عاش "الآغباني الدمشقي" في أحياء "دمشق" وحواريها، وعملت فيه أهم العائلات الدمشقية العريقة، ومنها عائلة "الغراوي" التي تمتعت بشهرة عريضة في هذه الحرفة.

موقع "eDamascus"، زار متجر "الغراوي للآغباني" إحدى العائلات الشامية الدمشقية، والتي اشتهرت بهذه الحرفة، في سوق "مدحت باشا" في "خان الجمرك، الجوخية"، وللحديث عن حرفة الآغباني" التي عملت فيه عائلة "الغراوي الدمشقية"، التقينا بالسيد "موفق الغراوي"، وحدثنا عن هذه الحرفة النسيجية الفنية العريقة وتاريخها: « يعتبر "الآغباني" الغطاء التقليدي للطاولات في "دمشق" منذ مئات السنين، بحيث عندما يدخل الضيف إلى أي منزل "دمشقي" لحضور مناسبة اجتماعية ما، كان من المتعارف عليه أن على الأسرة أن تضع على طاولات الضيوف نسيج "الآغباني"، و يصنع "الآغباني" من قماش قطني مطرّز بخيط من الحرير النباتي "الفيسكوز"، و كانت عملية التطريز تتم بأيدي الحرفي بواسطة إبرة خشنة، واليوم تستخدم ماكينات آلية صغيرة تقوم معها العاملة برسم الزخارف على أطقم النسيج القطني وحسب مساحة كل طقم، فيقصّ مثلاً بمقاس مترين ونصف طولاً، ومتر ونصف عرضاً ليشكل غطاء الطاولة، وتوجد قوالب خشب عليها رسوم معينة، كما يستخدم نوع من الحبر أو النيلة ويتولى العامل تطبيع النيلة الذي يزول في ما بعد على القماش بالغسيل، ومن ثم ترسم ما يتلاءم مع الرسم المقرر، وقد يكون تقليدياً يمثل أشكالاً تطريزيةً هندسيةً أو زخرفيةً أو نباتية أو حيوانية، ومن أشهر مسميات هذه الأشكال "سقف القاعة، الحجب، الضامة، السلطعان"، ويمكن للحرفي، بالطبع، أن يبتكر رسوماً جديدة، ويدخل بطقم الآغباني المطرّز خيط القصب».

"الآغباني" هي كلمة تركية الأصل وتعني باللغة العربية الزخرفة على القماش "زركشة" ويُصنع بهذه الحرفة يدوياً اليوم الفساتين والكلابيات والعبي وشراويل القنباز والصدريات

ويتابع" الغراوي" كلامه: «لا يزال حتى اليوم تطريز "الآغباني" من قبل حرفيات نساء في منازلهن بمنطقة "دوما" القريبة من "دمشق"، ونحن كأصحاب ورش "آغباني" نأخذ القماش القطني المطبّع بالنيلة والذي سيتحول لوجه طاولة مع كونات من الحرير النباتي "الفيسكوز" وبألوان مختلفة، كما نأخذ كونات قصب فضي أو ذهبي ونعطيها للنساء في منازلهن».

السيد طارق الغراوي

وأضاف " الغراوي" عن استخدامات "الآغباني" قائلاً: «اشتهرت "دمشق" منذ مئات السنين بصنع "الآغباني" وتصديره إلى دول العالم بأشكال وأنواع وزخارف مختلفة تصلح لجميع الاستخدامات، من ارتدائه لباساً ثميناً مثل "البروكار"، أو للزخرفة والتزيين مثل "الصايا"، أو استخدامه أغطية فاخرة مزخرفة في غرف السفرة على الطاولات حيث أبدعت العائلات الدمشقية وأتقنت نسج "الآغباني"، وتمتعت عائلات بعينها بشهرة عريضة في هذا المجال، كانت تنسجه في ورش خاصة انتشرت في حارات "دمشق القديمة" لتزود به القصور والبيوت العربية التقليدية، وانتقل "الآغباني" من هذه الورش ليشكل الغطاء الخارجي لمقاعد الجلوس وطاولات السفرة في هذه القصور والبيوت، وحملت نقوشه تسميات محلية مختلفة تتناسب ومواضيعها المستوحاة من التراث والموروث الشعبي الدمشقي مثل "دعسة الجمل، مجيدة، السلطعان، دبل أس، العريشة، داما صغيرة، حبّ الرّمان، الوردة الدمشقية" وغيرها، التي مازال عشرات الحرفيين يصنعونها بتقنيات عالية وبهمة مرتفعة، خاصة في ظل ازدياد الطلب حالياً من قبل مستثمري البيوت الدمشقية التقليدية التي حوّلت إلى مطاعم وفنادق ومقاهٍ وغيرها».

