إنّ حاجة المجتمعات للفن لا تقل عن أي حاجة أخرى، لكن في بداية تفشّي فيروس "كورونا" توقّفت الفعاليّات الفنية، ثمّ استأنفت عملها مع اتخاذ الإجراءات الوقاية من الفيروس، وكل من الجانبين الفنّي والطبي أكدّا على ضرورة عودة النشاطات الثقافيّة، لانعكاسها الإيجابي على المجتمع.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت الفنّانة "صفاء رقماني" بتاريخ 26 تشرين الأول 2020 لتحدّثنا عن رأيها بعودة الأنشطة الفنيّة بهذه المرحلة من تفشّي فيروس "كورونا" في "سورية"، فقالت: «في بداية تفشّي الفيروس كان الخوف مسيطراً على عقول الناس بسبب ما تمّ تداوله من تحذيرات حول التجمّعات، لكن مع مرور الوقت باتت الحياة دون نكهة وسط كل هذه الضغوط والحرمان من الفعاليّات الفنيّة؛ والتي استمرّت لأسابيع، فعادت الفعاليّات الثقافيّة والأمسيات الفنيّة لكن مع اتّخاذ إجراءات الوقاية، وهذا ما حدث في مسرحيّة "إعدام" التي أقيمت على مسرح "الحمراء"، وقد شاركت بالتمثيل بها بكل شغف وشوق للصعود على المسرح وتقديم الفن للناس، فالفن هو نبض الحياة، ولا بدّ للحياة أن تعود جميلة كما نألفها، بل وممتعة أيضاً رغم أي ظرف، خصوصاً مع ازدياد الوعي باتّخاذ إجراءات الوقاية المناسبة من العدوى، ففي المسرح يجري تعقيم كامل للحضور منذ دخولهم، بالإضافة لفحص درجة الحرارة، مع اشتراط ارتداء الكمامات، عدا عن الأشخاص الذين يلبسون قفّازات من تلقاء أنفسهم، كما أنّ الجلوس على مقاعد الحضور بات آمناً، فلا يسمح لشخصين بالجلوس بجوار بعضهما، وبين كل مقعد وآخر يوجد مقعد يمنع الجلوس عليه للحفاظ على التباعد الاجتماعي».

من المهم للناس أن ترى الجانب الصحّي من عودة الفعاليّات الفنيّة لبلادنا، وخاصّةً أنّ "كورونا" ليس وباء حاداً، ولن يختفي بين يوم وليلة، بل هو كسابقيه من الأوبئة؛ مرض قد يعيش معنا طويلاً، لذا يجب أن نتعايش معه لا أن نقف عاجزين أمامه، ويفرض اليوم بعض شروطه من تباعد واتّباع وسائل أكثر صرامة في ارتداء الكمامات والتعقيم المستمر، لكن كل ذلك لا ينفي أنّه يتوجّب علينا محاصرة المرض بدلاً من جعله يحاصرنا، فمن المهم جداً العودة لكل الفعاليّات المجتمعيّة، والفن جزء مهم من حياتنا وتراثنا الإنساني، لكن سنضيف شرطاً جديداً هو التزام الوقاية بقدر ما نستطيع تجنّباً لإصابات جديدة

