ما هي حظوظ برجي لليوم؟، هل سأسمع خبراً مفرحاً، أم أتلقى مبلغاً مادياً؟

أسئلة كثيرة تبدأ بها شريحة واسعة من الأشخاص يومها، والمرجع الوحيد للإجابة على هذه الأسئلة بالنسبة لهم هو علم الفلك والأبراج، الذي يتوقع مسارات الأيام ومجرياتها من خلال مجموعة من الفلكيين يطلون على الجمهور المهتم عبر فضائيات التلفاز وأثير الإذاعات.

وللجمهور العربي حصة كبرى من كعكة الأبراج وعالمها، فهو الأكثر متابعة عالمياً لهذا النوع من البرامج، وعلى الصعيد الأكثر خصوصية فإن نسبة لا بأس بها من السوريين يشكلون رقماً هاماً من هذا الجمهور.

في بحث أجرته "مدوّنة وطن" حول ترتيب مواقع الفلك والأبراج عالمياً ومحلياً، سجل موقع "الأبراج" الشهير الذي يعدُّ موسوعة تجمع توقعات كل الفلكيين العرب ترتيب 72.254 بين المواقع العربية، كما سجل الفلكي "علي العيس" المرتبة 159 بين المواقع الأكثر مشاهدة في سورية، أما الفلكي "ثابت الحسن" والذي يعدُّ من الأسماء المتداولة بين المهتمين في عالم الأبراج فقد سجل ترتيب 576 أيضاً بين المنصات السورية، وتعدُّ هذه الأرقام متقدمة خاصة أنها تزاحم المواقع الإعلامية والعلمية والطبية والثقافية، وتقترب من احتلال مكانها في الترتيب العالمي.

موسم الرزق

تعدُّ فترة نهاية العام مصدراً هاماً من مصادر ربح المكتبات مادياً، حيث تقوم تلك المكتبات بشراء كتب الفلكيين التي تتحدث عن توقعات العام الجديد، وتقسيمها إلى 12 برجاً، وبيع كل برج في كتيّب، وحول ذلك يقول "ربيع صواف" صاحب إحدى المكتبات وسط مدينة "دمشق" أن زبائن المكتبة طيلة العام يدخلون بغرض تصوير الأوراق أو شراء القرطاسية، لكن في الشهر الأخير من السنة يصبحون من القلائل، حيث إن أغلب الزبائن ينجذبون لعرض كتيّبات الأبراج على الواجهة ويدخلون إلى المكتبة لشرائها.

ويضيف: "المربح في الأمر أنه قلما يدخل شخص ليشتري برجاً واحداً فقط، بل الأغلبية تشتري عدة أبراج لها ولمحيطها من عائلة وأصدقاء"، وختم "صواف" بطرافة قائلاً إنّه يسأل الزبائن إذا ما كانوا يصدقون فعلاً الأبراج، لكن الإجابة دائماً تكون "من باب الفضول فقط".

ينقسم الناس إلى شريحتين في هذا الأمر، قسم منهم يعترف بإيمانه بالأبراج وتنبؤاتها، والقسم الآخر يكون حاداً عندما يسأل عن رأيه بالأبراج، وينفي نفياً قاطعاً اهتمامه بها ويربطها بمشكلات نفسية مثل نقص القدرات العقلية والتعلق بالأوهام.

تعددت الأسباب

حول مدى تصديق الناس للأبراج والتوقعات، يقول "أيهم" أنه غير مهووس بمتابعة الأبراج لكنه يسر إذا سمع برجه قبل الخروج من المنزل صباحاً، فإذا كان برجه جيداً شعر بالطاقة الإيجابية، أما إذا كانت توقعاته مخيبة، فيحاول ألا يأخذها بالحسبان كي لا تؤثر في مزاجه العام.

أما "محمد" فيقول إنه يصدق الأبراج بجزئية منها فقط، وهي جزئية الصفات، فمثلاً صفات برجه "العقرب" حين يقرأ عنها في كتب الأبراج يجدها مطابقة لشخصيته الواقعية، كما أنه يشعر بقرب علم الفلك من علم "الفراسة" وعلوم النفس البشرية التي تميز كل شخص عن الآخر وفق تباين الملامح والصوت والتصرفات، لذا قد يوليها القليل من اهتمامه اليومي في حال صادف الأبراج عبر التلفاز أو الراديو، أو وقع في يده كتاب عنها.

