حملوا على عاتقهم مهمةً ساميةً، وهي رسم البسمة على وجوه أطفال أرهقهم الألم وحاول حرمانهم من الاستمتاع بتفاصيل الفرح، فقدموا لهم بكلّ محبة الرعاية النفسية والصحية، إضافةً إلى تأمين جلّ احتياجاتهم اليومية، لتصبح بذلك مبادرة "ابتسامتي" مصدراً للطاقة الإيجابية لأطفال مرض السرطان.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت وبتاريخ 9 آذار 2020 مع رئيسة المبادرة "ريا شحبر" فقالت: «تأسيس المبادرة كان عام 2017 بعد جولة قمنا بها في منطقة "صافيتا" في محافظة "طرطوس"، تعرفنا خلالها على 5 حالات لمرضى السرطان، ظروفهم المادية كانت صعبة للغاية، وهنا بدأت فكرة المبادرة لمساعدة مرضى السرطان ومواجهة ظروف الحياة الصعبة إلى جانبهم، بإمدادهم بالحاجات الخاصة التي تلزمهم، ومتابعة جانب الأدوية، بالإضافة إلى الأنشطة المتنوعة التي تهدف إلى إخراجهم من جو المرض إلى جو من البسمة والفرح، فالعلاج النفسي والاجتماعي هو جزء هام من حياة مريض السرطان، ومكمل لعلاجه الكيميائي، ولعل أبرز الصعوبات التي تواجهنا في عملنا هو خسارتنا لبعض الأطفال بسبب المرض، فكل طفل نخسره يؤثر فينا فقدانه، كوننا في المبادرة عائلة واحدة مع جميع الأطفال».

لهذه المبادرات قدر كبير من الأهمية فنحن كمجتمع سوري في ظل أزمة طويلة طالت الوطن أدركنا أن لا بدّ من وجود شريحة من المجتمع تعنى بالعمل الأهلي والمجتمعي قادرة أن تكون رديفاً مدنياً حقيقياً للمؤسسات الحكومية وللأفراد المستفيدين ومؤمنين بقوة ابتساماتهم بأنّ المجتمع يبنى بالإنسانية أولاً

وتابعت بالقول: «نحن قادرون على خلق البسمة وزرع الفرح في وجوه أطفال السرطان، ودائماً تعتبر المساهمات الاجتماعية على خلاف أنواعها مهمة، وخاصة في أوقات الحرب، لذا فمن الضروري نشر ثقافة التطوع والعمل الإنساني من خلال مثل هذه المبادرات، ومبادرة "ابتسامتي" تعرفت على أطفال مصابين بالسرطان بحالات مختلفة، فمنهم المهجرون، ومنهم المتضررون فعلياً بسبب الإرهاب في المحافظات السورية، وعاشوا حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار، فهم بحاجة لأيّ مبادرة تخرجهم من جوانب معاناتهم الصحية والاجتماعية».

فريق مبادرة "ابتسامتي"

المدير التنفيذي للمبادرة "مجد عكروش" قال: «مبادرة "ابتسامتي"، أقامت عدة نشاطات نفسية اجتماعية وترفيهية للمصابين بالمرض وعوائلهم، ثم قررنا أنه لا بدّ من التركيز على هذه الشريحة، وخصوصاً في مرحلة ما بعد العلاج الكيميائي كونها شبه معدمة في مختلف جوانب الحياة صحياً، نفسياً، واجتماعياً، لذلك بدأنا بالتوسع وتشكيل كادر مختص، واحتضان عدد من الأطفال المصابين لتأمين الرعاية المناسبة لهم، وتحديداً من الناحية الدوائية، ثم قمنا ببعض المبادرات في عدة محافظات مثل "طرطوس"، "اللاذقية"، "دمشق"، وريفها، مع التركيز على تأهيل الأطفال المصابين وذويهم نفسياً مع أهمية دمجهم في المجتمع ورعايتهم تعليمياً بالتنسيق مع المؤسسات المعنية، وأن يتم العمل على الجانب التوعوي للأهالي بوجود اختصاصيين نفسيين وتربويين، وتأمين كادر طبي ليكون مطلعاً على حالة الأطفال وفي كامل جهوزيته في أوقات الأنشطة التي تقيمها المبادرة التي سميت "ابتسامتي" بإلهام من أطفال جبابرة صنعوا من ابتسامتهم سلاحاً وإرادة يواجهون بها المرض».

