إلى جانب مهمتها الترويجية، فإن المهرجانات التراثية أسهمت، وبشكل فاعل في التعريف بالحرف المتوارثة والعريقة، لاسيما تلك التي اندثر الكثير منها مع التطور التكنولوجي. لكن الأزمة التي تمر بها البلاد منذ العام 2011، والتهديد الذي بات يشكله انتشار فيروس كورونا، حدا بشكل كبير من المشاركات التراثية الحية والتفاعل المباشر مع الجمهور بكل فئاته.

تصنف الحرف التقليدية والتراثية على أنها من أكثر الأنشطة الاقتصادية التي تتأثر بالأزمات، ومنذ بداية الحرب التي عصفت بـ"سورية" وتسببت بخسائر اقتصادية هائلة، كان الحرفيون من بين الشرائح الاجتماعية التي دفعت ثمناً باهظاً نتيجة الحرب، وهذا تمثل بحجم المردود السياحي الذي فقدوه نتيجة ضعف الأنشطة الثقافية، وحسب ما تقول "وفاء حسان"، وهي حرفية في مجال "الفسيفساء"، في حديثها لمدوّنة وطن "eSyria" فإنه : «أمام خسائر الحرفيين الكبيرة كان الخيار أنه لا بدّ من الخروج بأقل الخسائر الممكنة، وهذا ما كان له أن يتحقق لولا المبادرات الفردية والأنشطة المقدمة لنا من خلال الجمعيات الأهلية التي أثبتت أنها الحامل المناسب في ظل الأزمات مع زيادة معاناة الحرفيين وقلة الخدمات المقدمة لهم بدءاً من توفير المواد الأولية وإمكانية الحصول عليها وشرائها، لأن حرفة "الفسيفساء" من ضمن الحرف الرائدة والأصيلة والتي لها عمق تاريخي، فأنا ورثت الحرفة عن أجدادي وطورتها بعد خبرة طويلة».

شاركت في العديد من التظاهرات التراثية وكل المعارض والفعاليات وحصلت بإصراري وجهدي على العديد من الشهادات والجوائز حتى في ظل الأزمة الخانقة التي تعرض لها بلدنا وفي ظل الجائحة العالمية "كورونا" لأن الهدف لا يزال هو العمل لكي نعيش بكرامة وبعرق الجبين ونعرف جيداً معنى الولادة من رحم المعاناة مهما كانت

وتعد "جمعية الوفاء" من الجمعيات التي قدمت للحرفيين المبادرة في فضاء جميل أطلق عليه "بيت الشرق للحرف والمهن اليدوية" الذي قدم يد العون والدعم لكل حرفي مهني وعنده مشروعه الخاص لأن الرسالة كانت وستبقى الانفتاح على كل فئات المجتمع بمختلف أطيافه وتقديم الصورة الحقيقية من أهل هذا الإرث الحضاري للأجيال القادمة لترتقي تلك الحرف بالمتابعة والدعم الحقيقي والمعنوي، وتضيف" وفاء": «شاركت في العديد من التظاهرات التراثية وكل المعارض والفعاليات وحصلت بإصراري وجهدي على العديد من الشهادات والجوائز حتى في ظل الأزمة الخانقة التي تعرض لها بلدنا وفي ظل الجائحة العالمية "كورونا" لأن الهدف لا يزال هو العمل لكي نعيش بكرامة وبعرق الجبين ونعرف جيداً معنى الولادة من رحم المعاناة مهما كانت».

الحرفية وفاء حسان

أثّر انتشار الوباء والتقيد بإجراءات الحفاظ على سلامة الحرفيين في إنتاج الحرف المتناهية الصغر وفي عرض الحرف التراثية بالعموم، إذ توقفت هذه الرسائل الثقافية بشكل كلي وفق ما قاله رئيس الثقافة والإعلام في اتحاد الحرفيين بمحافظة "طرطوس" "منذر رمضان"، وكذلك المهرجانات التي تتضمن الترويج لتلك الحرف وتعريف الناس بها بكل تفاصيلها التي باتت محدودة جداً وتراجعت بنسبة 90 % وأصابها نوع من الركود نتيجة الحظر والحجر لأن التطوير والاستفادة من هذه المعارض يحفزان الحرفي على الاستمرارية والتطوير في الإنتاج الحرفي، بالمقابل تأثّر العمل الحرفي بشكل عملي وواقعي وانعكس ذلك على ضعف إنتاج الأيادي الماهرة ومن التحديات الكبيرة التي عاشها الحرفيون امتناعهم عن التنقل في بداية الحظر بين الريف والمدينة للتزود بالمواد اللازمة لإنجاز أعمالهم، وللحفاظ على موروث الأجداد ونقله وتعليمه للأجيال القادمة، لذا لا بدّ من إعادة إنعاش هذه المهرجانات دوماً ودعمها لأنها مصدر دخل حقيقي ولا سيما أنها الوسيلة الأهم في استمرار العمل كي لا يضطر بعض الحرفيين في لحظة إلى ترك عملهم والانتقال إلى أعمال خارجة عن هذا المجال ما لم يتم المحافظة والتطوير بالشكل الأمثل.

"حسن يونس" مسؤول العلاقات العامة في فريق "عمرها" التطوعي يقول عن الحفل أو المهرجان التراثي سواء كان معارض فنية أو أسواق شعبية، أو فعاليات للحرف اليدوية بأنها كانت تقام بهدف التجمع الجماهيري وتقديم فائدة مرجوة مهما كان نوع الاستفادة، لكن مع بدء ظهور الوباء كان هنالك توجه مختلف لبعض الفرق التطوعية منها فريق "عمرها" الذي كان مساهماً ومشاركاً على أرض الواقع في الرصد والتسويق لكثير من المهرجانات سابقاً، منها المهرجان البيئي الثالث بالتعاون مع وزارة السياحة ومحافظة "دمشق" عام 2019، ثم تغيرت طبيعة العمل المجتمعي من حيث التغطية والترويج، وكانت هذه نقطة سلبية وصعبة بالنسبة للفريق، أما من جانب العمل الخيري فقد كانت فترة جيدة جداً خلقت لديهم دافعاً نحو التحدي لأي صعوبات يمكن أن تواجههم، وذلك بتحول العمل التطوعي إلى مسؤولية هامة وحاجة ملحة للمتطوع من جهة وللناس من جهة أخرى عبر تجهيز وتوفير كل ما يلزم طبياً وغذائياً للأشخاص الذين تضررت مصالحهم أثناء فترة الحجر وللأفراد عموماً، ومع نهاية الوباء سيعود الفريق لطبيعة عمله بما يخص الفعاليات والمهرجانات المعنية بإحياء التراث والحفاظ عليه.