يعدّ "المعلم" لكثيرين من نجوم الدراما السورية، اكتشف نفسه بنفسه، وتمتع بخفة دم جعلت منه واحداً من الشخصيات المحببة لكل من عرفه. أسس أول فرقة مسرحية سورية عام 1955، وكان يعرض أعماله في البيوت العربية الدمشقية، ولمع اسمه مسرحياً وتلفزيونياً وسينمائياً على الرغم من قلة ظهوره، وانتقائيته التي جعلت الناس يتشوقون إلى متابعته.

مدونة وطن "eSyria" فتحت مسيرة الفنان الراحل "رياض شحرور"؛ ذلك الساحر الطيب الذي يعدّ ظاهرة سورية بامتياز، وتواصلت مع ابنه البكر "عاطف شحرور" المغترب في "كندا"، ليتحدث عن بداية عمل والده بالفن، فقال: «ولد في "دمشق" علم 1935، ضمن أسرة لا تؤيد كثيراً فكرة أن يكون ولدها مسرحياً؛ لذلك لم يلقَ الدعم الكافي من جدي، مع أن الأخير لم يعارض أيضاً. تتلمذ على يد القدير "علي الرواس"، وكان في بداياته يؤلف المسرحية ويختار الكادر من ضمن وسطه، ويقوم بالإخراج من دون أن يدرك أن هذه التراكمات الصغيرة سوف تقوده ليؤسس أول فرقة مسرحية عام 1955، وقد أطلق عليها: "الفرقة الشعبية للتمثيل والموسيقا". ولأن المعارضة كانت كبيرة، ولم يجد التمويل الكافي لكي يعرض في مسرح نظامي، فقد عرض مسرحياته في البيوت العربية القديمة متحملاً فوق طاقته التكاليف والأجرة وكل ما يتعلق بحاجة الممثلين، غير أنه كان مفعماً بالنشاط والحيوية، وفرحاً بأنه استطاع -على الرغم من كل التعب- أن يؤسس فرقة متكاملة».

كان همي إنشاء جيل سوري يعرف أن المسرح نعمة على أي شعب في العالم، وليس نقمة؛ وفي سبيل ذلك ندفع المال، ولو من لقمة عيشنا

وعن أهم ما قدم للمسرح، يضيف: «بدأ أبي التمثيل عام 1952؛ أي قبل ثلاث سنوات من تأسيس فرقته، حيث ألّف العديد من المسرحيات الهادفة والناقدة بقالب كوميدي، ومنها: مسرحية "إبرة بكومة قش"، و"الرشوة" التي عرضت ولَم تصور، و"أبو خليل القباني"، و"النيزك"، و"جابر عثرات الكرام"، وقد تتلمذ الكثيرون من الفنانين في مسرحه، وأذكر منهم الفنان "طلحت حمدي" الذي اكتشفه مبكراً، وقد وصف بخفة الدم من خلال أدواره الكوميدية، وهو عضو في المسرح القومي ومن مؤسسي نقابة الفنانين، ويشهد له نوابغ المسرح السوري والدراما والسينما في هذا البلد بأنه كان أستاذاً لمعظمهم. هذا الواقع جعل من خصوم نجاحه يعرقلون مسيرته، ويحاولون إبعاده عن الفن بأي وسيلة، وكثيراً ما كان يتوقف عن العمل لهذه الأسباب، فهو -كما كان يقول- فنان، ولا يسعى إلى شيء إلا لفنه، وقد ابتعد في مرة واحدة مدة 15 عاماً عن التلفزيون على الرغم من موهبته الفطرية النادرة، و(الكركتر) الذي لا يتكرر بحسب وصف الراحل القدير "عبد اللطيف فتحي"، الذي قال عنه: "رياض شحرور هو السكرة في المسرح القومي". والقدير الآخر "عدنان بركات" قال أيضاً: "لو قدر للفنانين رياض شحرور، وعبد اللطيف فتحي أن يعملا بحرية، ومن دون محاربات، لكان لدينا (لوريل وهاردي) بكل ما تعنيه الكلمة". عندما دخل التلفزيون في بداية افتتاحه، قدم أعمالاً كثيرة بالأبيض والأسود، لكن أغلب تلك الأعمال أهملت وحرقت من دون أن يعرف السبب، ومنها عمل ضخم ينافس "صح النوم"، واسمه "دولاب"».