وتابع بالقول: «في عام 2017 تم إطلاق المبادرة بحضور ممثلين عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومديرية الشؤون في "دمشق"، وبحضور مجموعة من الشخصيات المجتمعية وسفراء على الصعيد الإنساني في المركز الثقافي في "كفرسوسة" تم من خلاله عرض عمل المبادرة، وعروض مقدمة من الأطفال، وتوزيع السلال الدوائية والبعض من الاحتياجات الشخصية للأطفال وذويهم، أما الآن بعد مرور ما يقارب 3 أعوام على التأسيس تقوم المبادرة بنشاطات دورية للأطفال بمعدل نشاطين شهرياً يتم من خلالها تقديم الأدوية، وما يحتاجه الأطفال من ألبسة ولوازم معيشية، والغذاء المناسب لهم، والمواد الترفيهية الهادفة، كما تم أيضاً التنسيق مع العديد من المؤسسات الحكومية المعنية كوزارة الثقافة ليتم تزويد المستفيدين بالأنشطة الخاصة بمديرية ثقافة الطفل، ومع مشفى "المجتهد" في "دمشق" لتقديم التسهيلات اللازمة بتقديم الخدمات الطبية من ناحية صور الأشعة والطبقي المحوري والتحاليل الخاصة للأطفال، وتتم جدولة أعمال النشاطات من قبل اختصاصيين نفسيين اجتماعيين وأيضاً بإشرافهم ضمن الأنشطة لمواكبة حالة الأطفال في الاختصاصات ذاتها بشكلٍ دائم لأنّها جزءٌ من العلاج بعد إخضاع المتطوعيين لدورات تدريبية تعنى بمعاملة الطفل، وفي الشهر الثاني من عام 2020، أطلقنا الفيلم القصير "طاقية صوف"، بشكل تطوعي مجاني من قبل مجموعة من الفنانين الشباب كفكرة انطلقت من الفنان الممثل "الياس بغدان" بحضور بعض الأطفال المشاركين بالفيلم، وعوائلهم بالإضافة إلى حضور مجتمعي كبير، كما أن كادر المبادرة قد شارك في حملة "مجد" لزراعة مليون شجرة في "سورية" عام 2020 التي أقيمت تحت رعاية وزارة الزراعة ومجموعة "جوليا دومنا" بمشاركة عدد من الأطفال».

"مجد عكروش" مع طفل من المبادرة

وحول الأهمية الاجتماعية لهذه المبادرة ومثيلاتها قال: «لهذه المبادرات قدر كبير من الأهمية فنحن كمجتمع سوري في ظل أزمة طويلة طالت الوطن أدركنا أن لا بدّ من وجود شريحة من المجتمع تعنى بالعمل الأهلي والمجتمعي قادرة أن تكون رديفاً مدنياً حقيقياً للمؤسسات الحكومية وللأفراد المستفيدين ومؤمنين بقوة ابتساماتهم بأنّ المجتمع يبنى بالإنسانية أولاً».

الفنان "إلياس بغدان" صاحب فكرة الفيلم القصير "طاقية صوف" ومنفذها قال بدوره عن مساهمته في المبادرة بمحتوى مرئي: «المقصود باسم الفيلم هو خوذة المحارب التي يضعها على رأسه ويحارب فيها المرض، وبدأت الفكرة بانتقاء صور لأشخاص حقيقيين بعد نجاتهم من المرض، أو ما زالوا يحاربونه، بالاستعانة بأهاليهم وبمبادرة "ابتسامتي"، وتطوع عدد من الأفراد بكل محبة لصناعة هذا الفيلم، منهم "رامي الحسين"، و"همام ناجي الحايك"، وبعد اكتمال الصورة في أذهاننا تمت الاستعانة بحلاق شعر رجالي "داني نادر"، وخبيرة مكياج "سارة ابراهيم"، وفي المراحل النهائية عمل على تصميم البوستر الخاص بالفيلم "هاني الحسين"، وتم اختيار الموسيقا التي أضاف التعديلات عليها "غياث ديب"، لتكون هذه أسماء صناع "طاقية صوف"، وشعوري بهذه التجربة كان استثنائياً، خاصة بعد تفاعل الناس معه، حيث تم تغيير شكلي وحلاقة شعري فاستغرب الكثيرون ذلك، وهنا شعرت بما يشعر به مرضى السرطان حيث يفقدون شعرهم خلال مراحل العلاج، وفي اليوم العالمي للسرطان تم عرض الفيلم بالتعاون مع فرقة "حبق" المؤلفة من "نور خوري" و"علا محفوض" في "زوايا آرت غاليري" بحي "القصاع" الذي قدم دعمه للمبادرة».

الأطفال المشاركون في فعاليات المبادرة

الدكتور "بهجت عكروش" الأب الروحي لمبادرة "ابتسامتي" بدوره قال عنها: «هي مبادرة إنسانية، فأطفال السرطان يعانون من الألم والخوف الدائم من مفارقة الحياة ما يجعلهم في حالة من الكآبة، ومن هنا انطلقت فكرة المبادرة من خلال الدعم النفسي لهم، فالمناعة النفسية تساعد في عملية تخطي الأوجاع، وهدف هذه المبادرة هو احتضان هؤلاء الأطفال وإدخالهم ضمن المجتمع مع أقرانهم من الأطفال السليمين، وهذا الشعور يولّد لديهم شجاعة وإرادة لمواجهة المرض وتحدي آلامه».