بمجهودٍ ذاتيّ كبير، وموهبةٍ نادرة، استطاع الراحل "صالح القنواتي" أن يطوّر ميوله الفنية المتنوعة، ويعبّر عن حبه للتراث الدمشقي الأصيل، بتصميمه وبنائه قاعة دمشقية متكاملة في صالون منزله، تاركاً لعائلته إرثاً لا مثيل له في العالم.

مدونة وطن "eSyria" التقت ابنته "ندى القنواتي" بتاريخ 31 تموز 2017، وعن موهبته تقول: «ظهرت ميول والدي الفنية والأدبية منذ طفولته المبكرة، وكانت رسوماته في المدرسة الابتدائية مثار انتباه أساتذته، ثم أثناء دراسته في "فرنسا" التحق بعدة دورات فنية لتنمية موهبته في الرسم والنحت لأنه كان يتمنى دراسة الرسم في "إيطاليا" بعد حصوله على الشهادة الثانوية، لكن الظروف لم تمكّنه من تحقيقها آنذاك بسبب الحرب العالمية الثانية، وبعد وفاته ترك العديد من اللوحات الزيتية والمائية، ورسومات بالقلم الخشبي والحبر الصيني، إلى جانب منحوتات من الخشب و"الجبس"، وأهم ما تركه هو القاعة الشرقية التي صممها ونفذها من دون الاستعانة بأحد، ومن دون أي آلة كهربائية، وكلها من الخشب الثمين وبذور الزيتون المعالجة، ويمكن وصفها بالتحفة الفنية النادرة التي لا شبيه لها في العالم، حيث استغرق إنجازها نحو أربعة عشر عاماً، وصنعت من خشب الجوز والسنديان المثبتة على ألواح "اللاتييه"، بدأ تنفيذها عام 1970، وانتهت عام 1984».

لقد ترك إرثاً فنياً مميزاً، عدا لوحاته المتنوعة التي رسمها باستخدام الألوان المائية والفحم والحبر الصيني والزيتي، و"السكيتشات" اليدوية السريعة، ترك عملاً نحتياً ينطق باسمه في صالون منزله، زينت جدرانه وسقوفه بلوحات فسيفسائية تجسّد فن العمارة والزخرفة الإسلامية النباتية بلمسة معاصرة وأسلوب خاص، كانت له بصمته في كل شيء، في فنه وشخصيته ومعاملته والتزامه الأسري، وفي مزاحه وجدّه، وترك معالم فنية تستحق التقدير والتوثيق

وعن أهمية هذا الإرث للعائلة، تقول: «لم يكن المرحوم يسمح لنا أو لأحد بمساعدته، لأنه أراد تنفيذها منفرداً، أو ربما لم يثق بأن هناك شخص غيره قادر على العمل كما يحب، واكتفى بشراء أنواع الأخشاب من السوق، وقام بتشريحها وقصها وبردها وتنعيمها، ولصقها بنفسه، وأحببنا ما يصنع، وشعرنا بالفخر لأن إنجازه حبّب إلينا كل ما يتعلق بتراثنا الدمشقي بفنونه المختلفة، ويمكن لمن يشاهد القاعة التي تركها لنا أن يتخيل مدى اعتزازنا به، ويكفينا كعائلة دمشقية عريقة شهادة الأهل والأصدقاء والمعارف، ولم نتواصل مع أحد من المختصين بالفن التشكيلي أو التراث بخصوص هذا الإرث لما يعنيه لنا عمله من خصوصية، فقد عاش عمره هاوياً لكل أنواع الفنون، بما فيها الموسيقا، حيث كان عازفاً على عدة آلات موسيقية، وحين طلب منه المقربون إقامة معرض لأعماله رفض رفضاً قاطعاً أن تخرج أي قطعة فنية من بيته».

جانب من القاعة الدمشقية بمنزله

من جهتها "سيما القنواتي" الأستاذة في كلية "هندسة العمارة"، والمهتمة بالتراث الدمشقي، التي تتلمذت على يده منذ الصغر، تقول: «الراحل "صالح" هو عم والدي، وبمقام جدّي، لمس عندي موهبة الرسم وحب الألوان والتصوير منذ الصغر، كان يزورنا في البيت، ويشاهد رسوماتي، ويعطيني ملاحظات عنها، علّمني الرسم المنظوري والبعد الثالث، كان يحضر لي الهدايا كالكتب الفنية والألوان وريش الرسم، ويهتم لحضوري على الرغم من وجود الكبار، ويطلعني على رسوماته، ويعاملني مثل الكبار، ويجيب عن أسئلتي بصبر وحب، كانت صحبته لي من أمتع لحظات حياتي، حيث أهداني أيضاً الروايات والقصص التي تناسب عمري آنذاك؛ وهو ما شجعني على المطالعة، كان شخصية فريدة بطيبة قلبه وصبره وكرمه اللا متناهي، الفن أعطى لروحه شفافية لا مثيل لها، كان مرحاً يحب الضحك، ومسقيماً في حياته، ومثلاً أعلى يحتذى به.

محبته، وتشجيعه لي على الرسم، جعلا شخصيتي الفنية تنمو وتزدهر، وسعد عندما قررت الدراسة في كلية "هندسة العمارة"، وكنت أستعين برأيه في مشاريعي الجامعية، وكان يوجه لي النقد البناء بأسلوب لطيف، وتعلّمت منه احترام الآخر».

من أعماله

وعن أعماله تقول: «لقد ترك إرثاً فنياً مميزاً، عدا لوحاته المتنوعة التي رسمها باستخدام الألوان المائية والفحم والحبر الصيني والزيتي، و"السكيتشات" اليدوية السريعة، ترك عملاً نحتياً ينطق باسمه في صالون منزله، زينت جدرانه وسقوفه بلوحات فسيفسائية تجسّد فن العمارة والزخرفة الإسلامية النباتية بلمسة معاصرة وأسلوب خاص، كانت له بصمته في كل شيء، في فنه وشخصيته ومعاملته والتزامه الأسري، وفي مزاحه وجدّه، وترك معالم فنية تستحق التقدير والتوثيق».

الجدير بالذكر، أن الراحل "صالح عبد الغني القنواتي" من مواليد حيّ "القنوات" الدمشقي، عام 1923، وتوفي عام 2012.

دقة العمل الدوي في سقف القاعة