وعن أهميّة عودة الفعاليّات الفنيّة بالنسبة لكل من العاملين بها والمتلقّين، قال المايسترو "نزيه أسعد": «أي عمل فنّي أو ثقافي له قيمته الهامّة في كل ظروف الحياة، الاستثنائيّة منها والعاديّة، فالظرف الاستثنائي الذي مرّ به العالم بسبب "كورونا"، وتنفيذ الإجراءات المضادّة لهذا الفيروس، أدّيا إلى السعي لخلق مناخات تعويضيّة نفسيّة للناس المهدّدين بهذا الوباء بعد حجرهم في منازلهم أو حظر تجوالهم، تلك المناخات تجسّدت بمحاولات ترفيهيّة أثناء ذروة الوباء، فاختلفت الطرق والآليّات في ردع العامل النفسي الصعب لدى البشر، وبعد السماح بتنفيذ الأنشطة المختلفة ضمن معايير حذرة للوقاية من "كورونا"، أصبحت الفعاليّات الفنيّة حاجة ضروريّة للتوازن النفسي، وبالطبع أعادت لذوي المهن الفنيّة نشاطهم المهني، وبدا الجميع يمارس حقّه في العمل، وهذا يدعم الاستمراريّة في مختلف الخطوط الفنيّة والثقافيّة، ويحميها من التراجع. أمّا المتلقّي فهو المعني الأوّل من طرح العمل الفنّي، فهو بحاجة تلك المشاعر التي تأخذه من واقعه وتضبط أفكاره وتجعل آلية سلوكه متوازنة».

الفنانة صفاء رقماني

أمّا الطبيب "أحمد محمد" فبيّن رأيه بالنسبة لانعكاسات عودة الفعاليّات على الجانب الصحي، ودورها في تفشّي فيروس "كورونا"، فقال: «من المهم للناس أن ترى الجانب الصحّي من عودة الفعاليّات الفنيّة لبلادنا، وخاصّةً أنّ "كورونا" ليس وباء حاداً، ولن يختفي بين يوم وليلة، بل هو كسابقيه من الأوبئة؛ مرض قد يعيش معنا طويلاً، لذا يجب أن نتعايش معه لا أن نقف عاجزين أمامه، ويفرض اليوم بعض شروطه من تباعد واتّباع وسائل أكثر صرامة في ارتداء الكمامات والتعقيم المستمر، لكن كل ذلك لا ينفي أنّه يتوجّب علينا محاصرة المرض بدلاً من جعله يحاصرنا، فمن المهم جداً العودة لكل الفعاليّات المجتمعيّة، والفن جزء مهم من حياتنا وتراثنا الإنساني، لكن سنضيف شرطاً جديداً هو التزام الوقاية بقدر ما نستطيع تجنّباً لإصابات جديدة».

وحسب استطلاع رأي أجرته "مدوّنة وطن" عن نسبة الأشخاص -من المشاركين بالاستطلاع- الذين كانوا يحضرون فعاليّات ثقافيّة أو فنيّة قبل جائحة "كورونا" فقد كانت النسبة 66.6%، مقابل 33.3% لا يحضرون فعاليّات، وفي استطلاع عن الأشخاص الذين حضروا الفعاليّات منذ عودتها بعد تخفيف قيود الحكومة لإجراءات "كورونا"، والسماح بعودة الفعاليّات الفنيّة من مسرحيّات وأمسيات موسيقيّة وغيره، تبيّن أنّ 77.7% حضروا هذه الفعاليّات إن كان مع أخذ إجراءات الوقاية كالكمامة، أو حتّى الاكتفاء بإجراءات التباعد المتّخذة في مركز الفعاليّة، بينما كانت نسبة الأشخاص الذين لم يحضروا بعد أي فعاليّة 22.2%، إن كان بسبب الخوف من "كورونا" أو حتى لأسباب أخرى، وبعد التدقيق والتحليل بين هاتين النتيجتين تبيّن أنّ نسبة الأشخاص الذين يرتادون الفعاليّات الثقافيّة والفنيّة بعد أزمة "كورونا" وإن انخفضت قليلاً، إلّا أنّها حافظت على معدّلٍ عالٍ ويبلغ 51.7%، وهذا خير دليل على حاجة المجتمع للفن والثقافة في ظل الضغوط النفسيّة التي يعيشها وسط الجائحة العالميّة التي انتشرت في "سورية" كغيرها من الدول.

لقطة من مسرحية "إعدام" تجمع الفنانين "زهير عبد الكريم" و"صفاء رقماني"
لقطة لاستطلاع الرأي الذي قامت به "مدونة وطن"