لم تكن المشاركة في معرضٍ فني أمراً وارداً لكثيرٍ من نزلاء ونزيلات سجن دمشق المركزي، ولاسيما أنّ عدداً منهم لم يمتهن سابقاً حرفةً يدوية، كما لم تكن فكرة العرض خارج السجن مطروحة بطبيعة الحال.

ومع ذلك أبدى هؤلاء رغبة بتعلّم مهنٍ جديدة حتى كثرت منتجاتهم وتنوعت بدءاً من مشغولات الصدف والموزاييك والمنمنمات، مروراً بالأحذية الجلدية والسيوف والملابس الصوفية، عدا عن لوحات الخط العربي والرسم والتذكارات، كل هذا أصبح اليوم معرضاً قائماً في خان أسعد باشا في دمشق القديمة بعنوان "حرفتي مهنتي" بمشاركة 800 نزيل ونزيلة، وبمساهمة جهات داعمة.

تشرح رئيسة المركز الثقافي في السجن فاتن سلهب لـ "مدونة وطن" أن الوقت الطويل والإحساس بالعزلة والفراغ، إشكاليات كبيرة يعيشها السجناء، لذلك يحاول المركز التخفيف عنهم عبر خطة عمل شهرية، من ضمنها دورات للخياطة واللغات والكمبيوتر والحرف اليدوية، يمكن عدّها خطوة أولى في مشوار التعلّم والتأهيل، وفي النتيجة كان لا بد من تجاوزها نحو التسويق بشكله الأكثر بساطة.

تضيف سلهب: لا جدوى من تعلّم مهنة إذا لم يتح لصاحبها ممارستها والاستفادة منها، فكيف إذا كان صاحب المهنة سجيناً ومبدعاً، لذلك سيعود ريع المعرض لصالح السجناء العاملين، والذين يرغبون قبل كل شيء بالتواصل مع المجتمع، ودفعه ليغيّر أفكاره السلبية عنهم سواء كانوا في السجن أو حتى بعد قضاء فترة عقوبتهم وعودتهم إلى الحياة الطبيعية.

المرشدية العامة للسجون في سورية، واحدة من الجهات التي عملت على تأمين المواد الأولية اللازمة للعمل، تقول الممثلة عنها حنان شحادة للمدونة: حصلنا على الموافقات الرسمية لزيارة سجن دمشق المركزي وسجني اللاذقية وحمص مرتين في الشهر، لتقديم خدمات اجتماعية ونفسية وقانونية، بغض النظر عن انتماء السجين أو الجرم الذي ارتكبه، ولم نتردد في دعم المبدعين الذين أمضوا ساعات طويلة في العمل وبذلوا جهداً كبيراً لإنتاج قطع تراثية ولوحات فنية ترقى لمستوى ما نشاهده في المعارض المُقامة لأصحاب الخبرات.

بدوره يشير المدير التنفيذي لجمعية رعاية المساجين وأسرهم في دمشق حسين الديري إلى أن السجن مكان للعقاب لكنه في نفس الوقت مكان للرعاية، وما صنعه النزلاء في سجن دمشق يؤكد أنهم مواطنون فاعلون في المجتمع، قادرون على العطاء وبإمكانهم الاعتماد على أنفسهم ومساعدة أسرهم.

ويضيف للمدونة: السجين بأمس الحاجة لملأ الفراغ الذي يعيشه، ويجب أن نساعده ليتوقف عن التفكير بالجرم أو الخطأ، لذلك حاولنا شغله بالعمل اليدوي الممتع والمفيد، ومن خلال الاحتكاك اليومي لنا كجمعية تعتمد على نفسها عن طريق عدة مرافق داخل السجون، نؤمن أن النزلاء والنزيلات سيعودون إلى بيوتهم وأصدقائهم بهمة عالية وشوق لبداية صحيحة ومدروسة، اتكاء على مهن تعلموها وأبدعوا فيها.

يذكر أن معرض مشغولات سجن دمشق المركزي (رجال- نساء) افتتح بتاريخ 8/3/ 2021 ، ويُقام برعاية وزارتي الثقافة والداخلية، وبمشاركة المرشدية العامة للسجون في سورية وجمعية رعاية المساجين وأسرهم في دمشق.