يعتبر الأرمن من الشعوب التي لعبت دورا مهما في الحياة الاجتماعية في سورية، وقد أحبهم الجميع واحترموا من قبل الجميع لما اتسموا به من الأمانة والصدق في تعاملهم، و بسبب المهارات التي كانوا يمتلكونها ويتميزون بها ماجعلهم يتبؤون مناصب اجتماعية وسياسية واقتصادية بارزة حيث برعوا في مجالات الصناعة والتجارة والمحاماة والهندسة والطب، وكانوا على علاقات طيبة مع كل الطوائف المسيحية والاسلامية. .

وللحديث أكثر عن الأرمن وبعض عاداتهم وتقاليدهم التقى موقع "مدونة وطن" مع الدكتورة "نورا أريسيان" المختصة بالتاريخ الحديث من "أكاديمية العلوم الوطنية" بأرمينيا، والعضو النسائي الأرمني الأول في "اتحاد الكتاب العرب" حيث بدأت حديثها:«يعتقد البعض أن الأرمن سكنوا في سورية بعد التهجير في نهاية عام 1915م ، لكن الدراسة أثبتت أنهم كانوا يأتون إليها منذ القرن الرابع عشر، والدليل على ذلك وجود الكنائس التي كانت تأوي قوافل الحجاج القادمين إلى حلب من أرمينيا وهم في طريقهم إلى القدس مثل "كنيسة الأربعين شهيد" التي بنيت في القرن الخامس عشر، وكذلك وجود بيوت "الهوكيدون" أي "البيت الروحيّ" الذي كان يبيت فيه هؤلاء الحجّاج للاستراحة، وأيضاً قدوم التجّار والحرفيّين على دفعات مختلفة كون مدينة حلب أحد أهم ممرات طرق الحرير، إلا أن الهجرة الأرمنية الفعلية إلى سورية بدأت في مطلع القرن العشرين بعد المذابح التي تعرضوا لها وتكثفت هذه الهجرة منذ عام 1915، وكانت مدينة حلب من أهم المدن التي سكنها الأرمن، حيث أسسوا فيها الكنائس مثل الكنيسة الكاتدرائية الحالية /1838-1860/ و أبرشية حلب الأرمنية الكاثوليكية /1926/، و كنيسة القديسة بربارة /1937/، وكنيسة الصليب في حي العروبة /1965/، وكنيسة الثالوث الأقدس، وكنيسة الأربعين شهيد التاريخية.

تم تعديل اسمي ليصبح عندهم "فيروز" أو "باروز" وأنا أحب الاسمين، وإجمالاً نادراً مايناديني أحدهم باسمي الأصلي لكني اعتدت الأسماء المعربة، وهي محببة إلى قلبي وليس لدي أية مشكلة في لفظها من قبلهم بالطريقة التي تناسبهم

يبلغ عدد سكان الأرمن في حلب أكثر من ستين ألف أرمني، أما في دمشق فيبلغ عددهم مابين ستة إلى سبعة آلاف أرمني، أما عددهم في بقية المحافظات ( دير الزور، القامشلي، الحسكة، الرقة، اللاذقية، كسب) فيبلغ مائة ألف أرمني، وجميعهم يتقن العربية والكثير منهم يتقن لغات أخرى مثل الانكليزية والفرنسية، لكنهم مازالوا يتحدثون مع بعضهم البعض بلغتهم الأم دلالة محافظتهم على ارتباطهم العاطفي ، وتجدر الإشارة إلى أنّ اللغة الأرمنية تحاكي اللغة اللاتينية في قواعدها وتصريفها، وبقيت هذه اللغة متداولة حتى القرن التاسع عشر، وتقسم إلى لهجتين متمايزتين: لهجة شرقية تُستخدم في أرمينيا والبلاد المجاورة، ولهجة غربية تُستخدم في بلاد المهجر، وهناك لهجات محلّية تختلف باختلاف المناطق نذكر منها لهجة "كسب، وأورفا، وعنجر".

بعض أحرف من الأبجدية الأرمنية

واللغة الأرمنية تعتبر من اللغات الغنية بمصطلحاتها بسبب التفاعل مع الحضارات المجاورة فدخلت إليها كلمات من أصل فارسي، ويوناني، وسرياني، وعربي، وفي وقت لاحق تأثّرت باللغات الأوربية الحديثة.

ينتمي معظم ابناء الجالية الارمنية الى الطائفة الارثوذكسية "الرسوليون"، والطائفة الكاثوليكية، فيما ينتمي الأقلية الباقية الى الطائفة الانجيلية.

طلاب أرمن في حلب في بداية القرن العشرين

جميع هذه الطوائف لها كنائسها ومدارسها وجمعياتها الثقافية ونواديها الرياضية، مثل المدرسة الأرمنية /1850/، ومدرسة الأبرشية الكبرى، ومدرسة "غريغوريوس"، كذلك لدينا مدرسة ثانوية واحدة في حلب، أما بقية المحافظات ففيها مدارس ابتدائية وإعدادية وجميعها تابعة لوزارة التربية.

أصل كلمة "يان" في كنية العائلات الأرمنية

كنيسة الأربعين شهيد

سألنا الدكتورة "نورا" عن سبب إضافة حرفي "يان" في كنية العائلة الأرمنية وهل هذه الميزة موجودة في سورية ولبنان فقط أم في كل كنيات العائلات الأرمنية في العالم فقالت:«كانت كنية الأرمن لاتنتهي بحرفي "يان"، وإنما تنتهي بالأحرف "اوني" مثلاً عائلة "أرشاكوني" وهي إحدى أهم العائلات التي يعود نسبها إلى عوائل الملوك والأمراء في القرنين السادس والسابع عشر، كذلك عائلة "باكرادوني".

