من الجد إلى الابن ثم الحفيد؛ هي المهنة تنتقل من جيل إلى آخر ضمن العائلة الواحدة لضمان عدم انقراضها، حتى أصبحت العائلة تعرف وتكنى بالمهنة التي مارستها على مر الزمن.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 حزيران 2015، التقت الطّفل "عبد الله الشّرابي" ابن الثلاثة عشر عاماً في ورشة أبيه، الذي وبعد انتهاء العام الدراسي، قرر الذهاب مع والده إلى "ورشة النجارة"، ليتعلم مهنة أبيه وجدّه قائلاً: «أحببت هذه المهنة دائماً، وطالما تمنّيت إتقانها، ولأني أكبر إخوتي كنت دائم المرافقة لوالدي، وخصوصاً إلى "ورشة النجارة"، وكنت أكتفي بلمس الأدوات، ومراقبته وهو يعمل وأقوم بمحاولة تقليده، وبدأت تعلم المهنة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، وأنا لا أنوي ترك المدرسة بل سأكمل دراستي إضافة إلى إتقاني لحرفة العائلة، التي انتقلت من جدي إلى أبي وسأعلمها لابني».

أما الآن فلم يعد الأمر كذلك، فالمهم هو أن تبقى الحرفة مستمرة، ومنذ عدة سنوات أسس أحدهم ورشة في نفس الشّارع بعد إتقانه للحرفة في هذه الورشة، ولكن ذلك لم يؤثر في عمل الورشة، لأنّ "الرّزق على الله"، وإن الشهرة و"السّمعة" تجلب الزبائن، وإلى الآن ما يزال يأتيني الزبائن على اسم أبي و"سمعته" فزبون أبي عاد إلي

والتقينا الحرفي "محي الدين الشّرابي" الملقب "أبو عبدو" صاحب "ورشة للنّجارة"، الذي حدثنا باقول: «أمارس مهنة "النجارة" منذ 35 عاماً تقريباً، وهي حرفة أبي "محمد علي الشّرابي" الذي بدوره تعلّمها من جدّي وهكذا، لكونها مهنة العائلة؛ فالأب يعلّمها لأولاده وأحفاده الذين يحملون نفس النسبة، بينما أولاد البنات فهم غرباء، ويجب أن يتعلموا حرفة أبيهم، والسبب وراء ذلك هو أن تبقى المهنة محصورة بهم وأسرارها حكراً عليهم دون غيرهم، ولكيلا ينافسهم أحد في حال تمّ تعليمه إياها، واستمرت العائلات الشامية بهذا التقليد حتى أصبحت تكنّى بالمهن التي مارستها عبر الزمن، وأحياناً تموت الحرفة بموت الحرفي من دون أن يعلمها لأحد، ويكون ذلك في حال لم ينجب أو أنه أنجب فقط البنات».

محي الدين الشرابي

ويتابع: «أما الآن فلم يعد الأمر كذلك، فالمهم هو أن تبقى الحرفة مستمرة، ومنذ عدة سنوات أسس أحدهم ورشة في نفس الشّارع بعد إتقانه للحرفة في هذه الورشة، ولكن ذلك لم يؤثر في عمل الورشة، لأنّ "الرّزق على الله"، وإن الشهرة و"السّمعة" تجلب الزبائن، وإلى الآن ما يزال يأتيني الزبائن على اسم أبي و"سمعته" فزبون أبي عاد إلي».

وكان هناك رأي للسيد "محمد فيّاض الفيّاض" باحث تاريخي ومهتم بشؤون التراث، بموضوع حصر المهنة ضمن نطاق العائلة الواحدة، حيث يقول: «لقد تعوّدت العائلات الدمشقية على فكرة توارث المهنة من السّلف إلى الخلف، حتى إن ابن البنت لا يمكن تعليمه الحرفة لتبقى مقتصرة على عائلة واحدة فقط، ولهذا تكنّت الكثير من العائلات الدمشقية بحرفها مثل: "السيوفي" نسبة لحرفة صناعة السّيوف، وعائلة "الصّقال" أيضاً نسبة لحرفة صقل المعدن المتعلق بحرفة السيف وغيرها، وهذا السّلوك في الحرفة أو المهنة غير صحيح، لأننا نحن بحاجة إلى العقل المنفتح الذي يتقبل الآخر، يأخذ ويعطي ولا يحتكر ولا يحصر علمه في بوتقة الضياع والنسيان والتلاشي».

محمد فياض الفياض

وأضاف السيد "الفيّاض": «إن التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي هوية وطن وثقافة مجتمع، واليوم في ظل سياسة الانفتاح الاقتصادي وعصر العولمة والغزو الثقافي باتت هذه الحرف للأسف شبه مهددة في بيئاتها الأصلية؛ لأنها غير مدعومة من قبل الحكومات لذلك اضمحلت كثيراً وتركها أصحابها، وهذا الموروث الثقافي للمجتمعات لا يمكن أن يكون قابلاً للاستدامة من دون إنعاش واهتمام ورعاية».