في نفس التوقيت من 29 شعبان كل عام ينتظرون معرفة فيما إذا شوهد الهلال أم لا، أغلبهم أمام شاشات التلفاز، والقليلون منهم من خلال عدسات التلسكوب، ومع أن باب المحكمة مفتوح لمن يود الشهادة، لكن ما من طارق.

ترك سكان "دمشق" مهمة التماس هلال شهر رمضان للمعنيين بذلك، حيث ينتظرون إعلان بدء الشهر الكريم على شاشات التلفاز، حيث يقول "نبيل البيش" من سكان "دمشق" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 16 حزيران 2015: «بعد دخول التكنولوجيا على رصد الهلال لم يعد هناك من يحاول التماسه والذهاب لتقديم شهادته في المحكمة الشرعية بأنه رأى الهلال حقاً، واقتصر ذلك على مرافقة بعض المواطنين لفريق الجمعية الفلكية السورية كنوع من مشاركة بنشاط ومشاهدة الهلال فلكياً».

بعد دخول التكنولوجيا على رصد الهلال لم يعد هناك من يحاول التماسه والذهاب لتقديم شهادته في المحكمة الشرعية بأنه رأى الهلال حقاً، واقتصر ذلك على مرافقة بعض المواطنين لفريق الجمعية الفلكية السورية كنوع من مشاركة بنشاط ومشاهدة الهلال فلكياً

وفي لقاء مع المهندس "عبد العزيز سنوبر" (نائب رئيس الجمعية الفلكية السورية) أثناء رصده مع فريق العمل لهلال شهر رمضان، يقول: «منذ عامين تقوم الجمعية بالتعاون مع القاضي الشرعي الأول بمدينة "دمشق" في يوم 29 شعبان بعد غروب الشمس بالتماس القمر لتحديد اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، حيث يتم وضع أدوات الرصد (التلسكوب) على سطح المحكمة الشرعية في "دمشق"، وفي عدة أماكن محددة من قبل الجمعية في أغلب المحافظات السورية، وننتظر حتى تغرب الشمس تحت خط الأفق ثم نبدأ البحث عن الهلال في جهة الغرب، ويحضر أثناء عملية الالتماس عدد من أعضاء من الجمعية وممثلين عن وزارة الأوقاف وعدد من المواطنين الذين يرغبون في متابعة هذا الحدث، إضافة إلى القاضي الشرعي الأول بـ"دمشق"، فعن طريقه فقط يتم الإعلان الرسمي عن بدء شهر رمضان».

نبيل البيش

ويضيف: «الحسابات الفلكية اليوم تمكننا من تحديد موعد ظهور الهلال حتى لو لم نقم بالرصد، إلا أن الواجب الشرعي يتطلب منا القيام بعملية التماس الهلال، ودائماً ما تتطابق تلك الحسابات مع الرؤية العينية، حيث إن الحسابات الفلكية قديمة جداً وتعطي مسار القمر والشمس وكافة الأجرام السماوية بدقة، وخاصةً بعد أن أصبحت تلك الحسابات عبر برامج إلكترونية تتيح معرفة خارطة السماء وتحركات الأجرام فيها بدقة».

كما التقت المدونة القاضي "محمود معرواي" قاضي الشرع الأول بـ"دمشق" يقول: «يكون قضاة الشرع في كافة المحافظات على رأس عملهم بعد الغروب في يوم 29 شبعان لتلقي الشهادات، بعد أن تقوم وزارة الأوقاف بدعوة كافة المواطنين إلى المشاركة بالتماس هلال شهر رمضان، فهو واجب شرعي كفائي على المسلمين، ومنذ عدة سنوات تقوم الجمعية الفلكية السورية إلى جانب المديرية العامة للأرصاد الجوية بدور مهم في تحري ورصد الهلال، وتزويد المحكمة الشرعية بالمعلومات الفلكية حول الشهر القمري الجديد وموعد ولادته بدقة، حيث تستعين المحكمة بتلك المعلومات في إثبات أو نفي وجود الهلال، وهي تسهل عمل القاضي الشرعي الأول كثيراً لكونها معلومات دقيقة وقطعية».

المهندس عبد العزيز سنوبر

يحضر جلسة الإثبات في غرفة القاضي الشرعي الأول في محكمة "دمشق" عدد من العلماء من وزارة الأوقاف، ورئيس الجمعية الفلكية السورية، وممثلو الفعاليات المختلفة في المجتمع، إضافة إلى بعض الأساتذة من كلية الشريعة، حسبما ذكر "معرواي".

حضور شهود إلى المحكمة ممن شاهدوا الهلال أصبح من الحالات النادرة، على الرغم من أن أبواب المحكمة مفتوحة لأي مواطن يشهد الهلال في 29 شعبان، وعن شروط قبول الشهادة يقول "معرواي": «أن يكون مسلماً وتجاوز الـ15 عاماً، ويكفي شخص واحد لإثبات دخول الشهر القمري الجديد حتى لو امرأة، وعندما يأتي الشاهد إلى المحكمة يتأكد القاضي من قدراته العقلية والبصرية، ثم يسأله عدة أسئلة ليتأكد من صحة شهادته، ومن تلك الأسئلة متى وأين شهد الهلال؟ وشكله، وكم بقي في السماء؟ وإذا طابقت إجابته العلم، يتم تحليفه اليمين ويقول: (أشهد أني رأيت الهلال في الأفق الغربي)، فيكون القاضي الشرعي الأول قبل شهادته ويعلن عن بدء شهر رمضان».

القاضي الشرعي الأول محمود معرواي

"مأمون موصللي" من أبناء "دمشق" يتحدث عن أربعينيات القرن الماضي، ويقول: «كان جدي يذهب إلى منطقة "السبينة"؛ حيث مكان رصد هلال رمضان التابع لوزارة الأوقاف والأرصاد الجوية، فيلتمس مع عدد من المهتمين بالرؤية العينية ظهور الهلال، ويتم إبلاغ المحكمة الشرعية بذلك، التي تقوم بإبلاغ المواطنين بانتهاء شهر شبعان من خلال ضرب 3 طلقات مدفعية متتالية التي يعرف السكان أنها إشارة لبدء شهر رمضان المبارك، وحينها كان هناك من أهل الشام من يجتهد وحده لالتماس الهلال ويذهب ليؤدي الشهادة في المحكمة الشرعية ويقسم اليمين وتأخذ المحكمة بشهادته إذا أثبتت صحتها.

أما في أوائل القرن الماضي فقد كان أهالي كل حي يجتمعون رجالاً وأولاداً تحت مئذنة الجامع، التي يعتليها الشيخ أو الإمام بعد غروب شمس يوم 29 رمضان ويحدق في الأفق من جهة الغرب، فإذا ما رأى الهلال أبلغ الناس من على المئذنة الدخول في الشهر الكريم، ويبدأ الناس تناقل الخبر ومعايدة بعضهم بعضاً».