شيخ الكار، ربما هذا الوصف الأنسب للمخرج ومدير التصوير الراحل "جورج لطفي الخوري"، الذي يعدّ من أميز الفنانين السوريين ممن رفعوا مستوى السينما السورية إلى أبهى صورها وجمالها اللوني والضوئي.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 7 كانون الثاني 2019، "محمد منير الجبان" مدير تصوير وخريج "النمسا" عام 1968، وصديق "لطفي الخوري" بمكتبه في المؤسسة العامة للسينما، ليتحدث عنه قائلاً: «لي تجارب سينمائية مشتركة معه، منها عملت ضمن طاقم التصوير الذي يديره، ومنها كنا ندير التصوير كفيلم "حبيبي يا حب التوت"، فهو من الأوائل الذين قامت على أكتافهم صناعة السينما السورية، وأول العاملين في المؤسسة العامة للسينما ومن المبدعين في مجال عمله مع أنه لم يدرس تصوير السينما في البداية، إنما اكتسبه من الخبرة، وعمل بالكثير من الأعمال في القطاع الخاص.

عندما نتحدث عن السينما السورية يجب أن نذكر اسم الفنان "جورج لطفي الخوري"؛ لكونه عمل مديراً للتصوير في أغلب الأفلام السينمائية، إضافة إلى أميز المسلسلات التلفزيونية

من الأشياء التي كانت لافتة لدى "لطفي الخوري" أنه كان يبتكر بعض الحركات بمهارته نتيجة عدم توفر بعض المعدات الأساسية في البداية، فمثلاً في أحد الأفلام كان يحتاج المشهد إلى "كرين" ولم يكن موجوداً، فركب على كتف أحد مساعدي التصوير ليصور مشهداً فيه نزول وصعود الكاميرا، ودار فيه مئة وثمانين درجة، وهكذا بدا مبدعاً ولم يقف أمامه أي عائق».

محمد منير الجبان

وأضاف: «تميز فناننا بدماثة الروح والأخلاق ولم يبخل على أحد بأي معلومة، وأذكر من روح الدماثة عنده، كنا نصور فيلم "الاتجاه المعاكس" في قرية "طيبة" ويلزم المشهد إضاءة "فلات"؛ أي غير مباشرة، فلا بد من نصب خيمة تسمح بمرور أشعة الشمس، فطلب بنصب بعض الأعمدة وبالمصادفة جاءت أحد الأعمدة على عش "دبابير" وهاجت، وأستاذنا شعره قليل، فركض بطريقة كوميدية ويهاجمه سرب من الدبابير؛ وهو يحمي رأسه بيديه ويضحك. وأيضاً أذكر عند تصوير فيلم "عود النعناع" عمل معنا مدير إنتاج ليس ابن المهنة؛ وهذا ما كان يكرهه "لطفي الخوري" أن يعمل بالمهنة غير أصحابها، فطلب من مدير الإنتاج أن يذهب إلى المؤسسة ليجلب (عين السمكة)؛ وهي نوع من عدسات الكاميرا، لم يشرح له "الخوري" قصداً ليبين له أنه لا يفقه شيئاً بالسينما، ذهب إلى سوق "باب توما" وأتى بثلاث سمكات، وقال: (يالله يا أستاذ اقلع عيني السمكة بنفسك)، هكذا العمل مع "جورج لطفي الخوري" لا تشعر بالملل، يخلق جواً مرحاً لا تشعر حتى بالتعب».

وأنهى "منير الجبان" حديثه: «لم يكن متطلباً، ويعمل أي شيء لمصلحة العمل بعيداً عن الشخصنة، وهنا أذكر في فيلم "عود النعناع"، حيث كان يعمل مديراً للتصوير، واختلف مع المخرج، ومع ذلك لم يترك العمل، ولم أذكر يوماً أنه خاصم أحداً، بل كان محباً للجميع».

من أعماله

"نضال قوشحة" رئيس تحرير مجلة "آفاق سينمائية"، قال: «"جورج الخوري" أحد أعمدة الفن السينمائي السوري، عمل منذ بدايات السينما السورية في القطاع العام، وصور أول فيلم روائي طويل "سائق الشاحنة"، ومن بعده عشرات الأفلام في القطاعين العام والخاص، كما قدم فيلمين إخراجياً، وحازت بعض أعماله جوائز سينمائية في "سورية" وخارجها، كما عمل في التلفزيون وقدم أعمالاً مع أهم المخرجين السوريين، كان صاحب جهد كبير في وضع وتنفيذ القاعدة التقنية في المؤسسة العامة للسينما. آخر أفلامه كمدير تصوير "حراس الصمت" مع المخرج "سمير ذكرى"».

"جميل العامود" من متابعي السينما السورية، قال: «عندما نتحدث عن السينما السورية يجب أن نذكر اسم الفنان "جورج لطفي الخوري"؛ لكونه عمل مديراً للتصوير في أغلب الأفلام السينمائية، إضافة إلى أميز المسلسلات التلفزيونية».

نضال قوشحة

وأضاف: «تابعت الفيلمين اللذين أخرجهما لمصلحة القطاع الخاص وهما: "أموت مرتين وأحبك" بطولة "ناجي جبر، وإغراء"، كتبه "عبدالعزيز هلال" المتحيز للطبقة الفقيرة، حيث يجسد الفيلم حال زوجين يعيشان الفقر المدقع. والثاني "الصحفية الحسناء" تمثيل "إغراء، وسمير يزبك"، يحكي قصة صحفية تنقل مجريات دورة رياضية عربية في "دمشق" وعلاقة حب بينها وبين مغنٍّ شاب، يتميز الفيلمين بالجرأة في الموضوع والمشاهد على الرغم من إنتاجهما أواسط السبعينات من القرن الماضي».

يذكر أن "جورج لطفي الخوري" من مواليد "دمشق" عام 1939، من أعماله في السينما كمدير تصوير نذكر: فيلم "اللقاء"؛ وهو عن ثلاثية "رجال تحت الشمس" إخراج "مروان المؤذن" عام 1970، "اليازرلي" إخراج "قيس الزبيدي" عام 1974، "الأبطال يولدون مرتين" إخراج "صلاح دهني" عام 1977، "الشمس في يوم غائم" إخراج "محمد شاهين" عام 1985، "صعود المطر" للمخرج "عبد اللطيف عبد الحميد" عام 1995، "الترحال" إخراج "ريمون بطرس" عام 1996، "حراس الصمت" إخراج "سمير ذكرى" عام 2010. وفي التلفزيون من أميزها: "شجرة النارنج" إخراج "سليم صبري" عام 1985، "الخريف" إخراج "باسل الخطيب" عام 1994، "القلاع" إخراج "مأمون البني" عام 1997، "الجمل" إخراج "خلدون المالح" عام 1999، "القادم الغريب" إخراج "خالد الطخيم" عام 2004، "الظاهر بيبرس" إخراج "محمد عزيزية" عام 2005، "على طول الأيام" إخراج "حاتم علي" عام 2006، ونال العديد من الجوائز وشهادات التقدير خلال مسيرته الفنية الحافلة، وتوفى عام 2012.