ألقت الدكتورة جمانة طه محاضرة في المركز الثقافي العربي بكفر سوسة بعنوان (الدمشقي نجاة قصاب حسن وأحاديث الروح...) بحضورٍ عدد من أفراد عائلته (منهم الدكتورة نجوى قصاب حسن وزيرة الثقافة السابقة)، وأصدقائه، و أصدقاء دمشق.

د جمانة طه ( باحثة أديبة و كاتبة سورية – عضو اتحاد الكتاب العرب- من مؤلفاتها: موسوعة الأمثال الشعبية، عندما تتكلم الأبواب" مجموعة قصصية").

عرفت د جمانة عن الأستاذ الراحل نجاة قصاب حسن بقولها:هو الدمشقي المشبع بحب الشام، و الإنسان صاحب النفسية الشابة، والذهن الوقاد، و البديهة الحاضرة مرحاً وظرفا ولطافة. و هو الرجل الوطني إلى حد التفاني، وأحد الشاهدين المهمين على ما جرى من أحداث في الوطن العربي في النصف الثاني من القرن الفائت... إنه الحضاري والمتنور،الذي سعى بكل ما في نفسه من محبة للوطن، وغيرة عليه للنهوض بالمجتمع فكرياً واجتماعياً وحضاريا..ً. ويتجلى هذا في المقالات التي كتبها، والكتب التي أصدرها، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي قدمها، وفي المحاضرات التي ألقاها، والندوات التي شارك فيها.

أضواء على حياة نجاة قصاب حسن و شخصيته(مقتطفات من المحاضرة):

نشأته و توجهه السياسي:

نجاة قصاب حسن... دمشقي المولد... ينتمي إلى أسرةٍ متوسطة... نشأ مع إخوته الستة، في بيت يقع في بستان الكركة المطل على بوابة الصالحية... والده سعد الدين كان نجاراً عربياً لم ينل كثيراً من العلم وإلى هذا الوالد يعود الفضل( في كل ما تفتح في الابن من مزايا، وفي إصلاح ما فيه من نقائص)..

المواطنة عند نجاة قصاب حسن ليست شعاراً،وإنما عمل و جهد وتضحية. ومن هنا نشأت عنده الحاجة لتسجيل الصور التي علقت في ذاكرة وعيه... مفترضاً أن يكون في هذا التوثيق... ما ينقذ من النسيان والضياع أموراً كثيرة، وملامح عديدة توضح صورة هذا البلد وشعبه الطيب المكافح... لا سيما أنه رجل مجرب واسع الاختلاط بالناس، عرف أهل دمشق... عرفهم في الحياة الاجتماعية وفي العهد السياسي، و في مهنة التعليم ومهنة المحاماة، ومن خلال عشرات الألوف من الرسائل التي وصلته منهم إلى برنامج المواطن و القانون.

في كتاب المذكرات بجزأيه: حديث دمشقي، وجيل الشجاعة، يقدم بطرافةٍ عرف بها و بأسلوب سلسل وسرد عفوي، نفسه وبيئته وتجربته ومراحل حياته... في رحلةٍ تتداخل فيها الأحداث

و تتنوع بين الاجتماعية و السياسية و الفكرية و الثقافية، فالمتعة فيها تتجاور مع المرارة، والماضي مع الحاضر، و الحكاية مع الطرفة.

عاصر نجاة قصاب حسن، فترة مهمة من مراحل تاريخ سورية السياسي الحديث، تمتد من 8 آذار 1921م وحتى 1997 م تاريخ وفاته.... شارك في المظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي، وعاش مراحل الزخم الثوري الذي كان يعم سورية... ومن شدة إعجابه بالثوار الذين كتبوا قصيدة الجلاء بالبندقية وبالسياسة والحوار، ولم ينل نشاطهم الكفاية من الاهتمام، ألف كتاباً عن أحد عشر رجلاً من الذين كان لهم حضور أكبر من غيرهم في معركة الاستقلال و الجلاء(صانعو الجلاء في سورية)...