في القرن الثامن عشر و بداية التاسع عشر دخلت كنيات بنهايات أخرى هي "اوتس" مثل عائلة "أدونتس".

أما في القرن التاسع عشر بدأ وضع حرفي "يان" للكنية وهي تماثل كلمة "آل" باللغة العربية كأن نقول عئلة "عبوديان" أي "آل عبود"، وعائلة "نجاريان" أي "آل النجار" وهكذا».

بشكل عام الكنية الأرمنية لها أربع تصنيفات، الأولى: الكنية المتوارثة من أسماء الأجداد مثل "كيراكوس" وأصبحت "كيراكوسيان" .

الثانية: أخذت من لقب: مثل " االأشمّ، الأسمر، " فأصبحت "أسمريان"، "شماميان".

الثالثة: أخذت من الأماكن التي أتوا منها مثل عائلة "مراشليان" (بحذف العين) الذين أتوا من مدينة "مرعش" في تركيا.

الرابعة: أخذت من المهن المتوارثة من الأجداد مثل عائلة "عبجيان" وهي مهنة جر العربة».

الكنية موجودة بكل أنحاء العالم وليس فقط في المنطقة العربية، وأية كنية تحمل في نهايتها حرفي "يان" هي حتماً كنية لعائلة أرمنية، حتى الأرمن بأرمينيا يحملون نفس الكنية مثل اسم الرئيس الأرمني الحالي "سيرج سركيسيان".

سألنا الدكتورة "أريسيان" عن العادات والتقاليد التي تم توارثها لدى الأرمن من أجدادهم ولمَ تلتزم بعض العائلات بهذه العادات رغم تراجعها في الوقت الحاضر فقالت:«بعد استقرار الأرمن بالبلاد العربية والأوروبية تمسكوا بتقاليدهم وعاداتهم كونهم أقلية، ورغم توارثنا لهذه العادات من أجدادنا إلا أنك وبعد مرور أربعة أجيال بعد الهجرة ستجدين بعض الابتعاد عن التقاليد المحافظة جداً مثل تقبيل يد الكبير في العائلة، أوعادة التقبيل لكل أفراد العائلة بعد أخذ الحمام.

عاداتنا في العرس الارمني مازالت تقليدية ولم تتغير فلا وجود للمهر عند الأرمن إطلاقا، والحلي مكونة من الفضة. أما الولائم في المناسبات الهامة والكبيرة فيتم فيها دعوة الأقرباء والأصدقاء إلى البيوت الكبيرة التي يسكنون فيها، وشواء الحملان هو الطبق الرئيسي، أما الرقص والغناء فيكونان حول النار بمصاحبة فرقة مؤلفة من ضاربي الطبل ونافخي المزمار، وعند الأرمن يمنع تناول الطعام من قدر مشترك، ولا يوضع على بساط ولا على سجادة بل على الطاولات، ولكلٍ صحنه وملعقته، وتفتتح الموائد من قبل رجل الدين ويبارك الطعام ويصلى عليه قبل تناوله ويحمد الله على نعمه، وإذا صودف وجود أكثر من رجل دين فيتولى المهمة صاحب الرتبة الأعلى ويكون الناس جميعهم واقفون كباراً وصغاراً.

نحن نشبه العرب كثيراً لأننا نعيش بينهم، وكون المجتمع العربي مجتمع محافظ لذلك تريننا نشبههم إلى حد كبير، لكن هناك بعض العادات تغيرت عند بعضهم في "أمريكا" مثلاً نتيجة تواجدهم في مجتمع غربي غير تقليدي.

أنا أحب أن أضيف لمعلوماتكم أن الجيل الجديد من العرب يعتقدون أن الأرمن هم أصحاب مهن قديمة فقط كالساعاتي، أو صانع الأحذية، أو ميكانيكي، لكن هذه المهن تعود في الحقيقة للجيل الأكبر سناً من الحالي الذي يدرس ويصل أعلى المراتب سواء في عمله، أو في اختصاصه بعد الدراسة، والدليل هو توزعهم في جميع أنحاء العالم مع أسمائهم الكبيرة، لكن الطريف عند هؤلاء الأرمن أنهم ينسبون أنفسهم إلى "سورية" كجنسية قبل أن يقولوا إنهم أرمن..

التقينا السيدة "آربي ماتوسيان" ربة منزل، وسألناها عن ردة فعلها لدى سماعها اسمها من قبل جيرانها وأصدقائها العرب، ولمَ يجدون صعوبة في لفظ الاسم الأرمني في بلادنا فقالت:«عادة ماتلفظ أسماؤنا وكنياتنا بشكل خاطئ، أو غالباً مايتم اختصارها من قبلهم، وهذا سببه وجود أحرف أرمنية صعبة النطق باللغة العربية لأنها أصلاً غير موجودة لديهم لأن لغتنا تحوي ثمانية وثلاثين حرفاً».

أما السيدة "بيروز مارونيان" والدة الدكتورة "نورا" فقالت:«تم تعديل اسمي ليصبح عندهم "فيروز" أو "باروز" وأنا أحب الاسمين، وإجمالاً نادراً مايناديني أحدهم باسمي الأصلي لكني اعتدت الأسماء المعربة، وهي محببة إلى قلبي وليس لدي أية مشكلة في لفظها من قبلهم بالطريقة التي تناسبهم».