لم تقف دمشق عند الثقافة والآثار بل امتدت إلى كل ما هو عريق وأصيل حتى وصلت إلى الطعام والتذوق الدمشقي اللذيذ الذي كان من شأنه أن ينتشر في كل دول الاغتراب ومنها أكلة ((الحفاتي والقبوات)) التي انتشرت في أغلب دول العالم وخصوصاً الأوروبية منها.

ويذكر لهذه الأكلة تاريخياً بدايتها في العهد العثماني عندما قرر الحلفاء ((فرنسا وبريطانيا)) الهجوم على المنطقة العربية, فحشد العثمانيون عسكرهم بما كان يسمى ((السفر برلك)) آخذين بذلك معظم الشباب السوريين ومنهم الدمشقيون طبعاً مع كل مقدرات أسرهم من قمحٍ وشعير, وهذا أدى بشكلٍ طبيعي إلى فقر مدقع وجوعٍ شديد في المنطقة كلها وخصوصاً دمشق, مما دفع الدمشقيين إلى محاولة مقاومة هذا الجوع بالاستفادة من زوائد الغنم التي لا تؤكل, فوجدوا بها اللذة والغذاء المتكامل.

ونذكر أنواعها ((الحفاتي, القبوات, السجقات, الكرشة, السنداوة, المقادم, اللسانات والرأس)), وكل نوعٍ من الأنواع له طريقة في إعداده سواء على طريقة المطبخ الشامي أو التركي, وهناك الطريقة الحلبية التي يتم فيها إضافة الحد والحمص الحب على ما يسمى ((الحشوة)).

سألنا الحاجة أم عزيز عن طرق التحضير فأجابت:

أولاً: المقادير: رز- لحمة- ملح- فلفل- كمون- عصفر- بهارات- قرفة- زنجبيل.

ثانياً: طريقة تحضير الرز: ننقع الرز مدة ساعتين ثم نصفي الماء من عليه ويفضل أن يكون الرز من النوع ((الحبة الصغيرة)), ثم نضيف الملح والبهارات والعصفر واللحمة والقرفة والزنجبيل إلى الرز ونخلطها جيداً.

ومن ثم نبدأ بالسجق: وهي أمعاء الخروف: حيث نقوم بغسلها وتنظيفها ومن ثم حشوها بالرز وبعد ذلك نضعها في الطنجرة ونسكب الماء عليها بإضافة الملح وورق الغار وبصلة ونصف ليمونة ويمكن وضع الهيل حسب الرغبة, وتترك على نار الطهو حتى تنضج.

أما القبوات: وهي الاثنا عشرية وتأتي بعد الأمعاء: تحضر بنفس طريقة السجق ولكن تغسل بعد الحشو لأن الأمعاء تقلب إلى الداخل أثناء الحشو وتترك على النار الهادئة حتى تنضج.

الكرشة: أي المعدة وتعد بنفس الطريقة وعند تجزئتها يصبح اسمها ((الحفاتي)).

السنداوة: وهي آخر الأمعاء الغليظة وتخضع لنفس الطريقة في الإعداد.

اللسانات: نغسلها ثم نشويها على نار هادئة ونضعها في طنجرة البخار وفوقها الماء والبصلة وورق الغار والقرفة ونتركها حتى تنضج.

المقادم: وهي أقدام الخروف حيث تنظف من الشعر بسلخ الجزء الخارجي الذي يحوي على كتلة دهنية وشعر وبعدها تشوى وتخضع لنفس الطريقة في طهو اللسانات.

الرأس: بعد تنظيفه يتم سلقه بالماء مع كل الإضافات السابقة حتى ينضج.

وهكذا تكتمل هذه الأكلة كما وصفتها لنا الحاجة أم عزيز التي تبلغ من العمر 83 سنة ولا تزال تصنع هذه الأكلة وخصوصاً في الأعياد, حيث تجتمع كل العائلة على سفرتها عندما تكون قد أعدتها ولا ترضى أن يتدخل أي أحد بطريقة إعداد هذه الأكلة لأنها أكلة الكبار على حد قولها.

ويضيف الحاج أبو قاسم الذي التقيناه بأحد مطاعم الميدان: إن هذه الأكلة خلقت ((للطفران)) وأصبحت الآن أكلة الغني قبل الفقير وهي مكلفة مادياً إذا اشتريتها من السوق وتحتاج إلى جهد كبير إذا أعددتها في المنزل ومع كل ذلك فهي لذيذة ولم أمتنع عن تناولها, واتفق الشاب محمد الفطايري مع الحاج أبو قاسم بكلامه عن هذه الأكلة.

وتنتشر هذه الأكلة بكل أنحاء دمشق من المطاعم المهمة في الميدان، إلى أبو أحمد الذي يبيع سندويش اللسانات على البسطة بسوق السويقة الشعبي, وهذا دليل على نشاط ذهن الإنسان الدمشقي بالاستفادة من كل زوائد الخاروف التي كانت ترمى.