من مسلسل "عيلة خمس نجوم"

كان ينتقي "شحرور" أدواره بعناية فائقة، ولا يهتم للعروض الكثيرة التي تنهال عليه، لأنها لا تحمل قيمة مضافة إلى مسيرته، حيث قال الابن عن مسيرة والده في التلفزيون: «على الرغم من حرقة قلبه على الأعمال التي ذهبت إتلافاً وحرقاً في التلفزيون ولم تعرض، إلا أنه استمر في عمله المسرحي من خلال "المسرح القومي" الذي ظل وفياً له حتى وفاته. وعندما ابتعد عن الشاشة لمدة 15 عاماً، جاءه عرض في مسلسل "الدغري" لتمثيل دور "المحافظ"، حيث حاز لقب أفضل ممثل فيه، علماً أن دوره لا يتعدى الثلاث حلقات، وبدأت بعدها العروض تنهال عليه، وهو يحاول الانتقاء منها؛ وهو ما أعطاه دفعاً وشيئاً جديداً لمسيرته. علماً أنه كان مرجعاً لغوياً شامياً لكثير من المسلسلات، وشخصاً مقرباً من الفنانين القدامى، مثل: "نهاد قلعي"، و"عدنان بركات"، و"شفيق منفلوطي"، و"محمود جركس"، و"عبد اللطيف فتحي".

وكانت أهم الأدوار التي مثّلها في الأعمال: "نهاية رجل شجاع"، "عيلة خمس نجوم"، "يوميات مدير عام"، "أحلام أبو الهنا"، "دنيا أسعد سعيد"، "أهل الراية"، "يوميات أبو عنتر"، "فرصة عمر"، "قلة زوق وكترة غلبة"، "عواء الذئب".

مؤسس أول فرقة مسرحية - صورة نادرة

ومن أفضل وأروع أفلامه فيلم "الليل"، للمخرج "محمد ملص"، حيث شارك في مهرجان "فيينا" السينمائي الدولي، ويومها قال مدير المهرجان عن أبي: "يوجد جوهرة في سورية، لا أحد يعرف قيمتها"».

الزميل الإعلامي "وائل العدس" المختص في الشأن الفني، قال عنه: «في عام 1955، أسس "شحرور" أول مسرح في "سورية"، جمع إليه مجموعة من الشبان ممن هم في سنه وأصغر بقليل، وطاف بهم شوارع "دمشق" في تلك المرحلة الذهبية من تاريخ "سورية" لجهة تقبّل الأفكار الجديدة.

من أعماله الشامية

وحين تم التضييق عليه لنشاطه في الشارع، قرر نقل مسرحه الشارعي المتجول من الطرقات العامة والأرصفة، إلى بيوت دمشقية قديمة غير مسكونة، وكان يدفع أجرة اليوم لصاحب المنزل من جيبه الخاص، ولم يكن يربح من مسرحياته إلا القليل.

لم يكن "شحرور" ذاك الثري أو الذي يملك المال الكافي للصرف على مسرحه، وكذلك أجور الممثلين معه، أو حتى تعويض ساعات الكتابة أو البحث عن الأفكار، كما لم يكن والده يؤمن بالمشروع من أساسه، وإن ترك له حرية التحرك كناشط في الفن والثقافة.

وظل يصرف على فنه لسنوات، إلى أن جاء التلفزيون عام 1960، وعندها أسست دائرة في التلفزيون للفنون، فراح يقدم لها مشاريع مسرحية تم تجمع أبرز نجوم الوسط في ذلك الحين من ممثلين ومخرجين، فلاقى نتاجه المقابل المادي الذي يطمح إليه أي فنان.

وفي مطلع السبعينات أُسِّست نقابة الفنانين، وكان واحداً من مؤسسيها، وعرضت عليه المناصب كثيراً ومراراً، لكنه كان على الدوام يرفض أو يعتذر، لأسباب تتعلق بالمهنة وروحها وحسب».

يقول النجم الراحل "رياض شحرور" في لقاء صحفي قديم: «كان همي إنشاء جيل سوري يعرف أن المسرح نعمة على أي شعب في العالم، وليس نقمة؛ وفي سبيل ذلك ندفع المال، ولو من لقمة عيشنا».

كانت علاقة "شحرور" بالفنان "أيمن زيدان" مميزة، وكان الأخير يعرف قيمته، وفي أغلب أعماله كان "شحرور" أحد النجوم التي يرتكز عليها العمل، وقد برز بروزاً لافتاً بعد دوره الكوميدي الكبير في "عيلة خمس نجوم" بدور "أبو وصفي"، في "يوميات مدير عام"، وظلت هذه العلاقة متجذرة حتى أواخر أيام "شحرور"، حيث كان من الفنانين القلائل الذين اهتموا بزيارته أثناء مرضه، وحتى وفاته في 15 أيار 2014.