يتباين مستوى الإيمان بالمعتقدات الشعبية بحسب درجة التعليم والثقافة، وعلى الرغم من غرابة هذه المعتقدات فهي ليست ضارة، بل هي جزء من الفلكلور اللا مادي للمكان، وفي "دمشق" تؤمن النساء بهذه المعتقدات أكثر من الرجال.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 23 آذار 2015، السيدة "سلوى المحمد" من أهالي "مشروع دمر"؛ التي قالت: «إلى وقت قريب كانت المعتقدات الشعبية منتشرة في "دمشق" لاعتقادهم أنها تستطيع التأثير في حياة الناس، وما يزال هناك من يؤمن بهذه المعتقدات حتى يومنا هذا، فقفل الرأس بمفتاح تستخدمه النساء إلى الآن للتخلص من صداع الرأس الشديد، وهي طريقة بسيطة جداً وتحتاج إلى مفتاح بيت ريفي قديم ومشدّ وقليل من الخبرة، والمفتاح المستخدم في هذه العملية يجب أن تتوافر فيه عدة شروط وهو أن يكون المفتاح كبيراً ولبيت ريفي قديم، وهذا البيت يجب أن يكون بابه متوجهاً نحو "القبلة"».

يزخر تراثنا السوري منذ القدم بالمعتقدات الشعبية التي كانت ومازالت عالقة في أذهان أهلنا وخصوصاً عند النساء، وما يزال الألوف يؤمنون بها ويخضعون لعرفها؛ ولا سيما في الأحياء الشعبية والقرى والأرياف لكونها أقل تعليماً وثقافة من المدن الحديثة

الباحث التاريخي والاجتماعي "منير كيال" تحدث عن المعتقدات الشعبية بالقول: «تؤمن النساء المسنات بمجموعة من المعارف والمعتقدات إيماناً كبيراً لكونها في اعتقادهن تلبي حاجات اكتسبت لديهن مظهراً نفعياً منذ زمن طويل لدرجة أن الوصول إلى الاطمئنان النفسي لديهن لا يتم إلا بمزاولتهن بعض الممارسات التي تحقق لهن ذلك، ومنها ما يتعلق بالحمل والولادة والأولاد، وما يتعلق بزيادة الرزق ورجعة الغائب والمسافر».

الباحث منير كيال

ويضيف: «من تلك المعتقدات التي لا تزال تؤمن بها النساء صب الرصاص، فإذا مرض الإنسان واعتقد أن سبب مرضه نظرة حسد من إنسان آخر؛ فإنهن يأخذن المريض إلى "الراقي" مع "أوقية" 200 غرام من الرصاص، وقبل البدء بالتذكير (قبيل أذان يوم الجمعة) يأخذ ذلك الراقي ثلث كمية الرصاص ويصهرها في صحن، ويضع على رأس المريض صحناً آخر فيه ماء بارد وورقة نبات أخضر "زريعة" ثم تسكب كمية الرصاص المنصهرة في صحن الرصاص بالصحن الذي على رأس المريض، وتكرر العملية ثلاث مرات؛ فإذا أخذت كمية الرصاص في إحداهن عقب سكبها بصحن الماء شكل إنسان تتحول تلك النظرة "الحسيدة" إلى رصاص ويبطل مفعولها، وإن انفرط الرصاص إلى ذرات في صحن الماء يكون المريض سليماً ويقوم معافى».

ويختم بالقول: «تتميز المعتقدات الشعبية التي توارثها الدمشقيون باللا واقعية لكنها في نفس الوقت تتسم بالطرافة، فكانت تنظم حياة الناس فيما بينهم في إيقاع وبعد تراثي شعبي نابع من وجدان وثقافة من سبق من الأجداد، ومن تلك المعتقدات التي لا يزال أهل الريف يتبعونها، إذا شكت امرأة من ألم في ظهرها أو كانت تسقط الجنين "تجهض" كلما حملت، فإنهن يعمدن إلى قفل ظهرها، وذلك بأن يأتين بقليل من الطحين، يعجنونه ويلصقونه في أسفل ظهر المريضة "صلبها" ثم يأتون بكأس حجامة، أو كأس عادي ويطبونه على العجين مع الضغط عليه، وفيه ورقة تشتعل ويتركونه بعض الوقت فيشد ظهر المرأة "تشفى" أو يصبح ظهرها قادراً على الحمل والولادة».

صب الرصاص

ويقول الدكتور "يحيى غسان" اختصاص أمراض عصبية :«بسبب مشاغل الحياة اليومية قديماً، كانت المرأة تعاني آلاماً في الرأس وبسبب قلة المعرفة الطبية في ذلك الوقت، اعتقدت المرأة بالبدائل وكانت بعضها تأتي بنتيجة وتفي بالغرض خاصة لمعالجة ألم الرأس سواء من الأعشاب الطبية أو بقفل الرأس بمفتاح، فعندما يضغط على الرأس بمشد ويكون مقفلاً جيداً فإن آلام الرأس تخف تدريجياً، أما الآن فقد توفرت في الأسواق مسكنات الآلام التي تأتي بحلول سريعة».

ويشير الباحث "محمود مفلح البكر" في كتابه "مدخــل البحث الميداني في التراث الشعبي" بالقول: «يزخر تراثنا السوري منذ القدم بالمعتقدات الشعبية التي كانت ومازالت عالقة في أذهان أهلنا وخصوصاً عند النساء، وما يزال الألوف يؤمنون بها ويخضعون لعرفها؛ ولا سيما في الأحياء الشعبية والقرى والأرياف لكونها أقل تعليماً وثقافة من المدن الحديثة».

ويضيف: «عندما تشعر المرأة بألم شديد في رأسها بسبب صداع حاد؛ فإنهن يعتقدن أن الرأس ينفتح ويفج "يلمع" عليها، وهو ما يستدعي القيام بقفله، فيأتين بقطعة قماش "دكة" أو ما شابه، بطول محيط الرأس تقريباً، ويأتين كذلك بمفتاحين لبابين "قبليين" أي باتجاه الجنوب، ويدخلن المفتاحين بالدكة ثم يربطنها ويلبسن "الدكة" بمحيط الرأس حيث يكون كل مفتاح على جانب من الرأس، ويفتلن المفتاحين معاً فتلف عليها الدكة فتقصر وتشد على الرأس كلما ازداد برم المفتاحين، وهكذا حتى ينقفل الرأس من الجانبين بعد ذلك تحل الدكة ويجعل المفتاحان في مقدمة ومؤخرة الرأس، وتكرر العملية؛ وبذلك يعتقد أن الرأس يعود إلى وضعه الطبيعي ويتلاشى الألم».