لكل سفينة ربان؛ وهناك من يمسك دفة القيادة بالتجربة والخبرة وهناك من يقودها بالعلم، فالثقافة الصحية هي البوصلة التي استخدمتها "لمياء تاجا" لتصل بأسرتها إلى بر الأمان.

مدونة وطن "eSyria" التقت الأم "لمياء تاجا" بتاريخ 25 نيسان 2015؛ التي عاصرت المفاهيم الصحية للجيل القديم، وواكبت الجيل الحديث من خلال متابعتها لأهم النشرات الصحية المتعلقة بالغذاء والسلامة العامة للأسرة، فحدثتنا عن تجربتها قائلة: «"حماتي" كانت تقول: "الأرض التي ربت قمح وشعير لن تعجز عن تربية طفل صغير"؛ اتركي طفلك يلعب أينما يريد لأنه سيكتسب مناعة، لم أقتنع برأيها إلا أنني وقعت في حيرة من أمري، ومتابعتي للنشرات الصحية مكنتني من أن أصل بأفراد أسرتي إلى بر الأمان، باتباعي للعادات التي أقتنع بها أو أعدل عليها بما يتناسب ومعلوماتي؛ كعادة لف الطفل حديث الولادة لمنعه من تحريك يديه ورجليه من أجل تقوية عظامه، إنني لففت طفلي بطريقة مريحة، ليتمكن من تحريك أطرافه كيفما يشاء وبسهولة، وذلك لحمايته من طريقة حمل خاطئةٍ، كما أنني طبقت عادة تمليح الطفل بقليل من الملح، ومن ثم دهنه بالآس وزيت الزيتون، لأن الملح مادة معقمة والزيت يعد من المواد المفيدة للجلد، ومن العادات التي استهجنتها ورفضتها هي عصر نقطة من الليمون الحامض البلدي في كل عين لأنها تخدش العين، وتكحيل العين فهو يسد مجرى دمع العين، ورش ملح على الصرة مباشرة لتسقط وحدها. وكانت جدتي دائماً تقول: "اسأل مجرب ولا تسأل حكيم"، لكن من المهم أن نسأل الحكيم».

كنا نحفظ الطعام بتعريضه لأشعة الشمس لحفظه شتاءً، فطريقة غذائنا لها دور كبير في حماية أجسامنا من الأمراض المنتشرة في هذه الأوقات، فنحن لم نكن نعرف مرض السرطان ولا السمنة ولا التهاب الكبد المنتشر حالياً

التقينا الأم والصيدلانية "سميرة النبهان" التي طبقت الإرشادات الصحية على أطفالها بحذافيرها، وتقول: «كل ما يطبق من عادات تم توارثها من الأجيال السابقة، نتيجة قلة المختصين بمجال الثقافة الصحية، وضعف المستوى التعليمي؛ وعدم توافر وسائل التوعية المتواجدة حالياً، فالاهتمام بالصحة لا يقتصر على تحضير الطعام وإنما على طريقة التحضير ونوعية المواد المستخدمة، والأهم من ذلك أن نعلم طفلنا كيف يطبق المفاهيم الصحية التي تعلمها في المراحل الدراسية الأولى، كأن تطلب الأم من الطفل أن يرسم الهرم الغذائي، ويلونه ويقوم بلصقه في المطبخ ليراه كل يوم، ونعلمه أن صحتنا أغلى ما نملك فيجب الحفاظ عليها».

