«تمثل المسألة السكانية في بلدان العالم كافةً إحدى أبرز المسائل التي تواجهها السياسات التنموية، وما من بلد في العالم إلا ويواجه مسألته السكانية الخاصة به، غير أن أشكال هذه المسألة ليست واحدة، إذ تختلف باختلاف مراحل تطور تلك البلدان، وقد أظهر تقرير حالة السكان الفرق بين نموذج لمرحلة ما قبل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، مركزاً على السكان كأرقام واتجاهات، ومرحلة ما بعد المؤتمر والذي يركز على تحسين نوعية الحياة للسكان والتنمية المستدامة».

الحديث كان للسيدة "ديليا بارسلونا" نائب مدير المكتب الإقليمي للدول العربية في صندوق الأمم المتحدة للسكان لموقع eSyria بتاريخ 27/4/2009 وأضافت تقول: «أشار التقرير إلى أهمية البناء على الأبحاث الوطنية الرائدة في مجال السكان مسلطاً الضوء على مفهوم "الهبة الديموغرافية" من خلال المؤتمر الوطني للسكان عام 2001، ويبقى هذا المفهوم أولوية هامة في مجال تحقيق التنمية إذا ما أخذ بعين الاعتبار شريحة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10/24 وهي تمثل 33% من مجموع السكان وهي أكثر عرضة للتحديات وخاصة في الصحة الإنجابية».

أشار التقرير إلى أهمية البناء على الأبحاث الوطنية الرائدة في مجال السكان مسلطاً الضوء على مفهوم "الهبة الديموغرافية" من خلال المؤتمر الوطني للسكان عام 2001، ويبقى هذا المفهوم أولوية هامة في مجال تحقيق التنمية إذا ما أخذ بعين الاعتبار شريحة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10/24 وهي تمثل 33% من مجموع السكان وهي أكثر عرضة للتحديات وخاصة في الصحة الإنجابية

ضمن فعاليات ملتقى الأول لحالة السكان في "سورية" موقع eSyria التقى مدير البحوث في الهيئة السورية لشؤون الأسرة الدكتورة "أميرة أحمد" بالحوار التالي:

السيدة ديليا بارسلونا

  • كيف تواجه المسألة السكانية الهيئة السورية لشؤون الأسرة؟
  • ** تختلف المسألة السكانية في البلدان التي تتسم بدخولها في ما يسمى ديموغرافياً مرحلة «التعمر السكاني»، وهي بدرجة أساسية البلدان الغنية التي تنتمي إلى الشريحة العليا في سلّم التنمية البشرية المستدامة عن البلدان التي ما تزال في مرحلة «الفتوة السكانية».

    جانب من الحضور الملتقى

    وتحت وطأة ما يسمى ديموغرافياً بمرحلة النمو السكاني السريع "وهي بدرجة أساسية البلدان النامية التي تنتمي إلى الشريحة الدنيا والمتوسطة في سلم التنمية البشرية المستدامة"، وتختلف المسألة السكانية بين البلدان التي تتسم بوفرة الموارد وبين البلدان التي تتسم بندرة الموارد، كما تختلف بين البلدان التي دخلت في مرحلة الاقتصاد المعرفي بما يعنيه ذلك من تطوير إنتاجية الوحدة الصغرى من الموارد، وخلق موارد جديدة، وبين البلدان التي تعتمد اقتصادياتها بدرجة أساسية على ريع الموارد الآيلة بطبيعة الحال إلى الاستنزاف والنضوب.

  • برأيك ألا تفرض مواجهة المسألة السكانية تحويل تحدياتها من مخاطر إلى فرص تنموية؟
  • الدكتورة أميرة أحمد

    ** لا شك في ذلك ولا بد من القيام بتدخل فعال عبر مجموعة من الإجراءات الكميّة والنوعية المتكاملة فيما بينها، والمؤثرة في اتجاهات النمو السكاني وفي نوعية الخصائص السكانية في ضوء الأهداف التنموية، بينما ترتبط الإجراءات الكميّة عادة بتحديد أهداف محددة في مجال المتغيرات السكانية عموماً وفي مجال الولادات والوفيات خصوصاً، فإن الأهداف النوعية ترتبط بتطوير الخصائص النوعية للسكان، وتعزيز مهاراتهم وقدراتهم البشرية والمعرفية، وتطوير مؤشرات التنمية البشرية، والتأثير على الهجرة الداخلية والخارجية، وعلى التوزع الجغرافي للسكان، وتؤلف مجموع هذه الإجراءات ما يطلق عليه اسم السياسة السكانية، لأن اتجاهات السياسات السكانية تختلف باختلاف التحديات التي تطرحها المسائل السكانية، غير أنها تتسم جميعاً بسمة التدخلية، وتعد جزءاً من سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية العامة في أي دولة، وتستند إلى دراسة علمية لواقع المؤشرات الديموغرافية، ولاسيما أن التغيرات الديموغرافية قد غدت بفضل الثورة العلمية من نوع التغيرات التي يمكن التنبؤ بها، وتحديد دورها في عملية التنمية.

