لم يكن الراحل "سليم كلاس" فناناً عابراً، بل ترك بصمة واضحة على الساحة الفنية العربية من خلال المسرح والتلفزيون والسينما بأدوار مختلفة؛ من دون أن يضع نفسه بإطار محدد كما فعل الكثيرون من فناني جيله.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 أيار 2019، "طه الخفاجي" المهتم بالشؤون الفنية بمكتبه في "دمر"، ليتحدث لنا عن "سليم كلاس"، حيث قال: «ينتمي "كلاس" إلى رواد الدراما السورية، بدأ مسيرته الحافلة عام 1970، حقق خلالها ما يقارب 150 عملاً بين المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة، جسد فيها شخصيات مختلفة وأدواراً منوعة، كما عمل كمذيع للعديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، ممتلكاً أسلوباً خاصاً في الأداء، فانجذبت إليه أنظار المخرجين العرب وطلبه بعضهم، حيث شارك السينما المصرية إلى جانب نجومها، لكن بلهجته الشامية، والمرة الوحيدة التي تحدث فيها باللهجة المصرية في فيلم "ليل الرجال" أمام الفنان العربي الكبير "فريد شوقي" عام 1976، وفي حوار له تحدث عن هذا الدور وأشار إلى أنه لم يكن راضياً عن نفسه وهو يتحدث غير اللهجة الشامية».

لم أعرف رجلاً نزيهاً وصادقاً مثله، بأناقته الدائمة، لم يدخل حروب المهنة كالآخرين، لم يكره أحداً، كان صديقاً للجميع، وفي بيته كان ذلك الرجل الشامي العتيق، المحب لأسرته

وأضاف: «قبل أن ينتقل إلى التلفزيون في بداية تأسيسه، وقف "كلاس" على خشبة المسرح بأدوار صعبة وشارك في مسرحيات عالمية لأشهر الكتاب، مثل: "شكسبير، وموليير، وبيكيت" فضلاً عن نصوص محلية وعربية، وكلنا نعرف ماهية الشخصيات في هذه النصوص، وأن أداءها ليس بالأمر السهل، لكن الفنان "سليم كلاس" امتلك تلك الروح والمشاعر والمعنى، وأعطى الجمهور شعوراً بأنه يعيش داخل تجربة حقيقية بكل ما فيها من فرح وحزن وألم، وفي السينما أيضاً استطاع أن يتقمص الشخصيات الدرامية ومحاكاتها على أرض الواقع، وتجسيد ملامح وصفات تلك الشخصيات وأبعادها المتباينة، ومع أنه لم يدرس الفن أكاديمياً، فهو خريج تجارة واقتصاد من جامعة "دمشق"، إلا أنه امتلك الموهبة الحقيقية وصقلها من خلال تجربة تراكمية بدءاً بعمله كمذيع ثم في المسرح، لذلك قدم أدواره بصدق، وجذب المشاهد إلى أدواره بحنكة وقراءة معمقة».

دور من البيئة الشامية

"نورا محمد علي"، كاتبة وشاعرة، قالت عن "كلاس": «بعد نجاحه الكبير في الدراما المحلية، انجذبت إليه أنظار أهم المخرجين السينمائيين المصريين، فوقف أمام كاميرا المخرج الشهير "عاطف الطيب" بأحد أهم أفلامه؛ وهو فيلم "ناجي العلي" الذي يحكي قصة رسام الكاريكاتور الفلسطيني "ناجي العلي" واغتياله في العاصمة البريطانية "لندن" عام 1987 من قبل الرجعية العربية والصهيونية العالمية، وفيه قدم "كلاس" دوره بلهجته السورية إلى جانب ممثلين مصريين، أمثال: "نور الشريف، محمود الجندي"، والسورية "ليلى جبر"، واللبناني "أحمد الزين".

وقبل هذا الفيلم شارك أيضاً في فيلم "ليل الرجال" عام 1976 إلى جانب "فريد شوقي، ناهد الشريف" والمخرج "حسن الصيفي"».

من أدواره في التلفزيون

وأضافت: «في السينما المصرية الحديثة إنتاج عام 2000 شارك "كلاس" في فيلم "شورت وفانيلا وكاب" من إخراج "سعيد حامد"، وشارك فيه أهم الممثلين المصريين، مثل: "أحمد السقا، شريف منير، داليا مصطفى، سامي العدل"، ولعب الممثل السوري فيه دور الدبلوماسي الذي تهرب ابنته مع شاب مصري بعد أن يرفض زواجهما. وفي فيلم مصري آخر يضع "كلاس" بصمته فيه بعنوان: "ولاد العم" للمخرج "شريف عرفة" إنتاج عام 2009، يشاركه البطولة كل من "كريم عبد العزيز، منى زكي، شريف منير، صبري عبد المنعم"، ويلعب فيه دور شخصية رئيس الموساد الإسرائيلي، ويحكي قصة ضابط بالموساد مسؤول عن تكوين شبكة جاسوسية لتنفيذ اغتيالات في "مصر"، وقد تم تصوير بعض مشاهده في "سورية"، وكان للمعنيين في "سورية" دور مهم في إظهار الفيلم، بينما تم تأخير عرض الفيلم بسبب المراقبة الشديدة من قبل السلطات المصرية».

"فراس أحمد"، مهندس ومقرّب من "سليم كلاس" قال: «لم أعرف رجلاً نزيهاً وصادقاً مثله، بأناقته الدائمة، لم يدخل حروب المهنة كالآخرين، لم يكره أحداً، كان صديقاً للجميع، وفي بيته كان ذلك الرجل الشامي العتيق، المحب لأسرته».

كلاس في بداياته

يشار إلى أن الفنان "سليم كلاس" من مواليد "دمشق" عام 1936، دخل الساحة الفنية مبكراً، وله في السينما السورية الكثير من الأفلام، مثل: "عودة حميدو، زواج على الطريقة المحلية، غراميات خاصة، عشاق على الطريق..." وفي التلفزيون نذكر: "جواهر، مرايا، حارة القصر، أبجد هوز، البناء 22، العروس، جدار الزمان، حرب السنوات الأربع، حد السيف، طقوس الحب والكراهية، جلد الأفعى، النصية، رقصة الحبارى، حمام القيشاني، أيام شامية، ليالي الصالحية، حاجز الصمت، مرايا، أبو المفهومية، اختفاء رجل، إخوة التراب، يوميات مدير عام...".

توفى كانون الأول 2013 بـ"دمشق" عن عمر ناهز 77 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً فنياً كبيراً.