ما بين التسلية واللعب وتناول الطعام وسرد القصص؛ يجتمع الأهل والجيران في أحد البيوت الدمشقية القديمة مساءً لقضاء أوقات ملأى بالدفء والمحبة؛ وهي من العادات الجميلة التي تم توارثها من الأجداد.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 أيار 2015، الحاجة "عائشة الحلبي" التي عادت بذاكرتها لأيام مضت، وحدثتنا قائلة: ‹‹جرت العادة أن نتفق على الاجتماع في بيت أحد الأحبة، بهدف التسلية وتمضية الوقت في جو تسوده الألفة، فقد كان لكل فصل من فصول السنة طقوسه وألعابه ومأكولاته؛ فعندما نجتمع في فصل الشتاء كنا نجلس بالقرب من المدفأة، ونبدأ تبادل الأحاديث وتقوم إحدى النسوة بسرد القصص، وتقوم أخرى بالدعابة عن طريق قولها "النّكَت"، وأخرى تبدأ الغناء ليشاركها الجميع، وتستعمل "الدربكة" التي كانت دائماً موجودة ضمن هذه السهرات، ويبدأ الجميع التصفيق، ويزداد الحماس بين الفتيات بالرقصة الأجمل والحركات المعبرة، ثم تحضر إحداهن "ورق الشدة" لتتبارى مع صديقتها، ويلتف الباقي حولهن لمراقبة التي ستخسر، ووضع الشرط المناسب كأن تعدّ طبقاً من الحلو في المرة المقبلة وتحضره معها، ثم تحضر واحدة من أهل البيت الضيافة، وهي "زبادي الرز بالحليب" مزينة بجوز الهند واللوز؛ التي تفوح منها رائحة ماء الزهر››.

وعن طريقة الاجتماع والسهر تضيف: ‹‹لم يكن لنا دور نحن النساء في اختيار مكان السهر فالرجال يقومون بذلك؛ ففي نهاية كل سهرة يقوم الرجال بكتابة أسمائهن على قصاصات من الورق صغيرة الحجم ووضعها في كيس من القماش أبيض اللون، ثم يتم سحب إحدى هذه القصاصات لمعرفة موعد السهرة القادمة، وعند من ستكون وماذا سيتم تقديمه من أطباق الحلوى، وفي بعض الأحيان يتم سحب جميع القصاصات المتواجدة ليتم تحديد مواعيد السهر على مدار الأسبوع كله››.

أمل الحايك

كما حدثتنا السيدة "أمل الحايك" عن هذه السهرات بالقول: ‹‹منذ صغري اعتدت هذه السهرات حيث كانت تأخذني والدتي إليها أو التي كانت تحدد في بيتنا، وأذكر أنه في كل سهرة لطيفة كانت والدتي تقوم بتجهيز كل ما يلزم من الضيافة، لقضاء وقت ممتع، وكانت تقوم بفرك "الكنافة" بالسمن ووضعها على مدفأة الحطب، وكنت أساعدها بصف "القطايف" في الطبق ووضع حبات الكستناء على المنقل تمهيداً لوصول الضيوف، وتبدأ السهرة بتبادل المجاملات، ثم تحضر والدتي "البرجيس" وتطلب منهن أن ينقسموا إلى فريقين أحدهما ضد الآخر، ويجلس الجميع على السجادة وما إن ترمي إحداهن "الودع" حتى يتعالى الصراخ والهتاف، وكان الشرط أن تقوم الخاسرة بتقليد إحدى المتواجدات لبث روح المرح والسرور عند الجميع، وتبدأ فتاة من الحاضرات بذكر مثل من الأمثال الشعبية والتباري مع البقية، ومن تخونها الذاكرة في إعطاء المثل تقوم بالرقص››.

وفي مقالة منشورة في صحيفة تشرين بتاريخ 14 آذار 2005، كتبت "أمية الخطبا" عن هذه العادات والطقوس قائلة: ‹‹في الدار نفسها التي كانت تشهد سهرات الرجال في الشتاء كان النساء يجتمعن في غرفة أخرى بعيدة منعزلة عن تلك التي يلتقي فيها أزواجهن فيتحلقن حول مدفأة الحطب التي تتلعلع ألسنة النار فيها أو منقل متوهج الجمر الذي كثيراً ما كانت البيوت الدمشقية تقتنيه، فحينها لم تكن الكهرباء قد وصلت إليها في الأربعينيات، وكنّ يشعلن فانوس الكاز المعلق أو المتدلي من السقف ثم تبدأ السهرة بلعب "البرجيس" أو ورق الشدة؛ حيث تشترك امرأتان جالستان على السجادة في لعب "البرجيس"، في حين تراقب الأخريات ما يجري، وفي ختام اللعبة فإن التي تغلب تؤدي ما يطلب منها من رقص أو غناء أو تهريج››. ‏

بسام سلام

وكان لنا حديث مع الباحث الاجتماعي الأستاذ " بسام سلام" الذي قال: ‹‹إن مجمل النشاطات الاجتماعية التي اعتادها أهلنا منذ القدم تم توارثها من الأجداد؛ وهي انعكاس للبيئة ومورثاتها، فالمجتمع يركز على هذه السهرات التي تقام كل مرة في بيت، وبالنسبة لهذه السهرات التي كانت ضمن هذه البيوت، فتتوزع بين سرد القصص واللعب والتعارف أحياناً إلى جيران جدد، والهدف منها إبقاء روح المحبة والألفة السائدة والمودة بين الناس››.