(اسأل من كان بها خبيرا).. ومَن أكثر خبرةً بأحوال أهل "الشاغور"، وعائلاتهم، ووجهائهم، والمهن التي اشتهروا بها تاريخياً؟؟؛ مِن مختار الحي!!.. موقع "eSyria" التقى بمختار "الشاغور الجوّاني"؛ "عمر خادم السروجي" (أبو راشد) بتاريخ 25/9/2009 لنجد عنده من الإجابات على أسئلتنا ما لم يخطر لنا ببال، وهو المختار العتيق الذي رأى النور في هذا الحي سنة /1930م/، وتولّى منصب المختار منذ العام /1980م/، ومازال قائماً على رأس عمله للسنة التاسعة والعشرين على التوالي..

وأوّل ما سألنا "أبو راشد" عن المقصود بكلمة الخانة أو رقم القيد؟ فأجاب قائلاً:

مثل عائلات "الميدان"؛ "سحلول" و"دعبول" و"أكتع" و"حافي" و"بردان"

«"الخانة" كلمة تركية تعني البيت، فمثلاً يقولون "جبا خانة" أي: بيت السلاح, و"خستا خانة": المستشفى, و"آزد خانة" تعني: الصيدلية، وهكذا...

المجاهد حسن الخراط

واستبدلت كلمة "خانة" في بطاقة الهويّة بكلمة رقم المسكن، فإذا أخذنا حارة "الصمادية" مثلاً: الباب الأول في هذه الحارة يعطى رقم /1/، والعائلة التي تسكن في هذا المنزل تأخذ خانة "صمادية 1"، ولا تزال تحتفظ بنفس رقم القيد في سجل الأحوال المدنية..

وكانت المنازل التي تقع في الصف الأيمن من الحارة تأخذ الأرقام الزوجية، في حين الصف الأيسر يأخذ الأرقام الفردية»

عائلة المالكي على سجلات أهل الشاغور

ويؤكد "أبو راشد" بأن العائلة التي تحمل رقم المسكن /1/ ليست العائلة الأقدم في الحي, «فالخانة تدل على رقم البيت فقط».

وعن عائلات "الشاغور"، وتركيبته السكانية؟ يقول المختار: «شهد هذا الحي العديد من التغيرات الديموغرافية المرتبطة بهجرة العديد من عائلاته إلى أحياء "دمشق" الجديدة خارج السور، ومن أبرز تلك الهجرات ما حدث سنة /1925/ م عند اندلاع "الحريقة" حيث خرج الناس بملابسهم بفعل القصف الفرنسي إلى الأحياء الأخرى كالــ"مهاجرين".

عمر خادم السروجي؛ مختار الشاغور الجوّاني

وعلى هذا الأساس هناك العديد من العائلات الشاغورّية العريقة التي ما زالت تقطن الحي، وأخرى غادرته..»

وبمناسبة الحديث عن التركيبة الديموغرافية لحي "الشاغور" يقول "أبو راشد": «شهدت مدينة "دمشق" عبر تاريخها هجرات مستمرة للعائلات الدمشقية من الأحياء القديمة إلى الأحياء الجديدة, هذه الهجرات أتت بالتزامن مع قدوم العديد من أبناء ريف "دمشق" للسكن في أحياء المدينة القديمة وهذا مرتبط بتحسن أحوالهم المادية، ورغبتهم في تعليم أولادهم، وكانوا لا يسكنون الأحياء الحديثة كــ "أبو رمانة" أو الـ "مهاجرين" لأنهم يفضلون البيوت العربية في: "الشاغور" أو "العمارة" أو "مئذنة الشحم"...

وغالباً ما اعتاد أبناء القرى الوافدون إلى "دمشق" أن يسكنوا الأحياء الأقرب لجهة وصولهم إلى المدينة، فحي " الشاغور" كان مقصداً لأبناء "دير عطية" و"النبك" و"يبرود"..، و"العمارة البرَانية" و"الجوَانية" سكنها أهالي "حفير" وهي قرى بجانب "تل منين"..، أما "الميدان" فكانت المقصد الأقرب لأهالي "حوران"..»

وفي معرض الحديث عن الهجرات السكانية إلى "دمشق" يقول المختار "أبو راشد": «من الطريف أن البعض كانوا يأتون من الحجاز للعمل في " دمشق" مثل عائلة "مكاوي" من "مكة المكرّمة", و"المدني" من "المدينة المنورة", والعديد منهم يقومون الآن بتجهيز معاملات تثبت أصولهم ، وملكيتهم لأراضي وبيوت استملكت في توسعة الحرمين الملكي أو المدني».

وسرد لنا "أبو راشد" العديد من أسماء العائلات الشاغورّية الأصيلة ومنها عائلة "النصار" وهي: «من أعرق عائلات "الشاغور" وتنتسب إلى "نصار بن عريبي" أحد أبطال هذا الحي الذي ثار في وجه الحكم العثماني، وعرضت قصته في مسلسل "الخوالي"، وهي بالمناسبة قصة حقيقية، ولا يمكن أن تكون خيالاً...»

