في مشهد لإحدى الحارات الشعبية في العاصمة "دمشق" خلال يوم العطلة نهاراً، تجد العديد من طلاب المدارس صغاراً وكباراً يحملون كتبهم بين أيديهم من دون حقائب، متجهين في جهات مختلفة على عجلٍ أو على مهلٍ، لكن الوجهة واحدة؛ وهي طلب العلم.

"علاء" يتوجه مسرعاً إلى منزل مدرّسة اللغة الإنكليزية التي تعطي دروساً خصوصية بأسعار رمزية، و"مايا" تتوجه على مهلٍ إلى بيت خالها مدرّس الرياضات لمراجعة دورس الأسبوع الماضي، بينما "وديع" وصل في الموعد المحدد إلى المعهد الخاص لأخذ دروس تقوية في مواد مختلفة استعداداً لتقديم الشهادة الثانوية، أما "بتول"، فتقف أمام باب بيت الجيران تنتظر عودة "حلا" الطالبة الجامعية لتساعدها في كتابة موضوع التعبير.

في المشهد المقابل، في إحدى الحارات الراقية ضمن العاصمة أيضاً، قد يكون "علاء" مسرعاً إلى النادي الرياضي، و"مايا" في طريقها إلى صالة ألعاب "المول"، بينما "وديع" يمارس تدريبات الفروسية في مزرعة أبيه، أما "بتول"، فتستعد لدخول حصة تعلم العزف على البيانو. وقد لا يكون ذلك، حيث إن المشهد الأول واقعي، بينما الثاني مفترض.

لكن ما هو لافت للنظر بوضوح؛ توجه أبناء الطبقات الفقيرة أكثر من ذي قبل إلى الدراسة والتعلم مهما كلفهم ذلك؛ إذ إنهم آمنوا أخيراً بأن سلاحهم الوحيد هو العلم، بعد أن بقيت تلك الطبقة مدة طويلة من الزمن ترى أن تدريس أبنائها عبئاً مادياً لا داعي له، وأن الشهادات العلمية لأبناء الطبقات الغنية التي لديها الوقت الكافي لتتعلم بدلاً من قضائه في عمل يُنتج مالاً يُطعم خبزاً.

أغلب آباء وأمهات هذا الجيل من طلاب الطبقات الفقيرة، حتى وإن لم يكونوا قد حصلوا على شهادة علمية قط، يبذلون اليوم كل ما في وسعهم، مادياً ومعنوياً، ليحصل أبناؤهم على شهادات علمية عليا، يرون فيها جوازات سفر لخروجهم من تلك البيئات الفقيرة مادياً، فترسخ في أذهان هؤلاء الطلاب مبدأ آمنوا بصحته؛ أن طريق العلم هو طريق الغد الأفضل، حتى وإن اكتشفوا فيما بعد أنه ليس بالضرورة أن يكون كذلك.