من العادات والطقوس الدمشقية المتعارف عليها في فلكلور الأعراس قديماً، حيث تطلب العروس من عريسها "حق شعرها" بالتلميح والتشويق؛ ليقدم لها الهدية المناسبة وتبادله العروس بدورها بعض الهدايا لكسر حاجز الخجل.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 17 أيار 2015، ربة المنزل "هدى نقاوة" من حي "الميدان"؛ التي حدثتنا بالقول: «تبادل الهدايا بين العروسين عادة اجتماعية موجودة منذ زمن بعيد وإلى الآن باقية ومستمرة، ولكن تغير مضمون الهدية في ظل التطورات الاجتماعية والاقتصادية؛ فقديماً كان العريس يهدي عروسه الذهب، أما الآن فحسب القدرة المادية لشرائه، لذلك تنوعت الهدية وفق الاستطاعة المادية للعريس، فالعريس الميسور الحال في فترة الخطبة يقدم لخطيبته مجموعة من الهدايا المتنوعة في جميع المناسبات والأعياد، فمثلاً الآن بعد تلبيس "المحابس" يجلب لها هاتفاً محمولاً أو قطعة من الجواهر مع باقة من الورود، وتقديم الهدية عند الفتاة الدمشقية من الأمور المهمة لأنها تشعر بالاهتمام والمحبة، ولم يقتصر تبادل الهدايا فقط بين العروسين بل يقدم أقرباء العريس والعروس مجموعة من الهدايا للعروسين للتعبير لهما عن مشاعر السعادة والفرح».

"آويها يا عريس لا تعبس ## آويها أفرِد البقجة والبس آويها شواربك يا عروق الريحان آويها وسوالفها عروق النرجس ## لي لي لي لي ليش"

كما حدثنا الباحث "محمد فياض الفياض" عن تبادل الهدايا بين العروسين بالقول: «لا شك أن العادات والتقاليد المرتبطة بالعرس التقليدي تختلف من بيئة إلى أخرى ومن زمان إلى آخر، والهدية عرف تقليدي قديم جداً، وللهدية معانٍ كثيرة تختلف من عصر إلى آخر، لكنها تعد تعبيراً صادقاً من العريس للعروس بأنها استحوذت على قلبه، وهديته تكون بمقدار مشاعره وحبه لها ومكانتها لديه أو وفق مقدرة العريس المادية، وكما ذكرت فإن للهدية دلالات مختلفة ومعايير تختلف من بيئة ريفية إلى حضرية، وأيضاً من بيئة فقيرة إلى غنية، ودوماً يسعى العريس إلى تقديم أغلى ما يملك للتعبير عن مدى رغبته في الارتباط وخاصة إذا كانت الفتاة محببة له وقريبة من قلبه، ومن عائلة دمشقية عريقة لها شأنها في المجتمع، ولهذا تكون هدية العريس أغلب الأحيان جواهر ذهبية وربما تضم الهدية أيضاً مفردات أخرى تتعلق بزينة المرأة مثل: "البودرة والحمرة أو بقجة" تضم فساتين مطرزة ومناشف، كما تقدم العروس للعريس هدية في صباحية العرس، والهدية هي عرف اجتماعي يتصف بالإيجابية؛ لأنها تندرج ضمن العادات والتقاليد الملتصقة مباشرة بالعائلات الدمشقية، وهي تجري وفق سياسة "تهادوا تحابوا"، والحقيقة التي ينبغي أن نقولها إن لغة التلميح وعنصر التشويق والإثارة كانت موجودة لدى المرأة لأنها لا تملك الجرأة الكافية في الطلب وإبداء الرغبة؛ حيث كانت تميل إلى التلميح وهي تتكلم بلغة القريب ولكنها تريد البعيد أي الصعب، حيث تطلب من الزوج ثمن شعرها لكي يفهم مغزى الطلب، حيث كانت تقول: "لن أكلمك حتى تعطيني حق شعري"، وتقولها بطريقة لطيفة ومحببة كما علمتها والدتها ذلك:

الباحث محمد فياض الفياض

"فتاح جزدانك وعطيني حق شعري

ويا ريش دردر على ضهري

وأنا صبية بأول جهلي

والليل طويل على مهلك ومهلي"».