أما بالنسبة لعائلات "الشاغور الجوّاني" العريقة، والتي مازالت قيودها محسوبة على هذا الحي فهي كثيرة، ويذكر منها المختار: "القوتلي"، و"مردم بك"، و"المارديني"، و"المالكي"، و"العجلاني" و"الخراط" و"البكري"، و"العظمة"، و"سلوم"، و"منصور"..

ويؤكد "أبو راشد" أن هذه العائلات أنجبت لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين الذين وقفوا في وجه الاحتلال الفرنسي، وكان لهم أبرز الأدوار في تاريخ استقلال سورية وما بعده، ومنهم "يوسف العظمة": «وما زال البيت الذي ولد فيه موجوداً في هذا الحي، وعليه لوحة رخامية مكتوب عليها ما يؤكد ذلك، حيث استملكته وزارة الدفاع ورممته مع البيت الذي سكنه في منطقة "المهاجرين" حينما كان وزيراً للحربية، وكلا المنزلين أصبحا متحفين...».

و يضيف المختار: «بعد "يوسف العظمة" خرج من حي "الشاغور الجوّاني" العديد من الثوار الذين وقفوا في وجه الاحتلال الفرنسي، ومن أبرزهم "حسن الخراط" الذي كان رئيساً لحرّاس الحي فأخذته الحميّة للدفاع عن أهله ووطنه، ليصبح فيما بعد أحد قادة الثورة السورية الكبرى، ومن رفاقه "محمود سلّوم"؛ "أبو محمد"، وعمّي؛ "محمود خادم السروجي"، و"نسيب البكري" أحد وجهاء "الشاغور"، وكان يملك نصف أراضي "جرمانا" عندما كانت قرية صغيرة تابعة للغوطة.

كما أنجبت "الشاغور"؛ "شكري القوتلي" أول رئيس للجمهورية العربية السورية في عهد الاستقلال، و"جميل مردم بك" أحد رؤساء الوزارة السابقين الذي أهدى للمتحف الوطني القاعة الشامية، والشهيدين "عدنان المالكي"، و"فائز منصور"..»

وعن أصل تسميات العائلات يقول المختار: «عادةً ما تأتي أسماء العائلات من المهنة التي يعملون بها، أو البلد الذي أتوا منه، أو من لقب الجد الذي قد يكون مرتبطاً بطرفة أو عاهة..» ويضيف من باب التندر: «مثل عائلات "الميدان"؛ "سحلول" و"دعبول" و"أكتع" و"حافي" و"بردان"».

ولم يكتف "أبو راشد" بسرد أسماء العائلات الشاغورّية، بل قلّب أمام عيوننا التي ملأتها الدهشة صفحات سجلاته العتيقة ليثبت لنا الأصل الشاغوري لكل عائلةٍ ذكرها، ونسبها أباً عن جد، ومنها عائلة زميلنا "عمر المالكي" الذي سّره أن يلتقط صورةً لصفحة قيد عائلته على سجلات مختار "الشاغور"، وأكّدَ له "أبو راشد" أن أصول عائلة "المالكي" تعود إلى المغرب العربي قائلاً: «عندما احتل الفرنسيون الجزائر والمغرب, كانوا ينفون الثوار والوطنيين من تلك البلاد إلى سورية، ومنهم الأمير "عبد القادر الجزائري" ومن أتوا معه، والبعض هاجروا من المغرب إلى الشام بشكل طبيعي، ومنهم عائلة "المالكي", وحتى نحن بيت "خادم السروجي" تعود أصولنا إلى المغرب –حسب قول ستي أم أبي-».

وختمنا حديثنا مع مختار "الشاغور الجوّاني"؛ "عمر خادم السروجي" (أبو راشد) بالسؤال عن المهن التي اشتهر بها أهل هذا الحي تاريخياً، وعن ذلك قال: «امتاز "الشواغرة" تاريخياً بمهنٍ خاصةٍ بهم كبقية أهالي أحياء "دمشق" العريقة, فكما يقال أن (أهل القنوات لهم بكوات)؛ أي يعملون بالتجارة و(الميدان مخزن حوران)؛ لاشتغال معظم أهاليه بتجارة الحبوب..

أما أهالي "الشاغور" فكانوا يملكون الجمال والخيول والبغال. ويتاجرون بها في أسواق خاصّة كانت موجودة في منطقة الـ"زاهرة", التي هي بالأصل أرض تابعة لبساتين "الشاغور"، وأكثر "الشواغرة" كانوا جمّالة وصوّافة ومن هنا جاؤوا بالقوة و"المرجلة", فمن صفات الجمّال أنه قوي الجسم, وجريء, حيث كان يمشي بالبراري, ولا يهاب المسلحين وقطاع الطرق، واشتهروا بنقل البضائع على الجمال إلى العديد الأقطار العربية كالسعودية، ومصر...، ومنهم من عمل بمهنة "العربجية": (نقل الركاب بعربات تجرّها الخيول)، وغالباً ما كانوا يقفون بعرباتهم عن ساحة "المرجة".

كما كان قسم كبير منهم يعملون بالحياكة؛ ينتجون خيوط الصوف يدوياً، ويصنعون منها: "الصايات"، و"العبايات".., واشتهر العديد من "الشواغرة" بــ"كار" ؛ (الفوّال)، وكانت معظم المحلات التي يبيعون فيها الفول في سوق "الخياطين"».