وسط جهل كبير في المجتمع لمرض التصلّب اللويحي، والصعوبات التي يواجهها المصابون به، تأسست جمعية "دعم مرضى التصلّب اللويحي"، بهدف نشر التوعية حول أعراضه وسبل علاجه ومستلزمات التعايش معه، وتقديم الدعم المادي والنفسي للمرضى.

هناك حرب بين الألم والصبر، الاستسلام والمقاومة، تحدث داخل جسم وذهن مريض التصلّب اللويحي؛ فقد يبدو أمامك إنساناً طبيعياً، ولكنّه في داخله يعاني الأمرّين، لأنّ مرضه غير معروف كثيراً، فإضافة إلى كل ما يعانيه من أعراض صعبة، يجد صعوبة أكبر في إيجاد الأدوية، وإن وجدها فهذا لا يعني أنّه يمتلك ثمنها الباهظ دوماً!.

وللتحدث عن تفاصيل هذا المرض وما يواجهه المريض من صعوبات، التقت مدوّنة وطن "eSyria" مؤسِّسة الجمعية الدكتورة "هالة شاهين"، التي تحدثت عن مرض التصلب اللويحي قائلة: "إنّ مرض التصلّب اللويحي عبارة عن هجمات مؤلمة، حيث تقوم الخلايا المناعية بمحاربة خلايا الجسم والخلايا العصبية بشكل خاص، وهذا الهجوم يؤدّي إلى حدوث التهاب في المنطقة التي يهاجمها، لذا فإنه في وقت حدوث هذه الحالة يحتاج المريض إلى أخذ إبرة كورتيزون وريدي لكي يتوقّف الالتهاب الناجم عن الهجوم، ولكن الكارثة أنّ كل إبرة من هذه الإبر يبلغ سعرها حوالي 40000 ليرة سورية، والمريض يكون بأمسّ الحاجة إلى خمس جرعات منها، أي إن المريض يحتاج إلى 200 ألف ليرة سورية كي يحمي نفسه من ويلات هذه الهجمة المؤلمة التي من الممكن أن تفقده إحدى حواسه الخمس، أو حتى قدراته البدنية، ولكن هذا المبلغ يفوق قدرة عدد كبير من أفراد المجتمع، فهو يوازي راتب الأشخاص المحظوظين بأجور عالية، في حين يعجز الأغلب عن تأمينه لأنّ سعر الجرعات يتجاوز أجر 5 أشهر متتالية إن عاشوا دون طعام أو شراب، وبالتأكيد هذا غير ممكن، بالإضافة إلى تكاليف المستشفيات، وأيضاً هناك الأدوية كاتمة المناعة التي تؤمنها وزارة الصحة.

عضو مؤسس بالجمعية د"هالة شاهين"

ولكن خلال الفترة الأخيرة، باتت هذه الأدوية تنقطع في الكثير من الأحيان، بسبب العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على سورية، وكذلك فإن المريض يحتاج إلى مسكنات آلام وفيتامين "د" الذي أثبتت الدراسات فائدته لهم، ويحتاج كل هذا البروتوكول العلاجي إلى أموال طائلة، تشكل عبئاً مادياً على المريض، وهناك بعض المرضى يكونون في مراحل متقدّمة من المرض، ويحتاجون إلى مساعدات حركية تساعدهم على المشي ومنها الكرسي المتحرّك، وعلاج فيزيائي ورياضة، كي لا يخسر المريض العضو الذي تضرّر العصب فيه".

وتابعت الدكتورة "شاهين" قائلة: "إنّ الهدف الأول من الجمعية هو الدعم النفسي، لأنّ المريض حسّاس جداً، ويتعرّض للتنمّر من قبل محيطه لأن مرضه لا يزال مجهولاً بالنسبة إلى معظم الناس، كما أنّ المريض يبدو ظاهرياً شخصاً طبيعياً، ولكنّه يعيش أشد الآلام في داخله، أمّا بالنسبة للهدف على المدى البعيد فهو تأسيس مركز خاص للعلاج الشامل لمرضى التصلّب اللويحي، مثل المراكز المنتشرة في دول العالم".