رغبة نجاة قصاب حسن في تعميم العدالة الاجتماعية وترسيخها... قادته في سن مبكرة نحو الحزب الشيوعي وإلى العمل السياسي، فاعتنق أفكار الاشتراكية، وتقدم فيه بسرعة بسبب نشاطه وإخلاصه. سجن سبع مرات، وتشرد متوارياً عن الأنظار... وبعد عشر سنوات من العمل في الحزب، شعر نجاة بأنه يفقد ما كان بينه و بين القيادة الحزبية من انسجام... آثر التنحي بلطف، فبادرته قيادة الحزب بقرار فصله... وبعد ستة و ثلاثين سنة من الصمت، رافقه نشاط عام كثيف في خدمة الشعب، عاد الحزب الذي انقسم على نفسه، وأعلن بقرارٍ رسمي إعادة الاعتبار لنجاة، معترفاً بظلمه له.

نجاة قصاب حسن نصير المرأة ورجل المواهب المتعددة:

حرص الأستاذ نجاة على كتابة المقالة الأسبوعية في موضوعات تنوعت بين سياسية وقانونية واجتماعية وتاريخية وأدبية وفنية، فأغناها بالمعلومة ودعمها بالمناقشة، وقدم محاضرات"تنتظم كلها في دائرة، مركزها الإنسان ومحورها المستقبل."... وقد ساعدته في نجاح تواصله مع الناس

لغته..،وموضوعاته..،وأسلوبه... حتى صار له في الكتابة وفي الإذاعة المسموعة والمرئية، لغة خاصة... وهذا دليل على إبداعه واقتداره، في فهم دقائق اللغة ونفسية المتلقي.

وقف الأستاذ نجاة إلى جانب المرأة، فدعم إنسانيتها ودافع عن قضاياها بحماسة رأى فيها البعض تطرفاً ومغالاة، ولا سيما حين تمنى أن تكون حصة الأنثى في الإرث، مثل حظ الذكرين، تأميناً لها من غدر الزمان، وتعزيزاً لحضورها في بيتها و المجتمع.

خص الله نجاة بملكاتٍ إبداعية متعددة... كان يرسم ويكتب الشعر والنص المسرحي ويعزف على العود ويلحن، ومع ذلك لم يدع يوماً أنه شاعر ولا موسيقي ولا رسام.

معرفته بالموسيقى العربية و كتاباته فيها، أدت إلى أن يصبح مديراً للمعهد العالي للموسيقى الذي كان تابعاً لوزارة التربية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وأهلته ليكون صديق العائلة الرحبانية. وقد ركز في مقالاته و برامجه الإذاعية و التلفزيونية، على الاهتمام بالموسيقى، وضرورة إدخالها مادة في مناهج الدراسة الابتدائية، وتعليمها فعلياً لا صورياً...

أما معرفته بالرسم ومشاركته فيه، فقد أهلته لأن يكون أحد الكتاب الناقدين في الفنون التشكيلية، وتصادف أنه كان أول من اقترح في الخمسينيات، إحداث كلية للفنون الجميلة، وهذا كله جعل منه مديراً للفنون في وزارة الثقافة...

علاقة نجاة بالشعر هي علاقة توق إلى الجمال والحب والحرية. فالشعر ساعده على أن يرى الأشياء كما ينبغي أن تكون، في حلم الإنسان المتطلع للجديد. لكن الأستاذ نجاة لم يعّرف عن نفسه شاعراً، ولم يقدم في حياته كلها أمسية شعرية، ولم يطبع ديواناً، ولم ينشر قصيدة، فكان يرى في نفسه هاوياً للشعر ناظماً له، على الرغم من شهادات الاستحسان التي صدرت عن الشعراء

والأدباء الذين استمعوا إلى شعره.

انشغل الأستاذ نجاة بالمسائل الحضارية،واهتم بالمستقبل و دعا إلى ضرورة الاستعداد له..

هذا هو نجاة قصاب حسن الإنسان ، الذي أتاح لي أن أتحدث إليكم حديث الروح للروح، وأن أنقله إليكم على جناحي محبته و ذكرياته...

