تتنوع أغاني الحصاد في منطقة "يبرود" لتشمل جميع مجالات الحياة، وهي أهازيج لها مدلولاتها ومعانيها ما بين الخبرة والحماس والغزل وطلب الطعام ، إضافة لاطمئنان صاحب الزرع على زرعه.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 23 تشرين الأول 2014، "محمد الأشرم" أحد سكان "يبرود" الذي قال: «الحصاد عمل شاق يلزمه الصبر، وإرادة لا تلين للتغلب على الصعوبات التقليدية والطارئة، وليتمكن العاملون من "حصادين، وغمارات، ورجادين"، من إنجاز عملهم في الوقت المناسب، فهناك النباتات ذات الأشواك التي كثيراً ما يمسكها الواحد منهم بيده، أو يدوسها بقدمه الحافية أحياناً، وهناك الدبابير التي تبني أعشاشها بين الزرع وتثور عندما يقترب أحد من عشها وتلاحقه اللسعات المؤلمة، التي كثيراً ما تورم الأجفان، والأيدي، ولا يجد هؤلاء غير الغناء يسرون به أنفسهم».

الأغاني التي يرددها "الحصادون" متنوعة تنوع مجالات حياتهم، وهمومهم، وأحلامهم، ويمكن تقسيمها عامة حسب مضامينها إلى العلاقات بين العاملين في "الحصيدة"، والأهازيج الحماسية الخاصة بها، والأهازيج الوطنية، الأغاني العاطفية، والأغاني المرحة والساخرة

ويضيف: «الأغاني التي يرددها "الحصادون" متنوعة تنوع مجالات حياتهم، وهمومهم، وأحلامهم، ويمكن تقسيمها عامة حسب مضامينها إلى العلاقات بين العاملين في "الحصيدة"، والأهازيج الحماسية الخاصة بها، والأهازيج الوطنية، الأغاني العاطفية، والأغاني المرحة والساخرة».

كتاب الباحث محمود مفلح البكر

ويتحدث الباحث في التراث "محمود مفلح البكر" في كتابه "تقاليد الفلاحة في التراث الشعبي" عن الأغاني في مرحلة "الحصاد": «يبدأ "الحصادون" غناءهم عادة منذ بدء العمل صباحاً، بأهزوجة تطمئن صاحب الزرع على زرعه، وتشعره بخبرتهم في "الحصيدة" النظيفة التي لا تترك شيئاً من الزرع غير محصود، ولا تبعثر السنابل أثناء الحصاد، فذلك ينتج غالباً من قلة الخبرة، ويقولون:

"يا معلِّم لا تخاف

حصيدة ع ابو نظاف".

ويؤكد الحصادون يومياً خبرتهم وأمانتهم، وحرصهم على نظافة "الحصيدة" مهما بلغت حماستهم أثناء التنافس بالغناء:

"يا معلِّم لا تخاف

زرعك كله نظاف

حطها بيني وبيَنك

في حدق عيني وعينك".

وإذا حضرت ابنة المعلم للحقل، وهي كثيراً ما تأتي حاملة معها طعام الإفطار أو الغداء، أو حباً في الاطلاع على سير العمل، أو لتلتقط السنابل، يستقبلها "الحصادون" بالغناء مشيدين بما أنجزوه ومعبرين عن دهشتها لكثرة ما حصدوه، ويغنون:

"بنت المعلِّم صاحت

عددت وناحت

قالت: يا زرع ابوي

أخذتُه الشباب وراحت"».

ويضيف: «مدح ابنة المعلم والتغزل بها كثير الورود في أغاني "الحصادين"، إذا كانت بشوشة طيبة حسنة التعامل، ومن هذا ما قاله أحد "الحصادين" في ابنة المعلم التي جاءت تحمل دبساً إفطاراً لهم:

"يا خشوف القايظات بمعصرة

حاملة عالراس دبس بطنجرة

كل خلق الله تقول محمرة

إلاّ أنا أقول: خلقة ربنا"».

ويتابع حديثه بالقول: «يبقى الماء والطعام من أهم ما يحتاجه "الحصادون"، فشرب الماء يعوضهم عما فقدوه من سوائل لكثرة التعرق الذي يبلل ثيابهم، ويعيد لهم الطعام ما فقدوه من طاقة، ويوفر لهم وقت تناول الطعام استراحة قصيرة يكونون بأمس الحاجة إليها، يجددون بها نشاطهم بعد الإجهاد الذي عانوه، ولهذا يذكِّر الحصادون المعلم بواجبه في إطعام عماله، وتقديم الطعام الجيد في الوقت المناسب قائلين: "يا معلِّم لن نويت

صب للجوعان زيت".

لكن مثل هذه الأغاني كثيراً ما يكون المديح فيها ملغوماً بالهجاء، خاصة إذا قصر المعلم في واجباته، واضطر بعضهم إلى إحضار طعامه معه أحياناً، فيصرحون بعدم وجود الفضل له في إطعامهم ما داموا قد أحضروا زيت الزيتون من بيوتهم لا من بيته، ويقولون في هذا:

"زيتهم من بيتهم

لا تقول غديتهم".

وأحياناً يحرضون المعلم بأغانيهم ليحضر لهم طعاماً دسماً، ويذكرونه أن اللحم موجود عند القصاب، ويقولون:

"يا شباب يا شباب الهوا الغربي طاب

معلمكم حاضر يعمل وما غاب

يجلب لنا الغدا من عند القصاب".

ومدح المعلم والقدح فيه من طبيعة أغاني العمل في "الحصيدة"، وهي تجمع الجد والهزل، وتهدف إلى إشاعة المرح، وتجديد النشاط من جهة، وإلى تشجيع المعلم لتقديم طعام أفضل، يمد العمال بالطاقة اللازمة التي تناسب ما يبذلونه من جهد».