لقطة من فعالية "نجمع الأمل" لدعم مرضى التصلب اللويحي

وبالطبع، ومن أجل الوصول إلى الهدف المنشود، قامت الجمعية خلال فترة التأسيس، بإقامة عدد من الأنشطة والفعاليات للتعريف بالمرض ولفت نظر المجتمع نحوه، وذلك منذ ما يقارب العام ونصف العام، مثل إقامة محاضرات توعوية عن المرض في المراكز الثقافية، وفعاليّة اليوم الأول في سورية لمرضى التصلّب اللويحي في شهر تشرين الثاني من عام 2019، كما تمت إقامة نشاط آخر للمناسبة نفسها في العام التالي، وذلك بالتعاون مع رابطة العلوم العصبية، وبحضور شخصيّات مؤثرة في المجتمع، في فندق "شيراتون" دمشق، وأيضاً أقيم نشاط بعنوان تجمّع "الأمل" في ساحة الأمويين، وهو أول تجمّع يهدف للفت النظر إلى هذا المرض، وفي المرحلة القادمة سيتم استقبال التبرّعات الماليّة، فأحد أهم الأهداف هو تقديم الدعم المادي للمرضى.

ولأنه كما يقال لا يشعر بالألم إلا صاحبه، لذا فقد جاءت الصرخة الأولى التي كانت بمثابة ضوء على هذه الفكرة، من "ميمنات صعيدي"، التي عانت من هذا المرض منذ ستة وعشرين عاماً وحتى اليوم. وقد تحدثت قائلة: "كانت حياتي طبيعية جداً منذ ولادتي وصولاً إلى عمر العشرين، وأثناء ولادتي الأولى، دخلتُ المستشفى لا أشكو شيئاً، وانتهت عملية الإنجاب بفقداني البصر في عيني اليسرى فجأة، ولم أعرف السبب، وأول فكرة راودت ذهني هي مراجعة طبيب عينية، لأنني لم أكن على معرفة بأي تفصيل حول مرض التصلب اللويحي، وبعد زيارة عدة أطباء لكن من دون جدوى، أخذ القدر بيدي إلى الطبيب الماهر "زياد دباغ"، الذي اكتشف حالتي، ووجهني إلى طبيب أعصاب، وهنا بدأت رحلتي الشاقة مع هذا المرض، أخذت الكورتيزون وأوقفت الرضاعة الطبيعية مجبرةً عن مولودتي الصغيرة، إذ إن الكورتيزون سلاح ذو حدين، وسيؤثر في صحة صغيرتي، وإن لم ألجأ إليه ستتطوّر الأعراض التي تصيبني. وكان زوجي هو رفيقي في هذه الرحلة. تأثّر جسدي كثيراً، فالنظر لم يعد إلى عيني اليسرى تماماً، كما تأثر لساني والقسم السفلي من جسدي والمناطق التناسلية، ولكني تعايشت مع هذا المرض بعد مرور وقت طويل، وما دفعني لاقتراح فكرة الجمعية على الصيدلانية "هالة شاهين" هي رغبتي بمساعدة المرضى لاكتشاف مرضهم بوقت مبكر، كي يتمكنوا من التعامل معه قبل أن تتفاقم حالتهم".

عضو مؤسس بالجمعية "ميمنات صعيدي"

الجدير بالذكر أنّ مرض التصلّب اللويحي متعدّد الوجوه والأعراض، فبعض الأشخاص يشعرون بخدر في مكان ما في جسدهم، وآخرون يفقدون إحدى الحواس، بينما يعاني كُثُر من صعوبة في المشي فيضطرون إلى استخدام أجهزة ومعدات تساعدهم على التعايش مع حالتهم الصحية.