  • هل يمكن تحديد اتجاهات السياسات السكانية التي تتبعها معظم بلدان العالم والتي يمكن الاستفادة من تجاربهم فيها؟
  • ** نعم هناك نوعان من الاتجاهات، سياسة توسعية غير مباشرة اتبعتها البلدان التي دخل هيكلها العمري في مرحلة "التعمر السكاني"، وترمي هذه السياسة إلى تحفيز معدّل الإنجاب، ورفع معدل النمو السكاني، والتطوير المستمر للخصائص السكانية في ضوء معايير رأس المال البشري والمعرفي، والتعويض عن نقص القوة البشرية القادرة على العمل بتطوير الهجرة الخارجية الانتقائية لذوي المهارات والكفاءات المتوسطة والعليا إليها، مقابل "إيصاد" الأبواب أمام الهجرة غير الانتقائية، وثانياً سياسة سكانية "تقييدية" منظمة مباشرة أو غير مباشرة اتبعتها بعض البلدان "الفتية" وترمي إلى تخفيض وتيرة معدل خصوبة المرأة، وبالتالي تخفيض معدل الإنجاب، لضبط ارتفاع معدل النمو السكاني، وتخفيف وطأته على الموارد وعلى عملية التنمية المتحققة، ويتبع كثير منها سياسة تشجيع الهجرة الخارجية "الخارجة" لامتصاص البطالة، واستقطاب التحويلات الخارجية التي مازالت في مختلف البلدان النامية، وتحديداً في الدول العربية المصدرة للهجرة، تفوق المساعدات التنموية والاستثمارات الأجنبية المباشرة في وقت واحد وقد طرحت السياسات التوسعية» في بلدان «التعمر السكاني» والسياسات «التقييدية» في البلدان «الفتية سكانياً، أو التي هي في طور تحولها الديموغرافي من مرحلة النمو السكاني السريع إلى ما يسمى بمرحلة التوازن الديموغرافي المشكلة الأساسية وهي مشكلة العلاقة بين البعد الديموغرافي للسياسات السكانية الذي يقوم على أولوية تنظيم معدل الخصوبة وبين البعد الاجتماعي التنموي، والتي اكتسبت هذه المشكلة خصوصيةً بارزةً في البلدان التي تعاني من التوتر بين ارتفاع معدل النمو السكاني الذي ينمو عادةً بطريقة "هندسية تزايدية"، وبين تناقص الموارد الطبيعية الريعية التي تعتمد عليها اقتصاديات معظم الدول النامية، والتي تنمو بطريقة "حسابية"، ويتمثل التغيير الذي أحدثته الاتجاهات الجديدة في معالجة إشكالية العلاقة ما بين السكان والتنمية في الربط بين تحقيق الأهداف الديموغرافية والأهداف التنموية، في سياق دمج السكان في عملية التنمية بشكل متكامل، وتحول السكان من «موضوع» لعملية التنمية إلى محور وغاية لها. ومعالجة إشكالية العلاقة ما بين السكان والتنمية عبر الربط بين تحقيق الأهداف الديموغرافية والأهداف التنموية، في سياق دمج السكان في عملية التنمية.

    إن العلاقة بين النمو السكاني وبين النمو الاقتصادي تبعاً لهذا الفهم الجديد ليست سالبةً يؤثر النمو السكاني سلبياً في النمو الاقتصادي أو موجبةً يؤثر النمو السكاني إيجابياً في النمو الاقتصادي، أو حياديةً، لا يوجد هناك علاقة ضرورية بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي، بمعنى أن العامل السكاني عامل محايد، أي أن الأساس هو تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي بواسطة التقدم التقاني وتجديد وسائل الإنتاج، بل هي علاقة متكاملة يضطلع فيها العامل السكاني ليس بدور التأثير في التنمية وإنما بدور المساهمة في تكوين عملية التنمية نفسها ودفعها، عبر عدم النظر إلى معدل النمو السكاني في ضوء معدله المئوي الكمي فحسب، بل وفي علاقته بتغيير التركيبة العمرية، ومدى انفتاح النافذة الديموغرافية، بما يعنيه هذا الانفتاح من ارتفاع حجم القوة البشرية التي تنتمي إلى سن العمل، يكمن التغيير هنا في التحول من نظرية "التأثير" السكان عامل مؤثر في التنمية، إلى نظرية المساهمة "السكان جوهر التنمية وأداتها وهدفها"، ومن كون السكان موضوعاً لعملية التنمية إلى تحولهم هدفاً، ومحوراً وأداةً لها، ومع أن النمو الاقتصادي يشكل شرطاً أساساً للتنمية البشرية المستدامة، إلا أنه لا يمكن اختزالها في النمو الاقتصادي وحده، إذ تتجاوز التنمية البشرية المستدامة النمو إلى التنمية في ما بات يمكن تكثيفه في تعبير "الإنسان محور التنمية".

    * ماذا يعني ذلك برأيك؟

    ** يعني ذلك بالنسبة إلى السياسات السكانية في البلدان التي تعاني من ارتفاع معدل النمو السكاني، مثل "سورية" ما يلي: يجب ألا تنطوي السياسات السكانية بأي شكلٍ من الأشكال على تحقيق أية أهداف ديموغرافية بواسطة التوسع باستخدام وسائل تنظيم الأسرة، أو الاكتفاء بذلك بمعزل عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعملية التنمية، لا يعني هذا الربط إهمال تحقيق المرامي الكميّة «التقييدية» لتخفيض معدل النمو السكاني، بل تأسيسها على رؤية متكاملة لأبعاد عملية التنمية يتم فيها دمج السكان في عملية التنمية، وبالتالي تغيير النظرة التقليدية لانخفاض وتيرة معدل النمو السكاني من النظرة الكمية التي ترى فيه مجرد خفض في الأعداد الجديدة من السكان إلى النظرة النوعية التي تربط انخفاض هذا المعدل بتغير التركيبة العمرية للسكان، وانفتاح النافذة الديموغرافية، وبروز آفاق ما بات يسمى بـ«الهبة الديموغرافية» التي سنتوقف عندها لاحقاً من منظور مفهومي سياساتي يتعلق بتحديات عملية التنمية.