من دون احتفالات جنائزية، رحل الفنان السوري "توفيق العشا" تاركاً صوته المجلجل في ذاكرة محبيه على مدى أكثر من نصف قرن، بعد أن عاش بينهم صغاراً وكباراً في أمسياتهم البعيدة عن الضجيج والوجع، فكان بأدواره الصغيرة وصوته النادر فاكهة الدراما والمسرح السوري.

المسيرة الفنية التي بدأت عام 1960، من خلال صوته النادر الخامة، الذي كان بمنزلة جواز السفر عدّه الكثيرون حالة منفردة لكي يدخل كل بيت، بعد تسجيل عدد من الحلقات المدبلجة لمصلحة التلفزيون السوري، حيث يقول الفنان المسرحي والمخرج "رفعت الهادي" لمدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 19 تشرين الأول 2018، إن الراحل "العشا" من المؤسسين لنقابة الفنانين السوريين عام 1967، وأضاف: «لم يأخذ حقه الكامل في الإعلام والفن، وهذا رأيي الشخصي، كان حضوره بهياً ويغني العمل الفني، وأكثر ما يتذكره الناس دور "ملسون" في المسلسل الشهير "افتح يا سمسم"، وفي "مرايا" المسلسل الكوميدي الناقد مع الفنان "ياسر العظمة" منذ بدايته وحتى آخر جزء فيه. لكنه بدأ كغيره من الفنانين بالمسرح، وأنجز مع أبناء جيله عدداً من المسرحيات، مثل: "حفلة سمر من أجل 5 حزيران"، و"لا تسامحونا"، و"الحب"، و"عطر المرأة"، و"فرح الشوك". ومن أهم الأفلام التي شارك بها: "الانتفاضة"، و"أبو عنتر بوند"، و"غابة من الإسمنت"، و"أيام في لندن"، وغيرها الكثير. لم يكن يوماً البطل المطلق، ولم يهتم كثيراً بذلك، كان يعتمد على النص الجيد، والدور الذي يبقى في الذاكرة مهما كان صغيراً، والمشاهدون لن ينسوه يوماً، خاصة في دوره المميز بمسلسل "يوميات مدير عام" في جزئه الأول».

تعرّفت إليه عام 1997، عندما كنا نشتغل في مسلسل "مرايا"، وما بعده. كان فناناً ملتزماً وصادقاً في تعامله مع الآخرين

رحل الفنان "العشا" المولود في "بيروت" عام 1948، بعد معاناة كبيرة مع المرض العضال، حيث ابتعد عن الشاشة مدة عشرة أعوام كاملة بسبب مقاومته للمرض، لكن وهج صوته القوي المحبب ما زال يصدح في ذاكرة المشاهد على الرغم من كل الإهمال الذي لقيه في مسيرته الطويلة، حيث يقول الناقد الفني "صايل الكفيري" عن ذلك: «لا شك أن السنوات الماضية كانت قاسية على عدد من رموز الفن السوريين القدماء، وهو ما ينطبق على "العشا" الذي عانى من الإهمال والنصوص الضعيفة التي رفضها احتراماً لمسيرته الغنية ونفسه وجمهوره العريض. كان أول عمل سينمائي اشترك به في سنة 1970 في فيلم "الصديقات"، وأول مسلسل تلفزيوني كان سنة 1961 في مسلسل "رابعة العدوية"، وله العديد من المسلسلات الإذاعية الشهيرة. ومن أعماله التلفزيونية: "الزيناتي خليفة"، و"الحب والشتاء"، و"وضاح اليمن"، و"رمضان كريم"، و"أحمد باشا الجزار"، و"تغريبة بني هلال"، و"الأميرة الشماء"، و"الأميرة الخضراء"، و"حمام القيشاني"، و"الزعيم"، وغيرها. والشيء المميز في مسيرته أنه لم يكن يؤمن بـ(الشللية) التي طغت على الوسط الفني، حتى إنك تخاله قد اعتزل منذ وقت طويل.

من مسلسل مرايا

كان "العشا" أحد أعمدة مسلسل "مرايا"، ومثّل فيه عشرات الشخصيات المهمة، إن لم نقل المئات، وكان أحد الثوابت الأساسية إلى جانب "ياسر العظمة" وكوكبة من نجوم الدراما السورية الذين ودّعوا الحياة. إضافة إلى مسلسل "يوميات مدير عام"، ومرايا"، وبعيداً عن هذين العملين لم يترك انطباعاً كبيراً فيما قام به أوائل القرن الحالي».

يقول المخرج الفنان "مأمون النبي" الذي تعامل مع الفنان الراحل في مسلسل "مرايا": «تعرّفت إليه عام 1997، عندما كنا نشتغل في مسلسل "مرايا"، وما بعده. كان فناناً ملتزماً وصادقاً في تعامله مع الآخرين».

ملسون في "افتح يا سمسم"