هو أنموذج للباحث الفذّ، آمن بأفكاره وسعى إليها بعناد لا يلين، وإصرار قارب أحياناً حدَّ الجنون، فقمَّة العقل الجنون، وحقق الرضا الدّاخلي، كما في مشروع الهيئة العليا للبحث العلمي، وقَبِل التحدي فيه بكلِّ رحابة صدر، وسعى إلى تحقيقه؛ وكان له ما أراد.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 تشرين الأول 2018، التقت الدكتور "آصف دياب"، وتجولت معه في مفاهيم البحث العلمي وأدواته، وتناولت معه قضايا شخصية من مسيرة حياته، فقال: «درست الثانوية العامة القسم ثاني، فرع الرياضيات في مدينة "طرابلس" اللبنانية عام 1973، وكان نظام التدريس باللغة الفرنسية، ودرست باختياري هندسة الكهرباء والميكانيك في جامعة "حلب"، وذلك بعد أن عدلت شهادتي وفق الأنظمة في الجامعة، حيث كانت لي شرف المرتبة الأولى في كل سنوات الدراسة. وفي السنة الأخيرة من دراسة الهندسة، جاءني ممثل عن مركز الدّراسات والبحوث العلميّة لأكون بين صفوفه، وقد قبلت بذلك وبشغف كبير وباشرت العمل فيه عام 1979. وبعد مدة قصيرة، أوفدت إلى "فرنسا" قاصداً المدرسة العليا للطيران والفضاء، حيث حصلت على اختصاص في تقانات الطيران والفضاء، ودبلوم في الدّراسات المعمّقة في تكنولوجيا العربات "الجوفضائية"، وتابعت بعدئذ دراستي العليا لأحصل على الدكتوراه في ديناميك الأجسام الطّائرة والتحكم بها، وعدت إلى المركز عام 1984 لأعمل فيه وأنخرط في أنشطته البحثيّة المختلفة، وقد كان لي فرصة المشاركة في تأسيس فرع مركز الدراسات والبحوث في "حلب". في عام 1998، غادرت "حلب" ونُقلت إلى "دمشق" لأدرِّس في المعهد العالي للعلوم التّطبيقيّة والتّكنولوجيا، حيث شاركت بتأسيس أول قسم للميكاترونيكس في المعهد، وقمت بتدريس مقرراته، واختصاص الميكاترونيكس هو خليط من اختصاصات الميكانيك والتّحكم والإلكترونيات والمعلوماتيّة. وبعد عامين، انتقلت إلى معهد بحوث الميكانيك لمدة ثلاث سنوات، ثم اشتغلت في فعاليات الإدارة العامة مديراً للدراسات الاستراتيجية».

عدت إلى مركز الدّراسات والبحوث العلميّة في "دمشق"، وتسلَّمت محوراً تكنولوجياً وعلمياً، وأسهمت في تأسيسه وإرساء قواعده، وبعد أن انتهت من مهمتي تلك في هذا المحور، بدأت في عام 2013 أعمل كمستشار للمدير العام للمركز لشؤون إدارة المعرفة، وأقوم حتى تاريخه بتقديم الاستشارات وإعداد الدراسات المطلوبة في عدد من القضايا ذات الصلة بمختلف مناحي تخطيط العلوم والتقانة والإدارة العلمية على مستوى المركز

