كان قبل أن تصنع الآلة، وقبل إحالته إلى التقاعد خير من يحوّل حبات القهوة المحمصة إلى البن الناعم الذي يُغلى وتفوح رائحته الطيبة وتفيض دلات القهوة به.

ما كان "المهباج" يطحن حبات القهوة الداكنة هكذا، بل كانت دقاته منتظمة، تحوّل حبات القهوة إلى فتات، وما كانت أصوات طحنه مجرد صدى أوضجيج يملأ المكان بل كانت دقاته موزونةً، موسيقية الإيقاع على نغماتها يُحكى الشعر والقصيد والمواويل والأغاني، وفي هذه الأيام غدا "المهباج" ذكرى جميلة ممزوجة برائحة القهوة المطحونة مع حبات "الهال".

إن أكثر من يستعمله هم البدو وأهل القرى والريف، لأنه يمثل لهم شيئاً مهماًً، كما يعتبر آلة موسيقية بسيطة خاصةً بهم (البدو) من خلال الطرقات التي تهوي بها عصا المهباج بداخله

موقع esyria بتاريخ 4/8/2009 دخل أحد محلات الهدايا التراثية وأجرى لقاءً مع السيد "محمد النشار" الذي حدثنا عن المهباج بقوله: «هو أداة قديمة جداً، كان أجدادنا يستخدمونها لطحن القهوة وذلك بعد انتقاء حباتها وتحميصها في وعاء غير عميق له مقبض بيدٍ نحاسية طويلة، تسمى "المحماسة" تحرك وتقلب حبات القهوة فيها بواسطة قطعة نحاسية طويلة أيضاً على الجمر الملتهب حتى تتحمص، ثم تترك حتى تبرد، ويؤخذ منها القليل ويوضع في "المهباج" وتدق بعصا خشبية حتى تتحول إلى ذرات ناعمة، حتى إن البعض يعدونه "أبو القهوة" والبعض الآخر يطلق عليه لقب "سيّد من طحنها"».

السيد "محمد النشار"

ثم أضاف: «يصنع المهباج من خشب "البطم" لقساوته، لأنه يساعد على تحمّل ضربات الدق الشديدة، وينتقى خشبه من الخشب القريب للجذور، لأنه أقسى وأفضل جودة من باقي الأجزاء، وبعد قشطه من المحيط يتمُّ حفره في المنتصف بعمق 30 سم تقريباً، ليأخذ بعدها شكلاً دائرياً مقبباً من الأعلى. في بعض الأحيان يتمُّ وضع "المهباج" داخل الأرض بحفرة ويطمر مدة 20 يوماً حتى يختمر الخشب -وهذا النوع يتميز بقوته وجودته- بعدها ينقش عليه الرسومات المميزة على محيط خصره. والبعض يبخه بألوانٍ زاهيةٍ وموادٍ مثبتةٍ تمنحه البريق مثل (اللكر)أما على محيط فوهته فتوضع صفائح نحاس أو فضة أو ألمنيوم تفيد في نزول عصا الطحن داخلها بسهولة حتى لا تتهشم أطرافه».

وتابع السيد "محمد النشار" حديثه عن المهباج واستخدامه بقوله: «إن أكثر من يستعمله هم البدو وأهل القرى والريف، لأنه يمثل لهم شيئاً مهماًً، كما يعتبر آلة موسيقية بسيطة خاصةً بهم (البدو) من خلال الطرقات التي تهوي بها عصا المهباج بداخله».

"المحماسة"

وأضاف: «لكل شخص يمتلك المهباج دقته المميزة في طحن القهوة، إذ كان صوته ينتشر في كل مكان، ليسمعه الجيران والمارون من أمام البيت فيعرفون أن فلاناً هو من يطحن القهوة حسب دقته، وهذا ما يحتم عليه ضيافة من يسمعوه لأنه دعاهم لتناول القهوة على طريقته».

ثم التقينا السيد "فؤاد العلي" الذي قال: «رغم وجود آلات الطحن الحديثة ما زال المهباج موجوداً عند الكثير من الناس الذين يفضلون إعداد القهوة به لأنه يعطي القهوة نكهةً أطيب على حدّ تعبيرهم، كما يوجد من يشتريه ويقتنيه كفلكلور وتراث وزينة في المنزل خصوصاً في المضافات كبيرة الحجم».

القهوة محمصة وجاهزة للدق بالمهباج

السيد "دياب المصلح" قال: «لا نفضل القهوة المطحونة سلفاً والموجودة في الأسواق بل نحمصها ونطحنها على أيدنا "بالمهباج" ونضيف لها بعض حبات الهال، ويكثر طحننا للقهوة في المناسبات والأعياد لأن القهوة الطيبة تدل على حسن الضيافة».

السيد "حسين شاهين" حدثنا عن "المهباج" بإلقائه بعض أبيات الشعر المحكي التي كانت وما زالت تقال عند استعماله وهي:

«يا مَحلا شُربة الفنجان مع طلعة الشمس

يجلي عن القلب المشقق كدرها

فنجان اليوم ما هو من صُنعة أمس

اشرب و لا أنت محاسب بثمنها

يا صانع الفنجان إياك والهمس

خَلها بالدلال بعدما الملباج طحنها

صبها للضيف تا يقول بس

يلي دلالو بالعمر ما هجرها».