تبقى الحميمية ولمّة العائلة من الطقوس والعادات الأساسية التي تميّز عيد الأم في المجتمع السوري منذ سنوات عدة إلى يومنا هذا، حتى أصبحت أسلوباً من أساليب الحياة الاجتماعية فيه، من خلال تفاصيل الاحتفال بهذه المناسبة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 18 آذار 2017، ربة المنزل "أنيسة فاضل" البالغة من العمر ثمانين عاماً، لتخبرنا عن عادات وطقوس العيد وما يتعلق به من تحضيرات تقوم بها الأسرة السورية، حيث قالت: «يعدّ عيد الأم من الأعياد التي أصبحت عادة يمارس طقوسها المجتمع السوري مرة واحدة من كل عام، فهو فرصة لتستعيد العائلة فيه دفئها الأول وحميميتها الأسرية، فالأم التي جمعت أولادها صغاراً تعيد ذلك مراراً، وخاصة في هذا اليوم الذي يحرص فيه كل أفراد الأسرة على عدم تفويت هذه المناسبة من دون أن يجتمعوا بأمهاتهم ويعبروا عن محبتهم بطرائق شتى تتناسب مع خصوصية كل عائلة، حيث تجتمع العائلة الكبيرة التي تضم الأبناء وزوجاتهم، والبنات وأزواجهن، والأحفاد في جوّ تسوده المحبة والألفة والودّ على مائدة واحدة هم حضروا أصنافها بأنفسهم، مصطحبين معهم الهدايا المختلفة من ورود وملابس وجواهر وحلويات للاحتفال بهذا اليوم مع والدتهم.

دأبت العائلات السورية على تعزيز أواصر المحبة والروابط الاجتماعية فيما بينها، وذلك من خلال الاحتفال بعيد الأم الذي أصبح عادة مجتمعية مرتبطة جذوره بالقديم، حيث ظهر أول مرة في مملكة "ماري" السورية، وتأخذ كلمة "ماري" التي كان ينادي بها السكان في ذلك الوقت معنى "ماما"؛ حيث كانت تستخدم للتحبب والتقرب، كما أطلق اسم "ماري" على الأم في كل اللغات الأوروبية أيام الحضارات القديمة، كما تم اختيار يومه عند قدوم الربيع في 21 آذار وقت الانقلاب الربيعي؛ لأنه يعدّ بداية موسم إنتاج الأرض والماشية، وتخليداً لدور الأم في المجتمعات، وقد قيل فيها الكثير من الأمثال الشعبية التي عبرت عن دورها في المجتمع، مثل: "الأم بتلم" للدلالة على دور الأم في جمع عائلتها، و"بعد الأم احفر وطم" للدلالة على أنه بعد فقدان الأم تتفكك العائلة، وغيرهما من الأمثال التي أصبحت متداولة في المجتمع السوري

وبالنسبة لي لم أعتد منذ طفولتي الاحتفال بهذا اليوم؛ لأنه لم يكن متداولاً في تلك الأيام، فلم أقم بأي احتفال من أجل والدتي، فهذا الطقس الاحتفالي لم يدخل أسرتي إلا منذ خمسين عاماً تقريباً؛ فأبنائي يحتفلون بي، ففي هذا اليوم يأتون من أماكن عملهم في محافظات مختلفة ليكونوا موجودين مع عائلتهم الكبيرة، مصطحبين معهم الهدايا والأكلات المتنوعة التي جهزوها بأنفسهم، وبرأيي إن هدية عيد الأم التي تتوق إليها أي أمّ وتشعرها بالسعادة هي أن تعيش في صحبة أبنائها وأحفادها، والأهم من هذا كله، فالعيد هو اجتماع الأسرة وتعزيز أواصر المحبة بين أفرادها».

روز عبده

تكريم الأمهات ليس وليد اليوم، بل هو عادة اعتادها الناس من قديم الزمان على مستوى العالم كله، فبهذا اليوم يعبر كل فرد عن فرحته بطريقته الخاصة؛ هذا قالته "ياسمين شداد" (طالبة علم نفس)، وتضيف: «يشمل الاحتفال بعيد الأم أكثر من وجه، فمن ناحية يمثل احتفال الأم بأولادها لأنهم منحوها شعوراً رائعاً ومتميزاً بالأمومة، ومن ناحية أخرى يكون تكريماً لما قدمته لهم من حب وحنان وعناية؛ فهو وسيلة للإفصاح والتعبير عن الشكر والامتنان بصراحة، وقضاء وقت معها يجعلها تشعر بأهميتها الخاصة لدى أبنائها في خضم الأشغال والأعباء التي لا تنتهي، أضف إلى أنه منذ القديم كانت الهدايا التي تقدم إلى الأمهات مختلفة ومتنوعة، فكل شخص في الأسرة يحضر هديته بنفسه لأمه، لكن في ظل ارتفاع الأسعار المتزايد لم يعد الدخل الشهري كافياً لشراء أكثر من هدية للأم؛ وهذا ما دفعنا إلى البحث عن طرائق جديدة لتقديم الهدايا للأمهات؛ كاشتراك أكثر من شخص في شراء الهدية، أو مبلغ من المال تستطيع به الأم إحضار ما يلزمها من حاجيات، وهذا اليوم في بيتنا له عاداته وطقوسه المميزة التي لا تغيب، حيث نجهز الهدايا ليس للأم فقط، وإنما للخالات والعمّات والجدّات حصة بالهدايا، كما تنشغل العائلة قبل عدة أيام بتحضير العديد من الأطباق والأطعمة المتنوعة استعداداً للاحتفال».

يحظى عيد الأم بعناية عالمية خاصة، على الرغم من اختلاف عاداته وطقوسه من بلد إلى آخر، وحول طقوس العيد في المجتمع السوري وتناقله عبر السنوات، حدثتنا عنه "روز عبده" ماجستير في علم الاجتماع، وتقول: «دأبت العائلات السورية على تعزيز أواصر المحبة والروابط الاجتماعية فيما بينها، وذلك من خلال الاحتفال بعيد الأم الذي أصبح عادة مجتمعية مرتبطة جذوره بالقديم، حيث ظهر أول مرة في مملكة "ماري" السورية، وتأخذ كلمة "ماري" التي كان ينادي بها السكان في ذلك الوقت معنى "ماما"؛ حيث كانت تستخدم للتحبب والتقرب، كما أطلق اسم "ماري" على الأم في كل اللغات الأوروبية أيام الحضارات القديمة، كما تم اختيار يومه عند قدوم الربيع في 21 آذار وقت الانقلاب الربيعي؛ لأنه يعدّ بداية موسم إنتاج الأرض والماشية، وتخليداً لدور الأم في المجتمعات، وقد قيل فيها الكثير من الأمثال الشعبية التي عبرت عن دورها في المجتمع، مثل: "الأم بتلم" للدلالة على دور الأم في جمع عائلتها، و"بعد الأم احفر وطم" للدلالة على أنه بعد فقدان الأم تتفكك العائلة، وغيرهما من الأمثال التي أصبحت متداولة في المجتمع السوري».

مائدة العائلة بعيد الأم

يذكر أنه في الجمهورية العربية السورية صدر المرسوم رقم "104" عام 1988، بتحديد يوم 21 آذار عطلة رسمية.