في عام 2005، انتقل الدكتور "آصف دياب" للعمل في تأسيس الهيئة العليا للبحث العلمي بعد أن وقع الخيار عليه، ليكون أول مدير عام لها. وعن هذه الرحلة قال: «نتيجة بحث وعمل استمر لسنوات من قبل الباحثين والخبراء السوريين، جاء المرسوم 68 لعام 2005 بإحداث هيئة البحث العلمي لتدير البحث العلمي في "سورية"؛ كي تخطط له وتنسق جهوده وتضع محاوره واستراتيجياته، وترسم توجهاته التقانية انطلاقاً من سياسة علمية وتقانية محددة، وتؤمن الدعم المالي، وتساعد في إنشاء مؤسسات البحث العلمي في "سورية"؛ بمعنى أن تقوم الهيئة العليا للبحث العلمي بحوكمة سيرورته، والتطوير التقاني لمنظومة الابتكار السورية. وبدأنا العمل على الرغم من كل ما واجهنا من صعوبات تأسيسية ولوجستية، وبجهود صعبة جداً انطلقنا وكوّنّا مجلس إدارة للهيئة العليا للبحث العلمي، ومجلس أعلى لها برئاسة رئيس مجلس الوزراء، ولجنة توجيه وإدارة مصغرة، حيث ضمَّت عدة خبراء سوريين بالتنسيق والتشاور مع وزارة التعليم العالي والجامعات والمعاهد العليا والهيئات والمراكز العلمية السورية، وخبراء من القطاع الخاص. ولعبت لجنة التوجيه والإدارة المصغرة دور العقل المفكر والمدبِّر للهيئة العليا، واجتهدت بالعمل، ونجحت بصعوبة بالغة في وضع أسس حوكمة البحث العلمي والتطوير التقاني على المستوى الوطني، وبذلك قمنا بوضع حجر الأساس الذي ارتضيناه لمنظومة الابتكار السورية. كان لعملي بهذه المنظومة وعلى مدار أربع سنوات فضل كبير عليَّ من حيث وجودي في مجتمع علمي وتقاني جديد بالنسبة لي أوسع من مجتمع المركز؛ وهذا كان له الأثر الطيِّب في مساري العلمي والتقاني من خلال الاحتكاك بكل المجتمع العلمي والتكنولوجي السّوري والتعامل معه، الذي تعلَّمت منه الكثير سواءً من حيث غنى الثقافة العلمية والتقانية السّورية، أو من حيث تنوُّع الحياة في مجتمعنا الأصيل هذا».

الدّكتور أسامة عمار

ويتابع: «عدت إلى مركز الدّراسات والبحوث العلميّة في "دمشق"، وتسلَّمت محوراً تكنولوجياً وعلمياً، وأسهمت في تأسيسه وإرساء قواعده، وبعد أن انتهت من مهمتي تلك في هذا المحور، بدأت في عام 2013 أعمل كمستشار للمدير العام للمركز لشؤون إدارة المعرفة، وأقوم حتى تاريخه بتقديم الاستشارات وإعداد الدراسات المطلوبة في عدد من القضايا ذات الصلة بمختلف مناحي تخطيط العلوم والتقانة والإدارة العلمية على مستوى المركز».

الدّكتور "أسامة عمّار" دكتوراه في تقانات الاستشعار عن بعد، تحدث عن طبيعة معرفته بالدكتور "آصف دياب"، ويقول: «تعود معرفتي به إلى المدة التي تسلّمت فيها مهامي بإدارة الهيئة العامة للاستشعار عن بعد، حيث كان مدير الهيئة العليا للبحث العلمي، وعرفت فيه الإنسان صاحب الخلفية المعرفية الهائلة والواسعة الاطلاع، موسوعي، اختصاصه متميز، وأعدّه من القامات العلمية الوطنية الكبيرة، كانت لديه خطة كاملة لتأسيس الهيئة والنهوض بها؛ وعلى الرغم من صعوبة هذه المهمة، إلا أنه تصدى لها ونجح في توطيد أساسها، وبصماته فيها واضحة إلى الآن؛ خاصة في تقرير السياسة الوطنية في العلم والابتكار. عمل على التشبيك بين الهيئة ومؤسسات الدّولة المختلفة المعنية سواء بالقطاع العام أو الخاص وغيرهما من المجالات، عملت معه في إعداد الوثيقة الأولى لمشروع برنامج الفضاء، ثم تكوّن الفريق الوطني لهذا المشروع، وكان عضواً أساسياً فيه، وعملنا مدة طويلة بالتعاون مع فريق من المخلصين الوطنيين، وترجمت نتائجه بتأسيس المرحلة الأولى ببرنامج الفضاء السوري بإقامة محطة استقبال للمعطيات الفضائية، ووضعنا تصوراً لمراحل المشروع، كموضوع القمر الصّناعي السوري الأول. تواضع الدكتور "آصف" لم يمنعه من قبول العمل كمعاون مدير عام للشؤون العلمية في الاستشعار عن بعد، بسبب حسّه الوطني العالي، وحسّه بالمسؤولية تجاه البحث العلمي».

الدكتور "آصف دياب" ولد في "لبنان" عام 1958، له عدة منشورات وكتب في قضايا إدارة المعرفة العلمية والتقانية، ومواضيع إدارة البيانات والمعلومات، وشارك في دراسات استشرافية، وأنجز العديد من الدراسات والأبحاث، وقام بتأليف عدد من الكتب التعليمية في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، وترجم عدداً من المنشورات والكتب من اللغة الإنكليزية إلى العربية، أهمها كتاب "أساسيات النانو".