وتضيف "رغد" إلى الآراء السابقة أنها تؤمن بالأبراج كمفتاح ليومها، حيث تشعر أنها طقس مرافق لفنجان القهوة الصباحي، وتنزعج في حال اضطرت للاستعجال في الخروج من المنزل دون أن تسمع برجها، وأشارت إلى أن مزاجها يتلون بحسب التوقعات التي تسمعها، فإذا كانت جيدة رأت كل تفاصيل يومها جيدة، حتى لو حدثت أشياء مزعجة، والعكس أيضاً في حال كانت التوقعات سلبية فهي لا تستطيع الاستمتاع بتفاصيل يومها حتى لو كانت تسير على ما يرام.

بدورها تقول "لمى"، أنها لا تصدق الأبراج، خاصة كون التوقعات اليومية لا تنطبق على أفراد البرج الواحد ككل، وأنها حين كانت في مرحلة المراهقة كانت تهتم بمتابعة الأبراج وتصف هذه الفترة بالانتقالية من حياتها، وصلت بعدها إلى مرحلة من الوعي تجعلها غير آبهة بما يتوقعه المنجمون لمسار يومها.

تأجيج غريزة القطيع

الاختصاصية النفسية والمدربة "هبة موسى" فسرت لمدوّنة وطن الأسباب التي تدفع الكثير من الأشخاص إلى جعل فقرة الأبراج هي محور اليوم ومحددة مساره، فقالت إن هذا الاهتمام نابع من خوف الإنسان من المجهول، وبما أن الأبراج هي توقعات وتنبؤات لساعات وأيام قادمة، فالكثير يرى فيها اختراقاً لذلك المجهول، وكشف القليل من خفاياه، كما ساهمت كمية الضخ الإعلامي الذي يخدم الأبراج في تمكينها في المجتمع، فنرى الكثير من الفلكيين والمنجمين على منصات إعلامية مهمة ولها جمهورها، ما يعمّق أهمية متابعتها لدى الأشخاص في منازلهم، وبالتالي تصبح جزءاً من يومهم.

كما تلعب الضغوطات التي يعاني منها السوريون دوراً أيضاً، فباتوا يجدون في الأبراج نوعاً من التخفيف عن أنفسهم، وفي عالم التوقعات مثلاً يلعب الفلكيون على وتر التوقعات الاقتصادية، أو الأمنية، وأهم الأحداث الجارية ليلعبوا على غريزة القطيع الموجودة لدى البشر، لتأجيجها وبث التوتر فيها، وبالتالي ستصبح هذه التوقعات حديث الشارع وتنال الهدف المرجو منها وهو شهرة الفلكي أو "المبصر" وزيادة رصيده من الجمهور والمال.

أنت طالق..!

تطرقت "موسى" إلى ذكر حادثة عرفتها بشكل مباشر، وهي لسيدة وزوجها يدمنان ما يعرف بالأبراج والتوقعات، كانا ينتظران مولودهما الأول، والزوج يرغب بصبي، لكنها اتصلت مع إحدى الفلكيات التي قالت لها أنها ووفق حساباتها ستنجب طفلة، وعندما أخبرت زوجها عظمت بينهما الخلافات ما أدى إلى الطلاق، لكن السيدة احتفظت بالجنين لتلده ويكون صبياً، على خلاف الحسابات الفلكية.

يذكر أنّ مواقع التواصل الاجتماعي وبالخصوص "اليوتيوب" ساهمت حالياً إلى جانب التلفاز والراديو في تمكين الفلك والأبراج والتوقعات في المجتمع، فقنوات الفلكيين على هذه المنصة تسجل آلاف المشاهدات في غضون أيام قليلة، فمثلاً "ماغي فرح" حققت في أسبوع ما يقارب 400 ألف مشاهدة، وكارمن شماس 1500 مشاهدة في 24 ساعة فقط.