مداخلات:

بعد انتهاء المحاضرة قدم الأستاذ غسان كلاس مدير الثقافة بدمشق،و الإعلامية والكاتبة سهام ترجمان،و د. نجوى قصاب حسن وزيرة الثقافة السابقة. قدموا مداخلات حول المحاضرة،

و شخصية الأستاذ نجاة قصاب حسن،وعلاقتهم به، وركزوا على برنامجه الإذاعي (المواطن و القانون)، وبرنامجه التلفزيوني (ومضات).

د . نجوى قصاب حسن:شكرت الدكتورة جمانة طه عل جهودها في محاولة الإحاطة باهتمامات الأستاذ نجاة قصاب حسن (وهي كثيرة)، وليس من السهل الإحاطة بها جميعاً، وامتدحت أسلوبها الأدبي المحبب في عرض سيرته الذاتية... وتحدثت عن برنامج الأستاذ نجاة المواطن و القانون الذي قدمه عبر أثير إذاعة دمشق من العام 1955م إلى العام 1980م ( ربع قرن يشتكي إليه المواطنون و يجيبهم بإجاباتٍ إنسانية أكثر منها قانونية... كان كريماً معي حينما قدم لي هذه الرسائل التي جمعها على مدى خمسة و عشرين عاماً، لأجري عليها دراسة تحليل مضمون لرؤية مسار التغيير الاجتماعي، وعرفت من خلالها الأستاذ نجاة كإنسان أكثر من معرفتي له كأخ...

له العديد من الإسهامات في مجال التغيير الاجتماعي من خلال مفهومه الإنساني للأسرة

والمجتمع...)

eDamascus لقاءات لموقع:

الأستاذ أكرم قصاب حسن: أنا الأخ الأصغر للأستاذ نجاة... كان بالنسبة لي أخاً، وصديقاً, وأباً ومرشداً... رحم الله نجاة الذي كان معلماً حضارياً بعيون كل من يعرفه...نحن نأسف على فقده

كأخ وإنسان من هذه البلد كان يحمل همومها، ويسعى للنهوض بها إلى المستوى الذي يليق بها.

الإعلامية الأستاذة سهام ترجمان تحدثت لنا عن الدكتورة جمانة طه و الأستاذ نجاة:

جمانة طه تتميز بالعذوبة، و العمق الثقافي ، واللغة المكينة التي نفتقدها في هذا الزمن ... ميزتها أنها أديبة وإنسانة.

الأستاذ نجاة يجمع في شخصيته كل صفات الدمشقيين من اللطف و الظرف و المحبة و الكرم و الثقافة... كان معطاءاً تتحقق سعادته بتحقيق الفرح للآخرين... تفاعلت معه كمحامي وصديق لي منذ بداياتي، وهو من أوائل الذين اكتشفوني.. كان رحمه الله اسماً كبيراً و لا معاً في دمشق.

د جمانة طه: يسرني أن أتحدث لك ليس كمراسل وحسب, وإنما كشاب وأنا استهدف هذه الشريحة بالذات للحديث عن رموزنا المرموقين.

سميت المحاضرة الدمشقي لأننا في رحاب دمشق عاصمة الثقافة العربية، ومن المهم تسليط الضوء على رموزنا المعاصرين... نجاة قصاب حسن من الأعلام الذين قدموا خدمات كبيرة لهذا الوطن... كان مجموعة رجال في رجلٍ واحد، لكنه بصورةٍ أساسية رجل قانون، و باحث عن الحضارة... هذه الحضارة التي نعتز بها ،وهي ربما اليوم واقفة على رأسها و تحتاج إلى من يعيدها لتقف على قدميها... عمل الأستاذ نجاة طويلاً في خدمة المواطن، وتعريفه بحقوقه وواجباته من خلال البرامج التي قدمها على الإذاعة و التلفزيون...كانت تربطني بالأستاذ الراحل علاقة روحية، فهو كان بمثابة أبي الروحي، كان صاحب لهفة ولا يمكن أن يتأخر عن مساعدة أحد، ولطالما كان ملهمي حتى في هذه المحاضرة.