أضاف: «وليس المقصود بالهدية القيمة المادية بل قيمتها المعنوية لكلا الطرفين، لهذه العادات جانبان يتمثل الأول بالجانب الإيجابي إذا كان مرتبطاً بالعادات والتقاليد والمحبة والتآخي والتعاون، والجانب السلبي إذا كان الهدف يتمحور فقط في الإطار المادي البحت للهدية، ولكن هذه القيم والعادات التي كانت منتشرة في المجتمع الدمشقي ولا سيما المرتبطة بالعرس الشعبي زالت مفاهيمها وحلت محلها عادات وتقاليد جديدة طغت على العرف التقليدي، ففي الزمن الحالي تلاشت المفردات الجميلة واختلفت المفاهيم، وأصبح المحظور مباحاً في بعض البيئات بينما بقيت بعض المعارف المرتبطة بالعرس وخاصة التقليدية منها جزءاً من حياة الناس، حيث لا يمكن أن تلغى من قاموس الحياة والعرف الاجتماعي، وسياسة التلميح والإشارة ألغيت من حياتنا، وحل مكانها الجرأة البعيدة عن الغنج الأنثوي والتواضع وغير ذلك من صفات أساليب المرأة في تقديم نفسها للطرف الآخر، وهذا الأمر ينطبق على الرجل أيضاً ولا سيما بالقضايا المرتبطة بكيانه وعلاقته بالمرأة».

كما كتب الباحث "عادل أبو شنب" في مقال نشر في مجلة الموقف الأدبي العدد 7 تشرين الثاني عام 1974 باسم "العرس الدمشقي في مطلع هذا القرن"، وتحدث في المقال عن العرس الدمشقي: «إن احتفال العرس كان جماعياً بسبب تداخل الناس تداخلاً كبيراً، وكان الزواج قضية جماعية ليست فردية، وظاهرة اجتماعية تحتوي على ظاهرة احتفالية، فالطقوس التي تعد مع كل زواج هي في الواقع لون من ألوان المحاكاة أو التقليد أو التمثيل، وأحد الطقوس أنه في صبحية العرس الدمشقي يعود والد العريس فتستقبله العروس وتقبل يده، ويتناولون طعام الإفطار معاً، ثم يذهب العريس ووالده إلى السوق للقيام بمهمة التبضع، ويحضران بعض الحاجات النسائية من محارم وعطور وجوارب وهدايا أخرى، وتسمى "الصرة"، فيعود بها إلى الدار مع قطعة من الجواهر أو الحلي ليسلمها إلى العروس، ويقوم بتلبيسها السوار والقرط، ووالد العريس أيضاً يلبس العروس خاتماً أو سواراً أو يعطيها بعض الدراهم وتسمى هذه العادة "الصبحة"، وحين يصبح العريس والعروس وحدهما في الخلوة الأولى ليلاً يبادرها بكلمات مألوفة، وتبقى العروس صامتة من شدة الخجل، وحين تنفرج أساريرها، يقدم لها بعض النقود وقطعة من الجواهر تسمى "حق الشعر"».

صندوق العروس

وذكرت الدكتورة "كارين صادر" في كتاب "زغاريد الأعراس في بلاد الشام" بعض الزغاريد التي تردد للعريس بالمال الذي دفعه في فرحه: «"آويها يا عريس لا تندم على المالِ

آويها عروستك حواجبها خطّين أقلامِ

آويها حواجبها محنية

آويها تسوى بنات عمّك مية على مية

لي لي لي لي ليش"».

كما يقال: «"آويها يا عريس لا تعبس

آويها أفرِد البقجة والبس

آويها شواربك يا عروق الريحان

آويها وسوالفها عروق النرجس

لي لي لي لي ليش"».