الصيدلانية سميرة النبهان

"جيلكم جيل البسكوت، أجسامنا أقوى وهمتنا أعلى وزياراتنا للطبيب أقل، والسر يكمن في نوع الغذاء"؛ هذا ما حدثتنا عنه الجدة "نبيهة سقباني" من مواليد 1936، قائلة: «لأننا نأكل مما نزرع من دون أي إضافات كيماوية أو منكهات أو ملونات، ونأكل كل نوع في موسمه؛ حيث نتناول الفواكه الصيفية في الصيف والفواكه الشتوية في الشتاء، أما الآن فنجد الفواكه بأنواعها المختلفة في كل الفصول، بلا طعم ولا رائحة؛ ولم نكن نعرف البيوت البلاستيكية إلا على أيامكم، قمنا بتربية الدواجن للاستفادة من لحمها وبيضها، وفي هذه الأيام نجد أن الدجاج حجمه غير عادي، والسبب يعود إلى إضافة الهرمونات للعلف من أجل بيعه بسعر أعلى، والمأكولات الجاهزة المنكهة أصبحت جزءاً من حياة هذا الجيل، إن لم يعجبه ما حضرته له أمه من طعام يجد البديل بأكلة سريعة التحضير، وأحياناً الأم لضيق وقتها يكون الأكل الجاهز أحد الحلول الدائمة والسريعة لحل مشكلتها، ولا تدرك أن العاقبة ستكون وخيمة؛ فالأكل الجاهز يضعف المناعة ويفتقر للمواد الغذائية الجيدة».

وتتابع: «كنا نحفظ الطعام بتعريضه لأشعة الشمس لحفظه شتاءً، فطريقة غذائنا لها دور كبير في حماية أجسامنا من الأمراض المنتشرة في هذه الأوقات، فنحن لم نكن نعرف مرض السرطان ولا السمنة ولا التهاب الكبد المنتشر حالياً».

الجدة نبيهة سقباني

أما عن الحلويات التي تقدم للطفل فتضيف: «نكافئ الطفل بحفنة من التين المجفف و"الزبيب" مع الجوز، أما الآن فالأم تكافئ طفلها بمثلجات ملونة بأصبغة ضارة، إضافة إلى الغذاء السيئ فإن أسلوب الحياة الذي تتبعونه له أثر سيئ في صحتكم كانتشار ظاهرة التدخين بعمر صغير، والعادة السيئة التي رافقت الشباب في سهراتهم وهي "الأراكيل" فجيلكم جيل مريض».

الدكتورة "هزار سلامة" اختصاصية أطفال ورضع حديثي الولادة حدثتنا بالقول: «الثقافة الصحية للأم هي أساس صحة أطفالها، وتكتسبها من تربيتها وبيئتها وثقافتها ومستوى تعليمها، فالطبيب ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام لهم دور كبير في توعيتها، هناك الكثير من الأخطاء الشائعة التي نسعى جاهدين لإصلاحها وتغييرها، كعلاقة اليرقان بالحالة النفسية "الرعبة" والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فأكثر الأمهات المراجعات يتمسكن بالأفكار والمعتقدات الطبية القديمة والشائعة، ونبذل جهداً لتغيير أفكارهن، مثل لف الطفل المولود حديثاً وربط ذراعيه وساقيه، وهناك حالات يتم فيها استخدام الوسائل الخاطئة في العلاج، وهو ما يزيد من تفاقم حالة المريض كعلاج الحروق بمعجون الأسنان، والجروح بالقهوة المطحونة لوقف النزيف.

الدكتورة هزار سلامة

والكثير من الأمراض ازدادت نسبة حدوثها نتيجة النمط الغذائي السائد في المجتمع، والاعتماد على المأكولات الجاهزة التي تحتوي مواد صناعية، وهو ما أدى إلى انتشار السرطانات والأمراض التحسسية بكل أنواعها».

وعن الدور الذي يقوم به الطبيب للقضاء على العادات الخاطئة تضيف: «أحياناً يلعب الطبيب دوراً سيئاً في تثبيت المعلومة الخاطئة لدى الأم، وذلك لضيق الوقت عند شرحه للمعلومة الصحيحة، ولا ننسى دور اللقاحات وأهميتها في الوقاية، وعدم زيارة المرضى بل الاطمئنان عليهم عبر الهاتف، وتعد الصحة النفسية للطفل بأهمية الدواء والغذاء، فالنزهة اليومية في الهواء الطلق واللعب والخروج من المنزل يحسنان مزاجه».