في جامعة البندقية "IUAV"، ايطاليا سنة 1987 ونال شهادة الدكتوراه في العمارة من الجامعة نفسها سنة 1992، وهو محاضر وباحث في قسم التصميم المعماري في جامعة البندقية 1987-1992، استاذاً محاضراً في قسم العمارة في الجامعة اللبنانية 1992- 1993وفي كلية الفنون الجميلة في جامعة القديس الروح، الكسليك 1992- 1997، وقسم العمارة في الجامعة اللبنانية- الأمريكية 1995- 1997، مدير التحرير لمجلة العمارة "ARTS USEK" 1997- 1999، استاذاً متفرغاً في قسم العمارة في الجامعة اللبنانية- الأمريكية منذ 1998، استاذاً لمشاريع التخرج في مختلف الجامعات المعمارية في: فرنسا، ايطاليا، ألمانيا، اسبانيا، بولندا منذ 1998، مدير معهد التخطيط العمراني في الجامعة اللبنانية- الأمريكية 2000- 2003، منسق لبحث جماعي عن الإيديولوجيات لمورفولوجية المدنية في بيروت 2001- 2003، مدير معهد التخطيط المدني في الجامعة اللبنانية- الأمريكية 2003- 2006.

كما أن مركز "تريم" للعمارة والتراث، مؤسسة غير حكومية، مركزها "دمشق"، أسستها المهندسة "ريم عبد الغني" في كانون الثاني/يناير 2004، تعنى بالتراث والعمارة في العالم العربي من خلال التوثيق، الدراسة، النشر، الإنتاج الفني، تنفيذ المشاريع الهندسية، إكمال الحفاظ والترميم وتبادل الخبرات مع المؤسسات والهيئات والمراكز المماثلة في العالم.