وعن مراحل صنع "الآغباني" حدثنا "وائل الغرواي" الذي ورث أيضاً هذه الحرفة عن أبيه "موفق الغراوي"، حيث قال: «80% من مراحل تصنيع "الآغباني" يدوي، فالقماش من صنع معامل كبيرة مثل "الشركة الخماسية"، أما الرسم فعملية يدوية بحتة، وعملية التطريز نصف يدوية حيث الآلة كهربائية في حين العمل بالإبرة يكون يدوياً، وبعد الانتهاء من تطريز طقم "الآغباني" يذهب الطقم إلى مرحلة التنظيف والكوي حتى تزول آثار الطباعة من حبر أو نيلة، والتي تمت عليها الرسوم، وبعدها يكون الطقم قد أصبح جاهزاً للاستخدام».

قوالب الآغباني

أما عن سبب تسمية هذا النوع من النسيج بالآغباني"، فيقول "وائل": «الاسم متوارث وقديم ويمكن أن يكون تحويراً لأسم عائلتي "آغا" و"باني" اللتان ابتكرتا هذا النوع من النسيج المزخرف فسمي هذا النسيج مع مرور الزمن "آغباني"، وبالتالي أخذ النسيج لقب العائلتين فيما بعد».

أما عن منتجات "الآغباني" فحدثنا عنها السيد "طارق الغراوي" الذي ورث أيضاً هذه الحرفة عن والده، حيث قال: «تقسم منتجات "الأغباني" إلى قسمين: نوع يستعمل كغطاء للرأس في بعض المناطق بدون طربوش كما يستعمل أيضاً بعد وضعه على الطربوش بأشكال في أغلب المدن "السورية" وهذا اللباس بدأ يتناقص مع تناقص عدد المسنين، والنوع الثاني يستعمل كأغطية لموائد الشاي والطعام ويلاقي هذا النوع رواجاً عند نشاط الحركة السياحية في القطر».

السيد وائل الغراوي

وحول إمكانية تطوير العمل بهذا الفن الحرفي، قال "طارق": «أدخلت بعض الورش الكومبيوتر في تصميم نسيج "الآغباني" ولكن نتج معه أنواع مختلفة عن المنفّذ بشكل يدوي ولذلك لم تلق الرواج المطلوب، فالكثيرون يفضلون "الآغباني" المصنّع يدوياً أو نصف اليدوي».

وحول مستقبل مهنة "الآغباني" كقماش تقليدي، يقول "طارق": «لن تنقرض هذه المهنة التاريخية لأن لها زبائنها وهناك سياح كثر يشترونها كتراث "دمشقي" يأخذونه معهم لبلادهم، والبعض من أصحاب الورش يشاركون اليوم في معارض دولية ويعرضون "الآغباني" إلى جانب الشرقيات الدمشقية وهذا ما يساعد في نشر هذا النسيج الدمشقي الأصيل التقليدي، ولكن بلا شك، قد يقل الطلب عليها لوجود منافسة من بضاعة رخيصة الثمن ومصنعة بشكل آلي ومن مواد رخيصة وبسيطة»

الباحث التراثي "عبد الكريم نخلة" والمهتم بالشأن التراثي لمحافظة "دمشق" يقول عن صناعة "الآغباني": «اشتهر السوريون القدماء بحرفة "الآغباني" وهي حرفة دمشقية الأصل انتقلت إلى معظم المناطق السورية، وهي عبارة عن نسيج أبيض مطرز بالحرير الأصفر، وللآغباني" ثلاثة أنواع من النقشات وهي: "التطريز الطلس" ويعنى به تطريز القطعة بالكامل ضمن رسم معين، و"التطريز الرش" ويقصد به تطريز جانب من القطعة والحفاظ على الباقي بشكل سادة، و"التطريز النافر" وهو نوع من التطريز الخفيف المتموج والذي يعطي شكل الكريستال على القطعة، وهو من أجود أنواع التطريز، إضافة إلى "التطريز الآلي" وهو عبارة عن حرير نباتي، ويمتاز كل نوع من التطريز بسمات وخصائص معينة، تتناسب مع البيئة التي يعمل فيها، وتعتمد هذه الحرفة على عدة أنواع من الآلات والمعدات، منها "الإصطمبا" والطاولة المستطيلة والفرشاة والطبق وقطعة من قماش الشاش توضع فوق الطبق لامتصاص المادة الصباغية»

وأضاف "نخلة": «"الآغباني" هي كلمة تركية الأصل وتعني باللغة العربية الزخرفة على القماش "زركشة" ويُصنع بهذه الحرفة يدوياً اليوم الفساتين والكلابيات والعبي وشراويل القنباز والصدريات».