إن المجتمعات الغربية التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتتكلم عن الأم والمرأة كلاماً معسولاً جداً وتمارس أفعالاً طالحةً في معاملتها للأم من ناحية العمل حيث تساويها بالرجل ليس فقط بالأعمال السهلة ولكن في الصعبة أيضاً، فيمكن أن تعمل ((ميكانيكي، وتمسح الزجاج، وتعمل في المطاعم عمل الرجال من نادلٍ إلى غسل الأطباق وشطف إشارات المرور حتى إهانتها بالاعتماد على كل مبادئ حقوق الإنسان)).

ويحتفل الغرب بيومٍ من كل عام بالأم في ابتهاجة تفتح بها الأسواق لبيع الهدايا للشباب والشابات حتى يزوروا أمهاتهم في البيوت المستأجرة وفي مآوي العجزة.

أما في المنطقة العربية عموماً ودمشق خصوصاً فيحتفل المجتمع بالمرأة كل يوم، وباعتبار المرأة نصف المجتمع والأم كل المجتمع، وهذا ما أكده لنا الشاب محمود بكار الذي لم يبتاع لوالدته أي نوعٍ من الهدايا في هذا اليوم مبرراً ذلك باعتبار عيد الأم بدعةً غربية، وإن عيد الأم بالنسبة له يبدأ بشروق الشمس من كل يوم وينتهي بغروبه ثم يتجدد في اليوم التالي من جديد، وأضاف: أنا أحتفل بأمي كل يوم وأقدم لها الهدية أول كل شهر حسب المستوى المادي لي، ولو باستطاعتي لقدمت لها كل ما أملك وأنا أعرف بأني لن أكافيها على حنانها الذي تمنحني إياه في كل يوم من أوله إلى آخره.

الأسواق عشية العيد

هذه هي الأم لدى البعض في مشرقنا العربي والذين وصفها الشعراء منهم بكل ما في الوصف من كلماتٍ تعجزُ عن تقديسها، فوصفوها بشعرٍ خالد إلى يومنا هذا وأقتبس هنا قصيدةً للشاعر الكبير نزار قباني بوصفه لأمه أم المعتز بقولة:

((يعرفونها في دمشق باسم أمّ المعتز

وبالرغم من أن اسمها غير مذكورٍ في الدليل السياحي

فهي جزءٌ من الفولكلور الشامي

وأهميتها التاريخية لا تقل عن أهمية قصر العظم

وقبر صلاح الدين ومئذنة العروس

ومزار محي الدين بن عربي

وعندما تصل إلى دمشق

فلا ضرورة أن تسأل شرطي السير عن بيتها

لأن كل الياسمين الدمشقي يهرهر فوق شرفتها،

وكل الفل البلدي يتربى في الدلال بين يديها

وكل القطط ذات الأصل التركي

تأكل.. وتشرب.. وتدعو ضيوفها.. وتعقد اجتماعاتها..

في بيت أمي..)).

وعند وجودنا في الأسواق الدمشقية سألنا الشابة سوسن طالبة جامعية عن عيد الأم وماذا يعني لها فأجابت: إن هذا اليوم من أعظم الأيام بالسنة، وأضافت: أنا أحب والدتي ووالِدي إلا أن هذا اليوم له نكهة خاصة بالنسبةِ لي لما يعرض على التلفاز السوري من أغاني وبرامج تمجد الأم، وابتهج بالهدايا المصنوعة والمقدمة خصيصاَ للأم في يومها العظيم هذا.

وتعود فكرة عيد الأم لسيدة أميركية احتفلت بذكرى وفاة والدتها هي وصديقاتها واقترحن الكفاح من أجل تخصيص يوم بالسنة من أجل الأم وكان ذلك عام 1905م، وفي عام 1914م أصدر الرئيس الأميركي آن ذاك (ويدرو ويلسون) مرسوماً بتخصيص يومٍ في السنة للاحتفال بالأم، وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى دول العالم.

أما بالنسبة للعالم العربي فكانت مصر السباقة لذلك بزاوية كتبها الصحفي (علي أمين) تحت عنوان "فكرة" في عام 1955م، لتخصيص يوم للاحتفال بالأم مع أن الأم في عالمنا العربي لها كيانها الذي تتميز به عن باقي شعوب وأمهات العالم.

وأتت فكرة الصحفي (علي أمين) بعدما روت إحدى الأمهات قصتها له بتخلي ابنها عنها وخروجه من منزلها تحت رغبة زوجته التي لا تريد العيش مع حماتها رغم كل ما قدمته الأم لابنها برفضها الزواج من أي رجلٍ بعد وفاةِ زوجها، حيث قدمت كل شبابها من أجل أن تربي ابنها فباعت صيغتها وأثاث بيتها وباعت ملابسها وعملت في البيوت حتى إكماله دراستهُ الجامعية ومن ثم زوجته المرأة التي أرادها حتى كافأها بخروجه من المنزل هو وزوجته والعيش في منزلٍ خاصٍ بهم وتركها وحيدة لا حول لها ولا قوة.

وبسماع القصة من قبل السيدة زينات الجداوي (مقررة لجنة الخدمة العامة في جمعية المرشدات)، تأثرت بهذه القصة وعملت بشكلٍ جدي على اعتماد يوم الحادي والعشرين من شهر آذار (يوماً للأم) للأبناء الذين تخلوا عن أمهاتهم وهو يوم بداية تفتح الأزهار في الربيع، ثم أصدر وزير المعارف آنذاك قراراً بتخصيص هذا اليوم للأم للاحتفال به في المدارس.

وبعد ذلك انتشرت الفكرة في جميع أرجاء الوطن العربي واعتُبرَ هذا اليوم تتويجاً رمزياً لاحترام الأم التي فضلتها وقدستها كل الديانات والقوانين الإنسانية المختلفة منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا... ونختم بقول (كل عامٍ وأمهاتنا جميعاً بألف خير).